الجمهورية اليمنية
وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة
قطاع التوجيه والإرشاد
الإدارة العامة للخطباء والمرشدين
--------------------------------
خطبة الجمعة الثالثة من شهر جمادى الآخرة 1446هـ
🎙️🎙️🎙️🎙️🎙️🎙️🎙️🎙️🎙️
*العنوان* : اليوم العالمي للمرأة المؤمنة والوعي بطبيعة الصراع القائم )*
التاريخ: 19/ 6 / 1446هـ
الموافق: 20 / 12/ 2024م
الرقــم:( 24 )
➖➖➖➖➖➖➖➖
🔹 *اولاً: نـقاط الجـمــعة*
نقاط الجمعة
1-الجاهليةفي الماضي كانوا يمتهنون المرأةويقتلونها وهي حيةويجعلونها وسيلة لنشرالفساد الأخلاقي كما يعمل الغرب الآن بينما الإسلام أعلى من شأن المرأةوجعل منها نموذجاعظيما يقتدى بها كفاطمةالزهراء
2-المرأةالمؤمنة مستهدفةمن خلال الحرب الناعمة لإفسادها وكذلك بالحرب الصلبة وقدتم قتلها في فلسطين وغيرها من قبل اليهودوالغرب الكافرالذين يتشدقون بحقوق المرأة
3-العدوالصهيوني ما زال مستمرا في ارتكاب الجرائم في غزةبالإضافة إلى اعتداءاته الأخيرةعلى سوريا من خلال مسارين مسار احتلال أراضي جديدةومسار تدميركامل للمقدرات السوريةالعسكرية وغيرها وهوبذلك يريدأن يثبت معادلتين معادلةالاستباحة لأمتنا متى يشاء
ومعادلةتفوقه العسكري
4-من أهم المعاييرلتقييم مواقف الآخرين على مستوى الدول والحركات والشعوب هو قول الله (أذلةعلى المؤمنين أعزةعلى الكافرين) والشعب اليمني له تميزه في ذلك وسيستمرعلى هذا الأساس بخروج المظاهرات واستمرار العمليات العسكريةغير مبالين بتهديدات الأعداء ومن يتحرك بخلاف هذا المعيار فهو مكشوف ومفضوح.
◼️◼️◼️◼️◼️◼️◼️◼️◼️
🔷 ثانياً: نــص الخطبة
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، الذي لم يتَّخِذْ صاحبةً ولا ولدا، ولم يكن له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذُلِّ، خلق لنا من أنفُسنا زوجات، وجاء بنا من أُمَّهاتٍ وجدات، ورزَقَنا بناتٍ وحفيدات، وجعل ذلك ناموسا تستمر به الحياة، وتتجدَّد من خلاله أجيال البشر، ليُعَرِّضَهم على الخير والهُدى، ويهيئ لهم فُرَصَ البر والتقوى.
وأشهد أن لا إله إلا الله متفرِّدًا في ألوهيته، أخرج أفضل خليقته محمدا صلى الله عليه وآله وسلم من أفضل الأمهات (آمنة بنت وهب) رضوان الله عليها، وزوَّجَه خيرَ نساء عصرها (أم المؤمنين خديجة)، ورزقه خيرَ البنات (فاطمة الزهراء)، وأشهَدُ أن سيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أرسله الله رحمةً للعالمين، وبشيرًا ونذيرًا ليوم الدين، اللهم فصلِّ وسلِّم عليه وعلى آله الأكرمين، وعلى الملائكة المطهرين، وعلى الأنبياء والمرسلين، وارضَ اللهم برضاك عن صحبِ نبينا المنتجبين، ومن تبِع هدْيَه إلى يوم الدين، وعنّا معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد/ عبادَ الله:
لقد كان الإسلام ثورةً قضت على كلِّ المفاهيم المغلوطة، والتصوُّراتِ الباطلة، والسلوكيات الخاطئة، لا سيما تلك التي كانت مُوَجَّهَة ضد المرأة.
فقديمًا في الجاهلية الأولى كان العربُ الجاهليون: (يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ . وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:57-59].
ووأدوا بناتهم، وقتلوا أولادَهم؛ قال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [الأنعام:140]، وقد أخبرَنا الله عزّ وجل أنه في يوم القيامة سيُطْرَحُ سؤالٌ عريض يصعُبُ الإجابة عليه: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ) [التكوبر:8-9].
ووصَل بهم المَقْتُ إلى أن يتزوَّجَ أحدُهم زوجةَ أبيه، قال تعالى: (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً) [النساء:22].
وجعلوا من المرأة وسيلة لنشر الفساد والرذيلة، فكانوا يُكْرِهُون فتياتِهم على البغاء: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النور:33].
هكذا تعاملت الجاهلية الأولى مع المرأة .. فكيف تعامل الإسلام معها؟
إنّ الإسلام عندما أشرقت أنوارُه على هذه الأرض ثار ضد هذه الانحرافاتِ البشِعة، وحطّم تلك التصورات الفاسدة، وأعاد الأمور إلى نصابها، وأكرم المرأة باعتبارها بشرًا كريما، وإنسانا سويا، بروحٍ ومشاعر، وواجبات ومسؤوليات، مثلُها مثلُ الرجل، قال تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35]، وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [النحل:97].
والمرأة التي صنّفتها الجاهلية الأولى على ذلك النَّحْوِ المُهِين، جاء الإسلام ليُعلي من شأنها، ويرفع قدرها ومنزلتها؛ فها هو رسولُ الله يُعلِن على الملأ أن ابنَتَه الأنثى فاطمة باتت (أمَّ أبيها)، وأبوها هو ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الإخوة المؤمنون:
إنّ المرأة المؤمنة اليوم، في فلسطين، وفي اليمن وفي غيرهما من بلدان المسلمين، تُسْتَهْدَفُ من قبل الجاهلية المعاصرة بنوعين من الحروب:
النوع الأول: الحرب الصُّلْبة والخَشِنة: بالقتل العمد، والوأدِ الجاهلي المُتطوِّر، من خلال الصواريخ والقنابل الذكية، والطائرات الحديثة، التي يرسلها الجاهليون المُتوحّشُون، والعدوان على نساء فلسطين وأطفالها شاهدٌ بيِّنٌ على زيف وخداع الغرب والأمريكان فيما يحكونه عن حقوق المرأة؛ لأنهم يقتلونها في كل مكان يجدونها فيه بدون رحمة ولا شفقة، وحتى لو كانت مع رضيعها، ومعظم شهداء فلسطين هم من النساء والأطفال.
أما النوع الثاني: فهو الحرب الناعمة التي تُحاوِل تجفيفَ قيمِ المرأة، وسلبَها هُوِيَّتَها الإيمانية، وخلخلةَ مبادئِها الإيمانية، والانحرافَ بأخلاقِها الفطرية والإنسانية، وهي حربٌ قائدُها الأول: إبليسُ الرجيم.
وسيظل هذا الصراع قائما بين المؤمنين والمستكبرين: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]؛ ولهذا فإنّ المرأة المسلمة اليوم أحوجُ ما تكون إلى القدوة الحسنة التي اختارها الله، وحَرِيٌ بها بأن تعودَ إلى مصادرها الإسلامية الأولى؛ لمواجهة التحدّيات الراهنة بوعيِ إسلامي، وبصيرةٍ قرآنية، وإدراكٍ واعٍ لطبيعة الصراع، وتفاعلاتِه الحضارية، وليس هناك أفضل من سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وسيدة نساء هذه الأمة يمكن أن تكون قدوة لنسائنا في علمها وجهادها وبصيرتها ووعيها.
وإنه لمن الأهمية بمكان أن يتم تخَصيصُ يوم الـ20 من جمادى الآخرة باعتباره اليوم العالمي للمرأة المؤمنة؛ ليكون فرصةً للنظر إلى أفضلِ نموذجٍ انتخبه الله عزَّ وجل للنساء، وهو نموذجُ الزهراء عليها السلام.
وكيف لا يجدُر بالزهراء أن تكون قِبلةً لنساء الأمة، والإسلامُ هو الذي وَصَفَها بأنها (سيِّدةُ نساءِ هذه الأُمَّة)؟ وكيف لا تكون نموذج النساء من كل الملل الأخرى والثقافات المتعددة، وهي (سيدة نساء العالمين)؟ وكيف لا تكون إحدى شواهد ونماذج النساء الصالحات القانتات وهي التي جُعِلَت (سيدة نساءِ أهل الجنة) كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة والمشهورة؟ّ!
أيها المؤمنون:
حينما زُفَّتْ الزهراء إلى بطلِ الإسلام علي بن أبي طالب، لم يتجاوز مهرها 500 درهم فقط، أي اثني عشر أوقية ونصف من الفضة، وهو مبلغٌ زهيد جدا، وجُهِّزَ بيتُها بقطيفةٍ ذاتِ أهدابٍ، وفراشٍ من جلدِ كبشٍ، وكُوزٍ وجَرِّةٍ، ورَحاءِ، وسِقاءِ، وقَبِضَ أبوها دراهمَ من مهرها، وأمَرَ بشراءِ طِيْبِ لها.
أما (موكيتُ) بَيتِها فقد كان رمْلاً جُلِبَ من بطحاءِ وادي الرَّوْحاء في المدينة، ثم بُسِطَ في أنحاء ذلك البيت المتواضع.
هذا البيتُ كان يرتادُه الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم ويَسْعَدُ فيه، وهو البيتُ الذي كان منه يَنطَلِقُ زوجها بطلُ الإسلام الهُمام، وإليه يعود، وهو البيْتُ الذي تخرَّج منه الحسنان سيدا شباب أهل الجنة، وزينبُ الكبرى جبلُ الصبر، وطَوْدُ الحلم.
ثم ضربت الزهراءُ الأمثولة العالية للزوجة المتفانية في الطاعة لزوجها، وضرب هو المثل الأعلى في حُسْنِ المعاشرة لها.
وقد كانت تجُرُّ الرّحى حتى تتقرّح يداها، وتَسْتَقي بالقِربة حتى تؤثِّر في نحرها، وتكنُس البيتَ حتى تغبرَّ ثيابُها، وتُوقد القِدر حتى تَدْكُنَ ثيابُها؛ فما يزيدها ذلك إلا ألَقًا وصبْرًا، وتجمُّلا وسعادة.
ولا غرابة أيها الإخوة المؤمنون أنّ السعادة العميقة، والحبُّ الغامر، والمشاعر الصادقة، والتعاون الرائع، والتفاهم الجميل، والتنظيم البديع، هو ما ساد في ذلك البيت، فرفرت أعلامُ السعادة على أنحائه، وأزهرت الفضيلة من جنباته، على عظيم المسؤوليات، وكبير المصاعب والمهمات.
عباد الله:
نساؤنا اليوم بحاجة إلى عِفَّة مريم عليها السلام، وتصديقِها لربّها، وقُنوتِها، وإيمانِها، وإلى وثوق أمّ موسى بتدبير الله، وحصافة ولباقة أخته، وحسِّها الأمني، وقوة إيمان امرأة فرعون، ومبادرة ابنتي شيخ مدين، وديبلوماسية ملِكة سبأ، وطريقَةِ إدارتها للحكم، وعقليتها.
ونساؤنا بحاجة إلى التزود من الزهراء سلام الله عليها في كل ما يضيء لها الطريق، وينير لها الدرب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، وأستهديه الهدى، وأعوذ به من الضلالة والردى، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله إلى الناس أجمعين، اللهم فصل وسلم عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، وارضَ عن صحابته المنتجبين.
أما بعد/ أيها الإخوة المؤمنون:
ليس خافيا على أحد ما يرتكبه العدو اليهودي الصهيوني بإخوتنا في فلسطين على مدى عام وثلاثة أشهر، وأعيذكم بالله أن تكونوا من الذين اعتادوا على مشاهدة مآسي الأطفال والنساء في فلسطين ولم تتحرك ضمائرهم، ولم تهتز مشاعرهم.
أعيذكم بالله أن تكونوا من الذين يصمتون عن جرائم الإبادة الجماعية اليومية، وعن الجرائم الرهيبة بحق الأسرى التي يستحي الإنسان من ذكرها، وأعيذكم بالله أن تسكتوا عن جرائم العدو بحق المقدسات، والأقصى، وتمزيق القرآن الكريم، وسبّ الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنّ سكوت الساكتين لن يجعل هذا العدو يترك عداءَه لهم، وها هي سوريا الجديدة، التي أعلنت أنّ قتال الصهيوني اليهودي ليس أولوية بالنسبة لها؛ إلّا أنّ ذلك التوجه لم يصنع لها احتراما عنده، بل ارتكب بحقها عدوانا خطيرا مركبا من مسارين:
مسار احتلال أراض جديدة وواسعة في سوريا، ومسار تدمير جميع مقدرات الشعب السوري: من الطائرات، والسفن، والمصانع، والمعامل، ومراكز الأبحاث، ولا زال يواصل هذا العدوان.
وهذا العدوان على سوريا يأتي في سياق تثبيت معادلتين:
الأولى هي: معادلة الاستباحة التي يريد فرضها على كل شعوب أمتنا؛ حيث يريد أن يستبيح أي بلد عربي ومسلم متى ما شاء، وكيف ما شاء، سواء كان ذلك البلد ممن يعاديه أو ممن لا يعتبره عدوا.
وأما المعادلة الثانية فهي: تثبيت تفوق عسكري إسرائيلي كبير على كل الجيوش العربية والإسلامية في المنطقة، وقد يقبل الإسرائيلي أن يكون لديهم مستوى معين من الأسلحة غير الاستراتيجية، التي يمكن الاستفادة منها في الاقتتال الداخلي بين أبناء الأمة، ثم إذا اكتملت هذه المهمة؛ فإنه سيسعى إلى تجريدهم من كل وسائل القتال والدفاع؛ لأنه يريد لهذه الأمة أن تكون كالدجاج والغنم، ولا يوجد في يدها أي شيء تدافع به عن نفسها.
ومما يؤسف له: أن يستمر معظم المسلمين والعرب في التخاذل التام والتفرج على المشهد، إلى درجة أن تصبح الكثير من المشاهد المأساوية والمؤلمة جداً، التي تشهد على المظلومية الكبرى للشعب الفلسطيني، مشاهد لا تستفزهم، ولا تحرك وجدانهم، ولا تحيي فيهم ضمائرهم الميّتةً.
يا أيها العرب .. يا أيها المسلمون:
إنّ اليهودي الصهيوني، هو عدوكم جميعًا، وهو لا يتردد عن استهدافكم جميعا، فمتى تصحون من غفلتكم؟ ومتى تعلمون أنّ هذا هو العدو الذي كشف الله عن عداوته بأنها أشد عداوة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ)؟ [المائدة:82].
وها هي جرائمهم، وأفعالهم، واعتداءاتهم، وما يفعلونه بكم، تبرهن يوميا على مصداقية ما عرضه القرآن الكريم عنهم؛ فلماذا لا توجهون سلاحكم نحو أشد أعدائكم؟ لماذا لا تعلنون عداوتكم له؟ لماذا لا تكونون جادين في عداوتكم إياه؟ لماذا تتسامحون إلى حد التهاون مع من يُمَزِّق ويحرق كتاب ربكم، ويهدم مساجدكم، ويعمل على تقويض وهدم المسجد الأقصى المقدّس لديكم، ويسبّ رسول الله محمدًا "صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ"، ويبيد إخوانكم المسلمين، ويقتل نساءهم، وأطفالهم، وكبارهم، وصغارهم، ويجوِّع الملايين من شعبكم الفلسطيني؟
لماذا لم تحضر هنا في هذه المعركة عناوين: (الجهاد في سبيل الله)، و(العروبة)، و(الحضن العربي) و(الجامعة العربية) و(عاصفة الحزم)، بينما رأينا الكثير من هذه العناوين تحضر في الفتن الداخلية والحروب الأهلية البينية؟
أيها المؤمنون الأعزاء:
لقد أعلن الأمريكان والصهاينة بدء ميلاد شرق أوسط جديد، ويعملون اليوم على تحريك أنظمة وجماعات وحركات وميليشيات هنا وهناك لتحقيق هذا الحلم اليهودي، ولا بأس أن يعطوهم عناوين خاصة ومضللة وخادعة، مثل: (التحرر)، و(الجهاد)، و(الحضن العربي)، و(الوطن)، وغير ذلك، لكنّ الحقيقة أنّ كل أولئك يسعون إلى استرضاء أمريكا، ويسارعون في تقديم خدماتهم في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
والأمريكي ومن معه يسعون إلى تنفيذ هذا المشروع بتحريك أولئك؛ لأن هذا هو أجدى وأسرع في التنفيذ، وأضمن للنجاح من جهة؛ ولأنه يُجَنِّب الأمريكي والإسرائيلي الكثير من الخسائر المادية والبشرية من جهة أخرى.
وسيبدأ هذا المشروع بإزاحة ما يمثل عائقاً أمامهم، وفي مقدمة ذلك: الشعوب الحرة الذين يعادون أمريكا وإسرائيل، ويستنهضون الأمة ضدهم، وكل ذلك سعياً منهم لإضعاف القوى الحرة، ولتصفية القضية الفلسطينية في المرحلة الأولى من هذا المشروع اللعين.
ثم تأتي المرحلة الثانية بتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، التي تشمل بلاد الشام، وأجزاء واسعة من العراق، والسعودية، ومصر، وتقسيم البلدان العربية الكبرى إلى دويلات وكيانات صغيرة ومبعثرة، وهذا أمر معلن وواضح، ولا يحتاج إلى كثيرٍ من الجهد لإثباته.
فما المخرج وما السبيل إلى النجاة يا أمة الإسلام؟
إنّ المخرج والنجاة هي في القرآن الكريم؛ فحريٌّ بنا جميعا أن نعود اليوم عودة عملية إلى القرآن الكريم للاستبصار به والاهتداء بهدايته؛ فقد قال الله تعالى: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء:9]، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ستكون فتنة)، فقال الإمام علي عليه السلام: (وما المخرج منها يا رسول الله؟)، قال: (كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم).
فالقرآن الكريم يشخص الواقع، ويعطينا الأهلية للحكم عليه، وفي هذه الأحداث المتناقضة، والمسائل المشتبكة؛ يعطينا المعايير الثابتة، والمقاييس الصحيحة التي إن عدنا إليها؛ أبصرنا طريقنا، واهتدينا إلى ما يُرضي ربنا عنا، ومن أهم المعايير التي يجب أن نفرز بها واقعنا هو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة:54].
هذه الآية تبين لنا أنّ المؤمنين الذين يحبهم الله وهم يحبونه هم الأذلة على المؤمنين، والأعزة على الكافرين، فمن كان معينا وذليلا مع إخوته في فلسطين، وشديدا وعزيزا على الكافرين في تل أبيب وواشنطن، فهو ممن يحبون الله، ويحبهم الله.
وأما العكس من ذلك فهو من يسارع في تولي اليهود والنصارى، ويتحرك تحت مشاريعهم، وفي خدمتهم، ويتحبب إليهم، ويسعى إلى استرضائهم، وهو بلا شك منهم كما قال جلّ جلاله: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة51]، وقال: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) [المائدة80].
ومن العجيب أن يقول البعض: أنّ أولوية الأمة يجب أن يكون في التركيز على أحكام البول، وأنّ الله سيسألهم عن ذلك قبل سؤالهم عن خذلانهم لفلسطين، وعن الجهاد في سبيل الله، وعن السكوت عمّن يحرق المصاحف، ويدمر المساجد، ويقتل المسلمين، ويسب رسول الله: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد23].
أما نحن اليمنيين فنقول لأولئك الكفار المجرمين، وعملائهم ومرتزقتهم الذين يريدون معاقبة شعبنا على موقفه من فلسطين:
إننا بفضل الله قد بعنا أنفسنا من الله يوم باع المنافقون أنفسهم بالريالات السعودية، والدنانير الإماراتية، والدولارات الأمريكية، وقد توكلنا على الله، ونثق أنه سبحانه وتعالى هو القوة الأعظم، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، وتصير الأمور، وهو الغالب عَلَى أَمْرِهِ، والْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ، والذي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وناصر عباده المستضعفين، وقاهر القتلة والمجرمين: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء76].
وفي الختام:
ندعوكم إلى الاستمرار في الخروج المليوني كل يوم جمعة: جهادًا في سبيل الله، ونصرةً للمستضعفين في غزة وفلسطين، وتأييدًا ودعمًا لقواتنا المسلحة لتستمر في توجيه أقسى الضربات تجاه أعداء الأمة.
هذا وصلُّوا وسَلِّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عزّ من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
اللهم اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ، وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ، وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ، وَالدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ، وصلِّ اللهم على بقية الخمسة أهلِ الكساء، علي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسنِ المجتبى، والحسين سيد الشهداء، اللهم وعلى جميع أهل بيت نبيك الأكرمين، وارض اللهم عن صحابته الأخيار المنتجبين، وعمّن يستحق الرضوان من المخلوقين، وعنّا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين..
{رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.. {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}.. {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}.. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}.
عباد الله:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
➖➖➖➖➖ ➖
📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للخطباء والمرشدين
بديـوان عــام الــوزارة.
---------------