الجمهورية اليمنية
وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة
قطاع التوجيه والإرشاد
الإدارة العامة للخطباء والمرشدين
--------------------------------
خطبة الجمعة الرابعة من شهر ذي الحجة 1444هـ
الــعـنــــــــوان: (حاجة الأمة لولاية الله ورسوله والإمام علي عليه السلام)
التاريـــــــــــــخ: 26/ 12/ 1444هـ
الموافق 14 / 7 / 2023 م
الـرقــــــــــــم: ( 56 )
➖➖➖➖➖➖➖➖
أولاً: نقاط الجمعة
1-ولاية الإمام علي هي امتداد لولاية رسول الله الذي ولايته امتداد لولاية الله التي ليست تكوينية فقط وإنما ولاية هداية وتشريع في كل المجالات ويترتب عليها الرعاية والنصر والتأييد
2-نحن أمام مسارين لا ثالث لهما إما ولاية الله ورسوله والإمام علي أو ولاية الشيطان وأوليائه من اليهود والنصارى والمنافقين ولن يحصننا من ذلك إلا الولاية الإلهية
3-اللوبي الصهيوني يقود الغرب إلى نشر الرذيلة والفاحشة وهذا ليتمكنوا من السيطرة على الناس
والولاية الإلهية تحصن الأمة من ذلك وترتقي بها في زكائها ووعيها ومعنوياتها
4-نبارك لأمتنا قرب العام الهجري الجديد وأهمية اعتماد التاريخ الهجري الذي يربطنا بالمناسبات المهمة كالهجرة ورمضان والحج وغير ذلك
5-قبل بدايةعامنا لا بد من تقييم واقعنا والعزم على إصلاح الأخطاء والارتقاء إيمانيا وعمليافي كل المجالات
6-الإشادة بقرار وزارة الصناعة والتجارة بمنع استيراد المنتجات السويدية لنثبت ولاءنا لله وتمسكنا بالمقدسات ومباركة العمليات التي نفذها مجاهدو المقاومة ردا على اعتداءات الصهاينة على جنين.
.🔹 ثانياً: نص الـخـطـبة
الخطبة الأولى
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَدُ أن لَا إلهَ إلَّا الله الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين، اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأخيارِ المنتجبين، وعن سائرِ عِبَادِك الصالحين والمجاهدين.
أما بعد/ أيها الأكارم المؤمنون:
ما زلنا في شهر ذي الحجة الحرام، وما زال حديثنا مستمرًا عن مبدأ الولاية لله ولرسوله وللإمام علي عليه السلام، وعن حاجة الأمة لهذا المبدأ الذي له علاقة بحيوية الدين في واقع الأمة عبر الأجيال ، وعندما نتأمل في قول الله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 54-55] وفي نص البلاغ النبوي عندما قال رسول ﷲ "صَلَوَاتُ ﷲ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ" في يوم الغدير: (إنّ ﷲ مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)، يتضح لنا أن ولاية أمير المؤمنين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، هي امتداد لولاية رسول ﷲ "صَلَوَاتُ ﷲ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ"، وهذا يبين لنا مدى أهمية ولاية الإمام علي، وأنها ليست منفصلة عن ولاية رسول ﷲ، وهذا الربط واضحٌ في النص النبوي: (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)، وفي الآية المباركة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا}. وولاية رسول ﷲ "صَلَوَاتُ ﷲ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ" هي تصلنا بولاية ﷲ تعالى لعباده المؤمنين؛ لأن الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو الولي لعباده، ومدبر شؤون هذا الكون، والمالك له، وولايته التكوينية هي محل اعتراف حتى عند الكافرين: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} لكن فيما يتعلق بولاية ﷲ في الهداية والتشريع والأمر والنهي، والتي يترتب عليها رعايته بالتأييد والنصر والرحمة وغير ذلك مما وعد به عباده المؤمنين، فهذه الولاية هي التي يَكفُر بها الكافرون ويتهربون منها، ويرتبطون بديلاً عنها بولاية الطاغوت، كما هو حال المنافقين أيضًا.
عباد الله الأكارم:
إنّ ولاية الإمام علي تصلنا بولاية رسول ﷲ الذي ولايته تصلنا بولاية ﷲ تعالى لعباده المؤمنين التي تقوم على أساس: ولاية الهداية والتشريع والأمر والنهي والرعاية والنصر والتأييد، والولاية التي نبني عليها مسيرة حياتنا، فيما نلتزم ونعمل به، وفي الاتجاه الذي نرتبط من خلاله بتوجيهات ﷲ وتعليماته، وهذا هو الذي ارتبط به المؤمنون، وتحرروا من خلال هذه الولاية من ولاية الطاغوت، وتميزوا بذلك عن غيرهم من الناس، يقول الله في القرآن الكريم: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ
يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 256]، فالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو ولي الذين آمنوا، وهو الذي يهديهم ويشرع لهم، وبذلك يحظون برعايته ونصره وتوفيقه وتأييده ورحمته الواسعة، ويخرجهم بهدايته والهداة من عباده من الظلمات إلى النور، أما واقع الآخرين من الكافرين والمنافقين والجاحدين لهذه الولاية الإلهية، فهم يرتبطون بالطاغوت وبولاية الطاغوت، في الوقت الذي هم يقرّون بالولاية التكوينية لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وقد يعترف المنافقون إلى حد معين بالولاية التشريعية، ثم يتجهون إلى التحريف لها والتزييف لمفاهيمها.
ومن أبرز ما عمله الطاغوتُ في محاربة ولاية ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في شؤون عباده في الأمر والنهي والتوجيه والتشريع والهداية هو أنه يرفض قيادة الأنبياء والاتباع العملي لهم والاقتداء بهم، ويحارب ويرفض من هم امتداد للأنبياء الذين يسيرون بالناس على منهجهم وبسيرتهم.
والطاغوت له برنامجهُ التخريبي والظلامي والمفسد كما ورد في الآية المباركة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257]، وهو يسعى لأن ينحرف بهم، وأن يخرجهم من النور إلى الظلمات في كل شؤون حياتهم.
إخوة الإيمان:
يقول ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: من الآية 36]، فهناك تباين بين ولاية الطاغوت ومن ينضوي تحتها، وولاية ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لعباده المؤمنين ومن ينضوي تحتها، وهناك مساران لا ثالث لهما: مسار النور، والمسار الظلامي المفسد المخرب، الذي يعارض تعاليم ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" ومنهجه الحق، والذي يسعى لتضييع العدالة من واقع الناس، وينشر الشر والإجرام، ويروج للفساد في أنحاء العالم.
والطاغوت يتحرك بأدواته من الكافرين والمنافقين مع تنسيقٍ وتكاملٍ للأدوار فيما بينهم، والمنافقون يتحركون من داخل الساحة الإسلامية ضمن اتجاه معاكس لولاية ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" لعباده المؤمنين، في مفهومها الذي بيّنه ﷲ في القرآن الكريم، وبيّنه رسوله "صَلَوَاتُ ﷲ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ"، لذلك قال ﷲ عن المنافقين: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء :من الآية 145]، وهو يبين بهذه الآية المباركة سوء ما يفعلون، وخطورة الدور الذي يلعبونه ليخربوا واقع الأمة من الداخل.
ومن أكثر ما يكشف واقع المنافقين في مباينتهم لولاية ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وما هو امتداد لها، هو بغضهم للإمام علي عليه السلام، ولذلك ورد في الحديث النبوي المعروف بين الأمة جمعاء، أن النبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ" قال لأمير المؤمنين "عَلَيهِ السَّلَامُ": (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)، فالمنافقون لهم موقف عدائي، ولهم موقف مبغض لأمير المؤمنين "عَلَيهِ السَّلَامُ"؛ لأنه يكشف زيفهم وتحريفهم بما يقدمه من الحق والهدى والتعاليم الحقيقية للإسلام، التي إن سرنا عليها كنا مقتدين بحقٍ برسول ﷲ "صَلَوَاتُ ﷲ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ".
عباد الله:
فيما يتعلق بهذا العصر نجد أنّ الطاغوت يتحرك بإمكاناته الضخمة، ويسعى إلى تنفيذ أكبر عملية مسخ وانحطاط بالمجتمع البشري؛ لضمان الاستعباد لهم، ويمارس الظلم، ويسعى لمحاربة النور والعدالة، ويسعى لفرض ولايته الظلامية عليهم، ولكسب ولائهم؛ ولهذا نجد أن هذا الموضوع: هو يحتل الموقع الأول في الصراع بين الحق والباطل، وبين المستضعفين والمستكبرين، وبين المؤمنين الصادقين وبين أعداء ﷲ ممن انضووا تحت ولاية الطاغوت.
ولهذا يسعى اللوبي الصهيوني اليهودي وأمريكا والغرب الكافر في محاربة القرآن الكريم، وفي نشر الرذيلة والفساد والفتن في كل مكان، وفي الظلم للشعوب، وفي هندسة الأزمات في كل أرجاء العالم، ومحاربة الفضيلة، وإبعاد الناس عن الاتباع والاقتداء بالأنبياء والتمسك بتعليمات ﷲ وأوامره، وفصل الناس عن القيم والمبادئ الإلهية، وتضييع وتغييب العدالة، ونهب ثروات الشعوب، وتلك هي النتيجة لولايتهم.
وقد وصل بهم الحال إلى أن تتبنى أمريكا بشكلٍ رسميٍ وسياسي: نشر الفاحشة المثلية والفساد في العالم بشكلٍ غير مسبوق منذ أن أهلك ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قوم لوط، ويريدون أن يصلوا بالبشرية إلى أسوأ مستوى من الانحطاط، وأن ينحطوا بالإنسان عن مستوى إنسانيته حتى يتحول كحال بقية الحيوانات؛ فيخسر قيمته الإنسانية، وكرامته الإنسانية؛ لماذا؟ لأنهم يدركون أنهم من خلال ذلك سيتمكنون من السيطرة التامة عليه، والاستغلال التام له، بعد أن يفرغوه تمامًا من إنسانيته، وبعد أن يفصلوه عن تعليمات ﷲ وعن الاهتداء بهدى ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبعد أن يُخرجوه من دائرة النور إلى الظلام؛ ليكون صيدًا وفريسةً سهلةً لهم؛ لاستغلاله واستعباده.
أيها المؤمنون:
إنّ مبدأ الولاية الإلهية يرتقي بالأمة في زكائها ووعيها ومعنوياتها، ويجعلها بمستوى التصدي للطاغوت وأدواته من الكافرين والمنافقين، وهو الذي يحصن الأمة من ولايتهم والتولي لهم؛ لأن الذي ترك الساحة الإسلامية في كثير منها مفتوحةً لهم بتلك القابلية: هو غياب هذا المبدأ، وهذه مسألة مهمة جدًّا، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قال في القرآن الكريم: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة : 56]، ولن نكون من حزب ﷲ في مقابل حزب الشيطان؛ إلا بالتمسك بولاية ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبهذه الصلة التي نرتبط فيها بهداية ﷲ وتعليماته وتوجيهاته، ونُباين فيها الطاغوت وأدوات الطاغوت من الكافرين والمنافقين: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}.
ولذلك نجد أنفسنا في كل زمن بحاجة إلى الإيمان بهذا المبدأ العظيم، وإلى هذه الصلة بأمير المؤمنين "عَلَيهِ السَّلَامُ"، باعتباره الذي يصلنا حقًا بولاية الرسول "صَلَوَاتُ ﷲ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ"، وتصلنا ولاية الرسول بولاية ﷲ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
-
الخطبة الثانية
(لمحة عن الهجرة النبوية)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وآله الطاهرين، ورضي الله عن صحبه المنتجبين.
أما بعد/ أيها المؤمنون:
بمناسبة قرب حلول العام الهجري الجديد، نتوجَّه إلى شعبنا اليمني المسلم العزيز، وإلى أبناء أُمَّتنا الإسلامية كافَّة، بالتهاني والتبريكات، ونسأل الله أن يكتب فيه لشعبنا وأمتنا الهداية والتوفيق والفلاح والنصر واليسر، وأن يجعله عام خير ورحمة وبركات.
وبداية العام الهجري يذكرنا بأهمية اعتماد التاريخ الهجري الذي اختاره المسلمون ليكون هو التاريخ الذي يعتمدون عليه؛ فيما يعنيه ذلك لنا كمسلمين من ارتباطٍ بحدثٍ عظيمٍ ترتبت عليه تحولات كبيرة في واقع الأمة، وفي الواقع البشري عموماً، وهو الهجرة النبوية.
والتاريخ الهجري مهمٌ جدًّا بالنسبة لنا كمسلمين، وللأسف الشديد هناك تفريطٌ كبير في واقع المسلمين في الاهتمام بالتاريخ الهجري، وعوضاً عن ذلك توجه الكثير منهم إلى الارتباط بشكلٍ كامل بالتاريخ الميلادي الذي يعتمد عليه المسيحيون وغيرهم. ومن المفترض أن نسعى لإعادة الاعتبار للتاريخ الهجري، وقد ارتبط به مناسبات دينية عظيمة: كشهر رمضان المبارك، وكفريضة الحج ونحو ذلك، ولولا هذه المناسبات لكان أكثر المسلمين قد ضيعوا تماماً الاعتماد على التاريخ الهجري.
أيها الأكارم:
لقد ارتكز تاريخ أمتنا الإسلامية على الهجرة النبوية، وبالتالي برسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ" في حركته برسالة الله تعالى؛ لإخراج المجتمع البشري من الظلمات إلى النور، وتطهيره من رجس الجاهلية ومظالمها ومفاسدها، وما ترتب على ذلك من تحولات ومتغيرات انتقلت بالمسلمين إلى أعلى موقع بين الأمم آنذاك، ورَسَمت للأمة الإسلامية المعيار الصحيح لتقديم النموذج الحضاري الإنساني، ومع ما حدث في واقع المسلمين بعد ذلك من التراجع الخطير؛ نتيجة للانحراف والتحريف الذي عصف بالأمة وترك تأثيراته السلبية على واقعها بكله، إلا أن مفتاح الخلاص وسر النجاح يبقى حاضراً من خلال الاقتداء الصادق برسول الله "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ"، وفي التمسك بمنهجية الإسلام العظيم، والمعجزة الباقية (القرآن الكريم)، وإدراك خصائص القوة والنجاح، وما ستحظى به الأمة بناءً على ذلك من معونة الله تعالى ونصره وتأييده ، ولقد كان من أهم نتائج الهجرة النبوية هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى حينما قال: {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: من الآية40]، وهذا العنوان هو الذي تحتاجه الأمة في مواجهة كل التحديات؛ فالأمة ستعلو وتصمد في مواجهة أعدائها بقدر تمسكها بكلمة الله وولايته، وثباتها على نهجه الحقّ ،كما كان الدرس الآخر من الهجرة النبوية في مجتمع الأنصار الذي حظيَّ بشرفٍ عظيم في احتضان الرسالة الإلهية، وكانت مؤهلاته الكبرى لذلك كما ورد في الآية المباركة: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: الآية9]، وبهذه المؤهلات الإيمانية يمكن لشعبنا الثبات والارتقاء الإيماني، وهو الشعب الذي نال وسام الشرف الكبير، بقول رسول الله عنه: (الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة).
ويمكن لأمتنا الإسلامية بدروس الهجرة ونتائجها الكبرى - التي كان من ضمنها: تكوين النواة الأولى للأمة الإسلامية المتحررة من سيطرة كل طواغيت الأرض - أن تواجه كل مساعي الأعداء من الكافرين والمنافقين الذين يحاولون إخضاع الأمة للتبعية التامة لهم، وقد رفعوا عنوان التطبيع مع إسرائيل من أجل ذلك، وانتهكوا به حرمات ومقدسات المسلمين، وإنّ ذلك يدل بكل وضوح على حجم الانحراف الذي يسلكونه، ويبيّن حقيقة مشكلتهم مع أبناء الأمة، كما يوضح لأبناء الأمة الإسلامية أهمية العمل الجاد في التصدي لمساعي الأعداء التي لن يبقى للأمة معها حريّة ولا كرامة ولا استقلال ولا دين ولا دنيا، والتصدي لذلك هو التزام إيماني وأساسي لعزة الأمة، ولدينها ودنياها، وحريتها وكرامتها: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا} [النساء: من الآية45].
وختامًا:
في نهاية العام وقبل بداية العام الهجري الجديد لا بد من مراجعة أنفسنا وتقييم واقعنا، والعزم على إصلاح الأخطاء وتلافي القصور الذي حصل منا في العام الماضي، والارتقاء بأنفسنا إيمانيًا وعمليًا في العام الجديد؛ كما يعمل التجار والمدراء في نهاية كل عامٍ حيث يحرصون على تقييم واقعهم وتلافي القصور؛ لأنهم يدركون أنهم بدون ذلك سيتعرضون للفشل والخسارة. كما نبارك الخطوة المهمة، التي قامت بها حكومتنا ممثلةً بوزارة الصناعة والتجارة التي اتخذت قرارًا بمقاطعة المنتجات السويدية ومنع دخولها للبلد، ونحن كشعبٍ يمني نثبت بذلك ولاءنا الصادق والعملي لله ولرسوله وللمقدسات الإسلامية وعلى رأسها القرآن الكريم والأقصى الشريف، وفي هذا السياق نعلن وقوفنا ودعمنا لحركات المقاومة في فلسطين، ونبارك العمليات البطولية التي نفذها المجاهدون ردًا على اعتداءات الصهاينة على مخيم جنين.
عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اللهم فصلِ وسلم على سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، وعلى أخيه الإمام علي، وعلى فاطمة البتول الزهراء، وعلى ولديهما الحسن والحسين، وعلى جميع آل رسول الله، وارض اللهم برضاك عن صحابة نبينا الأخيار من المهاجرين والأنصار. ربنا لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شافيته وعافيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا خذلته، ولا مفقوداً إلا وكشفت مصيره، ولا أسيراً إلا وفككت أسره، {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} وانصرنا على أمريكا وإسرائيل وآل سعود وعملائهم من المنافقين فإنهم لا يعجزونك.
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}.
عباد الله:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
➖➖➖➖➖ ➖
📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للخطباء والمرشدين
بديـوان عــام الــوزارة.
----