الجمهورية اليمنية
وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة
قطاع التوجيه والإرشاد
الإدارة العامة للخطباء والمرشدين
--------------------------------
الهوية الإيمانية تنتصر على جاهلية الأعراب والجاهلية الأمريكية
4/2/2022 _1/7/1443هـ
(38) لسنة 2022/1443هـ
الخطبة الأولى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ). وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك القائل: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). وأشهد أن سيدنا وأسوتنا محمدا عبده القائل عن أهل اليمن : «جَاءَ الْفَتْحُ، وَجَاءَ نَصْرُ اللهِ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا أَهْلُ الْيَمَنِ؟، قَالَ: «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ قُلُوبُهُمُ، الْإِيمَانُ يَمَانٌ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفِقْهُ يَمَانٌ» صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أعلام الهدى، ومنار التقى، وقدوة من اقتدى بعد الحبيب المصطفى، والنبي المجتبى، من تمسك بهم نجا، ومن تولاهم اهتدى.
أما بعد : عباد الله
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم القرآن: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ). ويقول سبحانه وتعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). وإن من دواعي الشكر لله، والفرح بفضل الله وتوفيقه وهدايته تذكر ذلك اليوم المبارك والمقدس والعظيم الذي دخل فيه أهل اليمن في الإسلام على يد الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، عندما بعثه إلى يمن الإيمان والحكمة في السنة التاسعة من الهجرة، هذا اليوم المشهود الذي صار عيدا عند اليمنيين في أول جمعة من رجب الأصم، هذه الجمعة الرجبية المباركة التي تختزن في مضامينها وآفاقها قيم الإيمان الذي يوصلنا اليوم لتحقيق الانتصار على جاهلية الأعراب الأشد كفرا ونفاقا وعمالة وتطبيعا وخيانة لله ورسوله والدين والأمة، أما أهل الإيمان فهم أشد حُبا لله وولاء له وثقة به وتوكلا عليه قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ).
هذه الجمعة الرجبية المباركة التي نُعَبِّر فيها كيمنيين عن شكرنا لله، واعترافنا بفضل الله، وإقرارنا بالدخول في دين الله بوعي ورغبة ومسارعة على يد الإمام علي، وكانت استجابتنا لرسول رسول الله استجابة صادقة، ودخول أجدادنا الأوائل في الإسلام دخولا متميزا يختلف عن دخول الطلقاء يوم أن دخلوا في الإسلام يوم الفتح والسيوف على رقابهم بعد أن حاربوا النبي وآذوه وحاولوا اغتياله وتصفيته وصدق الإمام علي حين قال عن إسلام الأعراب: "فَوَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا أَعْوَاناً عَلَيْهِ أَظْهَرُوهُ". وما أشبه إسلام أعراب نجد والإمارات وأنظمة العمالة والنفاق والتطبيع بإسلام الطلقاء، وكأنَّ أحداث التاريخ تعيد نفسها؛ فبالأمس شوه الطلقاء وبنو أمية الإسلام وهدموا أسسه ، وطمسوا هويته، وحاربوا أنصاره السابقين ورجاله الصادقين، واليوم يمارس النظامان السعودي والإماراتي وأعوانهم وأدواتهم نفس الدور في محاربة أبناء الأنصار من أهل الإيمان الذين نقموا منهم بسبب حملهم للإيمان كمشروعٍ وهوية وموقف كما حمله أجدادهم مع رسول الله وصدق الله القائل: (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
عباد الله:-
إن أول جمعة من رجب هي جمعة مباركة ومعظمة ولها حضورها التاريخي المقدس في ذاكرة أهل الإيمان وقلوب اليمنيين رغم الغزو الوهابي، والهجمة التكفيرية النجدية التي سعت من خلال أبواقها، وتحركت بأدواتها، وأنفقت أموالها الهائلة لتغييب أصالة هذه الجمعة وهدفت إلى طمس ذكراها جهلا وحقدا وتعصبا وخدمة لليهود الحريصين على أن يردونا بعد إيماننا كافرين، إلا أن هذه الجمعة المباركة – بفضل الله - ظلت حاضرة وبقيت حية بحيوية القيم الإيمانية التي ورثها أهل اليمن جيلا بعد جيل حتى يومنا هذا الذي تجلى فيه
الإيمان اليماني وبرز لقوى الشرك والنفاق والعمالة والارتزاق التي خانت الله ورسوله والمؤمنين وأفسدت وهي تزعم أنها تصلح كما هو ديدن المنافقين السفهاء والحمقى في كل مرحلة قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ).
ها هو الإيمان اليماني يبرز من جديد في وجه العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي ودول التحالف كما برز إيمان الإمام عليٍّ كلُّه - يوم تحالفت الأحزاب- للشرك كلِّه، وها هي قلوب رجال الرجال تتزين بزينة الإيمان في ساحات الوغى وميادين النزال وجبهات القتال، زينة الإيمان الذي حببه الله إلى قلوب عباده المؤمنين به، المجاهدين في سبيله، الذين عقدوا صفقة البيع للنفس والأموال معه فحبب إلى قلوبهم الإيمان، وزيَّنَه فيها قال تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
إن الهوية الإيمانية اليوم هي العنوان والمشروع الذي يكمن من خلالها الانتصار على الجاهلية الأمريكية والمشاريع الغربية الشيطانية التي تسعى لإفساد المسلمين والهيمنة عليهم واستعبادهم وإضلالهم وإغراقهم في الشهوات والفساد الأخلاقي، قال تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ). ولا سبيل إلى تحصين شبابنا وأمتنا من جاهلية أمريكا وحربها الناعمة وتوجه الغرب الإفسادي إلا بإحياء قيم الإيمان، وتعزيز الأخلاق الإيمانية، والاهتمام بالتربية الإيمانية من قبل الأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام وربط الأمة بالثقلين: القرآن، وقرناء القرآن، كمصدرين للهداية، والإيمان، والاستقامة، والعدالة، والعزة، والكرامة، والرجولة، والتحرر من قوى الطاغوت.
عباد الله:-
لنستمع إلى رواية الإمام علي وهو يروي تفاصيل رحلته إلى اليمن، حيث قال عليه السلام: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آلهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَبْعَثُنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ، وَثَبِّتْ لِسَانَهُ» وحين وصل الإمامُ علي إلى اليمن َصَلَّى بمن كان معه الْفَجْرَ، فَلَمَّا فَرَغَ صَفهم صَفًّا وَاحِدًا ثُمَّ تَقَدَّمَ بَيْنَ أَيْدِيهم، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ عَلَى أهل اليمن كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَتْ هَمْدَانُ كُلُّهَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهُ كَبَّرَ جَالِسًا، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَى هَمْدَانَ» ثَلَاثًا فَتَتَابَعَ أَهْلُ الْيَمَنِ عَلَى الِإِسْلَام ولم يُذكر أو يُؤثر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سجد سجدة الشكر لإسلام قوم إلا لأهل اليمن، وتتضمن هذه الرواية وغيرها دلالات مهمة وعظيمة نشير إلى بعضٍ منها باختصار:
أولاً: أن أهل اليمن خُصُّوا بالدخول في الإسلام على يد رجل استثنائي وشخصية هي الأفضل بعد النبي وهو الإمام علي عليه السلام الذي اختصه رسول الله للقيام بهذه المهمة الدعوية والإرشادية التي كان أهلا لها، وكيف لا يكون أهلا لها وهو صاحب المكانة العالية والمنزلة الرفيعة التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
ثانيًا: كان إرسال النبي صلى الله عليه وعلى آله للإمام علي عليه السلام إلى اليمن يحمل دلالة على الأهمية والمكانة العالية لأهل اليمن لدى رسول الله صَلى الله عَليْه وآله الذين تبوؤا مقاما عظيما في حياة النبي، وخصهم النبي الأكرم بخصائص فريدة، وقلدهم أوسمة رفيعة دون غيرهم من الأمم والشعوب حيث قال النبي فيكم يا أهل اليمن يوم حنين: (فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلكت الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) والأنصار هم من اليمن.
وأخبر رسول الله بأنه سيوقف الخلائق على حوضه ويمنعهم من الشرب منه حتى يشرب أهل اليمن ثم يشربون فقال: (إِنِّي لَبِعُقْرِ حَوْضِي أَذُودُ عَنْهُ لأَهْلِ الْيَمَنِ أَضْرِبُ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضَّ عَلَيْهِمْ). وَهَذِهِ كَرَامَةٌ لِأَهْلِ الْيَمَنِ فِي تَقْدِيمِهِمْ فِي الشُّرْبِ مِنْهُ مُجَازَاةً لَهُمْ بِحُسْنِ صَنِيعهمْ , وَتَقَدُّمِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ وسبقهم إليه ودفاعهم عنه, وَالْأَنْصَارُ مِنْ الْيَمَن، فَيَدْفَعُ غَيْرَهُمْ حَتَّى يَشْرَبُوا كَمَا دَفَعُوا فِي الدُّنْيَا عَنْ النَّبِيّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
عباد الله:
إن أعداء الأمة الإسلامية اليوم يعتبرون الإفساد للمجتمع المسلم أكبرَ وسيلة لقهره وإذلاله والسيطرة عليه، والمؤمن الواعي يجب أن يكون حذرا وعلى دراية ووعي بخطورة أعدائه، يعرف ما الذي يمكن أن يعمله مع إخوانه المؤمنين ضدهم وذلك بالتحرك الجاد لرفد الجبهات وتجاوز حالة الصمت، وإدانة السكوت والقعود عن مواجهتهم كأعداء لإيماننا وديننا قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا). وأعداؤنا اليوم يسعون بكل وسائل وأساليب الترغيب والترهيب لأن نساوم ونقدم التنازلات كما تفعل السعودية والإمارات في هذه الأيام.
فلو تنازلنا عن الإيمان كهوية والقيم كمبادئ والثوابت الإيمانية لما حاربونا وتحالفوا علينا ولما شنوا عدوانهم علينا، لو رضينا بما رضي به العملاء والمطبعون، وقبلنا بما قبلت به الأنظمة العميلة وبعض الحركات والأحزاب المحسوبة على الإسلام من الصداقة والعلاقة مع اليهود والنصارى؛ لشهدوا لنا وشكرونا لكن كل ذلك على حساب إيماننا بالله وبرسول الله، وعلى حساب آخرتنا بل ودنيانا، لو دخلنا في دائرة المساومات والبيع والشراء بالإسلام والمتاجرة بالعناوين الإيمانية التي يتاجر بها المنافقون؛ لخسرنا الخسران المبين، ولندمنا الندم الكبير كما سيندم المرتدون عن خط الإيمان قريبا قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وقال تعالى : يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ).
اللَّهُمَّ من أحييته منّا فأحيهِ على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، غير خزايا ولا محرومين.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الإيمانُ مواقف، والحكمةُ نفيرٌ في وجه الطغاة والمنافقين
الحمد لله القائل: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وأشهد ألا إله إلا الله القائل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
وأشهد أن سيدنا وأسوتنا محمدًا عبده ورسوله القائل: (( اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا))، قالوا: وفي نجدنا. قال: (( اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا ))، قالوا: وفي نجدنا، قال: (( هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)). صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله قرناء القرآن، ومهوى قلوب يمن الإيمان عبر العصور والأزمان.
أما بعد: عباد الله:
فنحن في الزمن الذي استشرف ملامحه، وتفرس بمستقبل أحداثه الشهيد القائد رحمة الله تغشاه حين قال هذا الزمن هو زمن كشف الحقائق وسقوط الأقنعة، وما أكثر الحقائق التي تكشفت في هذه السنوات لا سيما سنوات العدوان على اليمن، وما أكثر الأقنعة التي سقطت عن تلك الوجوه التي ظهرت بمظهر الإيمان لكنه كإيمان الأعراب، قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). والأعراب اليوم يستقبلون رئيس الكيان الصهيوني، ويحتفون به، ويكرمونه، ويقدمون للكيان الصهيوني الغاصب الخدمات المجانية، ويسارعون في التولي له ويهجرون آيات القرآن المحكمة والبينة التي تُحَرِّمُ اتخاذ اليهود والنصار أولياء.
وأمام هذا المستجد لا بد أن يُتَرْجَم الإيمان ويتحول إلى مواقف، ولا بد أن تتجلى الحكمة التي بُعِثَ بها رسول الله معلما لها وهاديا إليها، وبفضلٍ وتوفيقٍ من الله قد تجلى إيمان الشعب اليمني وتجلت حكمته وشجاعته، وشجاعة وحكمة قيادته المباركة، وقدَّم أهل اليمن الشاهد على إيمانهم بالله، وثقتهم به، وتوكلهم عليه، وخشيتهم منه وحده يومَ أن استقبلت الرياض ترامب ذلك الاستقبال الكبير في بلاد الحرمين قبل خمس سنوات سنة 1438هــ لكن أهل اليمن استقبلوه الاستقبال اللائق بإسلامهم الأصيل وهويتهم الإيمانية التي عبرت عنها القوة الصاروخية بإطلاق صاروخ بركان على الرياض كرسالة لترامب والبيت الأبيض بأننا لا نخشى إلا الله وحده، ولا نحسب حسابا إلا له عندما يحسب الأعراب ألف ألف حساب لأمريكا، واليوم وفي هذا الأسبوع استقبلت الإمارات رئيس الكيان الصهيوني الغاصب واحتفلت به، وأكرمته وافتخرت بزيارة هذا الرئيس للإمارات كما افتخرت السعودية بزيارة ترامب لبلاد الحرمين والرياض، التي عبر أجواءها في هذا الأسبوع رئيس الكيان الصهيوني ليصل إلى الإمارات، إلا أن الإيمان اليماني تجلَّى وأبى إلا أن يكون حاضرا كموقف عبرت عنه القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير؛ فكان أن رحبوا بهذا الرئيس المجرم بطريقتهم الإيمانية وأكرموه بحكمتهم اليمانية وهنا ومن هذا المقام الإيماني في ذكرى جمعة رجب نشكر القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير على ما قاموا به من عمليات مباركة في العمق الإماراتي، ونسأل الله لهم المزيد من التوفيق والعون والسداد والتطوير، ولا يكفي أن ندعو لهم بل سنكون جميعا من الداعمين والمشاركين في عمليات القوة الصاروخية والطيران المسير بالدعاء والإنفاق لهم حتى نزداد قوة واقتدارا وتطورا في الرد والردع لسفهاء وكبراء نجد والإمارات الذين يمثل تطبيعهم لوحده مع إسرائيل عدوانا على الإسلام والمسلمين، هؤلاء الأعراب الأشد كفرا ونفاقا الذين ذهبوا بعيدا، وما حظيَ العدو الإسرائيلي بعملاء كهؤلاء وعلى هذا الشاكلة من الرغبة الجامحة لخدمته لينالوا رضاه ولن يرضى لكن لهم يوم لا محالة آتٍ، ستعمهم فيه جميعا بإذن الله عقوبة الله العاجلة ولعنة الشعوب التي سيصل إليها نور الهوية الإيمانية، وستجد قريبًا نفس الرحمن اليماني الذي أخبر عنه الرسول.
عباد الله:
إن الإيمان الواعي و الصادق بالله ورسوله هو السلاح الأقوى، وهو السلاح الذي سننتصر به قريبا بإذن الله، وسنصنع به المتغيرات والتحولات الكبرى التي ستغيظ الأعداء وتخزي المنافقين وتدهش العالم المنافق، لأن السنن والوعود الإلهية مرتبطة بالإيمان قال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. وقال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ). والفلاح مرتبط بالإيمان، الفلاح بعنوانه الواسع الذي يجمع في ثناياه كل الخير الذي يمكن أن يسعى الإنسان للوصول إليه، كل الفوز، النجاح الحقيقي، الوصول إلى مبتغى الإنسان من الخير والسعادة يدخل في عنوان الفلاح، الله جل شأنه يقول: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ).
وما هذه الإنجازات وهذا الصمود والثبات إلا ثمرة طيبة من ثمار الإيمان قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) وقال تعالى: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا). وبالإيمان الواعي والصادق والاستجابة والتسليم للقيادة الإيمانية سيكون الله معنا دائما مهما تكالب الأعداء وتحالفوا وحشدوا وتآمروا وكادوا ومكروا مكرهم، قال تعالى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ). فلا بد أن يتحول الإيمان إلى مواقف عملية، وتترجم الحكمة إلى نفيرٍ جهادي وتحرك تعبوي حتى يأتيَ الله بالنصر لعباده المؤمنين على الكافرين وأوليائهم من العملاء المنافقين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَآلِ مُحَمَّد صَلاَةً عَالِيَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِيَّاتِ، صَلاَةً لاَ يَنْتَهِي أَمَدُهَا وَلا يَنْقَطِعُ عَدَدُهَا كَأَتَمِّ مَا مَضَى مِنْ صَلَوَاتِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيآئِكَ، إنَّكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ، وعلى أخيه وباب مدينة علمه وليِّ المؤمنين ومولاهم علي بن أبي طالب الذي لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وعلى سكنه الحوراء فاطمة البتول الزهراء وعلى ولديهما السيدين والسبطين وعلى كافة الآل الأخيار، وارض اللهم عن الصحابة الأبرار من المهاجرين والأنصار.
اللَّهُمَّ احفظنا فيما أمرتنا، واحفظنا عمّا نهيتنا، واحفظ لنا ما أعطيتنا، واخترْ لنا ما فيه الخير لنا، وأعطنا خير الآخرة والأولى، وتولّنا بما تتولى به عبادك الصالحين، ربِّ أَعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكرْ لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسّر لنا الهدى، وانصرنا على من بغى علينا، وامنحنا توفيق المتقين، وإخلاص العارفين، وهداية الموقنين، واستغفار الوجلين، وتقبل شهداءنا، وشافِ جرحانا ومرضانا، وانصر مجاهدينا واحفظ ووفق قائدنا وعلمنا وولي أمنا، وأيد به الدين وأعز به الإسلام والمسلمين، وأخز به العملاء والخونة والمنافقين، اللهم وخُص إخوانا في القوة الصاروخية وسلاح الطيران المسير بالمزيد من العون واللطف والتوفيق والتطوير، وزدهم إيمانا وثقة بك وإخلاصا لك وتوكلا عليك وخشية منك.
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
➖➖➖➖➖ ➖
📝 صـادر عـن الإدارة العامــة للخطباء والمرشدين
بديـوان عــام الــوزارة.
--------------------