عبدالحكيم عامر
في مشهد يعيدُ إلى الأذهان صورَ انتصار حزب الله في حرب تموز 2006، تواصلُ المقاومةُ اللبنانية صمودَها الأُسطوري في وجه العدوان الإسرائيلي المُستمرّ منذ أكثر من 12 يوماً.
صمودٌ يتجلى في عمليات عسكرية دقيقة ومؤثِّرة، ويكشف بوضوح مدى هشاشة الجيش الإسرائيلي الذي طالما تغنى بقوته وتفوقه التكنولوجي.
لقد أثبتت المقاومةُ صدقَها للوعدَ وهي تُذيقُ المحتلّ بدايةَ القِصاصِ الشديد، وأنها على قدر الوعد والمسؤولية، فمنذ بداية العدوان، شهدت المناطق الحدودية من رأس الناقورة إلى مارون الرأس ويارون وميس الجبل، عمليات نوعية أذاقت المحتلّ مرارة الهزيمة والفشل، هذه العمليات لم تقتصر على المناطق الحدودية فحسب، بل امتدت إلى العمق الإسرائيلي، مستهدفة مواقع عسكرية ومعسكرات في كريات شمونة والمنارة وكفر جلعادي وُصُـولاً إلى كرمائيل وعكا وحيفا.
وما يثير الدهشة حقاً هو عجز جيش العدوّ الإسرائيلي، الذي يعتبر نفسه من أقوى جيوش العالم، عن تحقيق أي تقدم ملموس على الأرض؛ فبعد إعلانه عن عملية برية واسعة النطاق، سرعان ما تراجع واضطر إلى استخدام مصطلحات أقل حدة مثل “عملية برية محدودة” أَو “المناورة البرية”، في محاولة يائسة لإخفاء حجم الانهيار في صورته وقوة ردعه.
وينعكس هذا الضعف الذي بات واضحًا في أن جيش العدوّ الإسرائيلي يعتمد بشكل شبه كلي على سلاح الجو لتنفيذ عدوانه، دون أن يتمكّن من تحقيق أيٍّ من الأهداف التي أعلن عنها، سواء القضاء على المقاومة الإسلامية أَو إبعادها عدة كيلومترات إلى الخلف أَو حتى إعادة المستوطنين الصهاينة إلى شمال فلسطين المحتلّة.
ومما يزيد الأمر سوءاً بالنسبة للعدو الإسرائيلي، أن كُـلّ الدعم العسكري والتسليحي والغطاء السياسي الذي تقدمه الإدارة الأمريكية لم يفلح في تغيير المعادلة على الأرض؛ فالتكنولوجيا المتطورة لم تستطع أن ترفعَ من شأن هذا الجيش أمام صمود وعزيمة المجاهدين من حزب الله.
وفي الأخير، الميدانُ من يَحسِمُ وجنود حزب الله هم أهل الميدان، وسيواصلُون الجهادَ والمقاومة بدقةٍ وانتظام، فهم ما يزالون على عهدهم وعلى ثباتِهم الذي خَطَّهُ سيدُ الشهداءِ وأمينهم وقائدهم الذي رباهم سماحةُ السيد حسن نصر الله، فهم الواقفونَ على جبالِ الصبرِ، المحتسبون الثابتون على مواقفِهم وخِيارِهم، والقادرون -بقوة لله- على تحقيقِ النصرِ الذي لا بدَّ أنه آت..
ولن تكونَ الصورةُ كما يريدُها الصهيونيُ والأمريكي، ولن يُحقّقوا مشاريعَهم التهديميةَ للمنطقة؛ فمهما غلَت تضحياتُ المقاومينَ فالثبات نهجُهم والجهادُ طريقُهم، وأن ما يجري اليوم على أعتاب مارون الرأس وغيرها من المناطق الحدودية يؤكّـد حقيقةً راسخةً مفادُها أن الجيش الإسرائيلي، رغم كُـلّ ما يمتلكه من قدرات، يبقى جيشاً مهزوماً نفسيًّا ومعنويًّا أمام إرادَة المقاومة وتصميمها على الدفاع عن الأرض والكرامة، فعامٌ من ثباتِ غزةَ ولبنانَ وكلِّ جبهاتِ الإسناد خيرُ دليلٍ.