أما عندما نأتي إلى الإسلام وما يقدمه الإسلام، فالإسلام، منذ أتى الإسلام من أول ما ركز عليه الاهتمام بالمرأة، وبطريقة ومنهجية إلهية عظيمة، تتطابق مع الفطرة، ومع التكوين الاجتماعي والبشري الذي كوّن الله به المجتمع البشري، الإسلام يوم أتى كانت المرأة في كل المجتمعات: في المجتمعات التي تنتمي إلى المسيحية، والمجتمعات اليهودية، والمجتمعات الوثنية، كانت المرأة محتقرة، ومظلومة، ومهانة، ومضطهدة، ومعذبة؛ أما في المجتمع العربي فكانت- بالنسبة لكثيرٍ من العرب- كانت عاراً، وكانوا ينظرون إليها أسوء نظرة، كما يعبر القرآن عن ذلك في قول الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ}[النحل: 58-59]، يختبئ من الناس كي لا يعرفوا أنها قد ولدت له بنت، { يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ}، (يُمْسِكُهُ): يعني يحافظ عليه ويبقيه على قيد الحياة؛ بينما يتوجه إليه من المجتمع ومن الناس اللوم، والإساءات، والعبارات المسيئة، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أم يدفنه حياً، ويقتله بتلك الطريقة الوحشية: بالدفن حياً، { أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}؛ أما اليهود فبنظرتهم إلى المرأة التي يعتبرونها عنصر شر وخطر، في الواقع في بقية المجتمعات لا يختلف عن ذلك.
جاء الإسلام ليقدم النظرة الصحيحة والفكرة الصحيحة، وليتخاطب مع المجتمع البشري، وليعيد بناء المجتمع البشري على الأساس الصحيح والسليم، يأتي القرآن فيقول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}[النساء: من الآية1]، يأتي ليعيد الاعتبار للمرأة أنها إنسان، أنها هي والرجل كيانٌ واحد، أصلٌ واحد، نوعٌ واحد، كائنٌ واحد؛ إنما ذاك ذكر، وتلك أنثى، ومن أصلٍ واحد، كلاهما من أصلٍ واحد: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ}، ليزيح هذه النظرة السلبية، وليزيح معها تلك التفرقة، التي هي تؤسس لاتجاهات متباينة في الحياة، تساعد على تفكيك الأسرة وبعثرة الأسرة، كيانٌ واحد يبنى به المجتمع، أسرة تبنى على نحوٍ واحد، مترابطة، ولديها النظرة الإيجابية، بعيداً عن نظرة الاحتقار، أو عن نظرة العدائية والنظرة السلبية، أو عن النظرة هذه الجاهلية التي ترى في المرأة عاراً. |لا|، كيان واحد، الجميع إنسان، المرأة إنسان، والرجل إنسان، كلاهما من نفسٍ واحدة، كلاهما كيانٌ واحد، حياتهما مرتبطةٌ ببعض.
وهكذا يأتي القرآن الكريم، وتأتي رسالة الله مع كل الرسل والأنبياء عبر كل التاريخ لتحافظ على هذه الحقيقة، ولتبني واقع البشر في مسيرة حياتهم على أساس هذه الحقيقة، ولتفتح المجال للارتقاء الإنساني والأخلاقي والقيمي والعملي والإيماني أمام الجميع، للذكر والأنثى، فيقول الله -سبحانه وتعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[النحل: الآية97]، ليقول: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}[آل عمران: من الآية195]، أنتم كيانٌ واحد، أصلٌ واحد، والله -جلَّ شأنه- فتح لكم مسار الارتقاء الإنساني والإيماني والأخلاقي، والمنزلة عند الله، والوصول إلى ما وعد الله به من الخير العظيم، والفوز العظيم، والأجر الكبير، مجال مفتوح للجميع، ليس خاصاً بالرجل، ومغلقاً في وجه المرأة، ليس مفتوحاً للذكر، ومغلقاً في وجه الأنثى.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة المسلمة 1440هـ