محمد نبيل اليوسفي
ما حدث مؤخّرًا في واشنطن بشأن صفقة طائرات F-35 بين السعوديّة والولايات المتحدة ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة التبعية التي ترفض الرياض الخلاص منها.. فالسيادة الحقيقية للدول لا تُصنع بصفقات الاستيراد، ولا تتحقّق بامتلاك أحدث الأسلحة، بل تنبع من الإرادَة الوطنية والقدرة على إنتاج السلاح محليًّا.. هذه الحقيقة التي تظل غائبة عن القيادة السعوديّة، التي تواصل السير في نفس الدرب البائد.
لقد سعت واشنطن إلى تقديم هذه الصفقة تحت غطاء "شراكة استراتيجية" تشمل مجالات الابتكار والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية، لكن الحقيقة أنها لم تكن سوى ورقة دبلوماسية لتسويق سلاحٍ سبق أن فقد هيبته في سماء اليمن.
إن طائراتF-35 التي تسعى الرياض لشرائها هي نفسها التي أثبتت تقنيتها الهشة في مواجهة التحديات الحقيقية على أرض الواقع.
يكمن جوهر المشكلة في أن هذه الصفقة تعكس فشلًا استراتيجيًّا مهولًا للسعوديّة.
فبعد سنوات من الحرب التي خاضتها، كان يُفترض أن تصل اليوم إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي في المجال العسكري.
لكن الواقع يؤكّـد أنها ما زالت دولة مستهلكة للسلاح، عاجزة عن الإنتاج، ومقيدة بالإملاءات الأمريكية.
الأخطر من ذلك أن هذه الطائرات، التي باتت ورقة محروقة، لا ترتبط إلا بنظام التحكم الأمريكي، مما يمنع استخدامها بشكل مستقل.
فالسعوديّة لا تملك حرية استخدامها إلا ضمن الشروط الأمريكية، وهذه هي التبعية بمفهومها الأكثر وضوحًا؛ حَيثُ تصبح الدولة وكأنها تستأجر السلاح ولا تمتلك تقنيته.
إن الادِّعاءات السعوديّة حول تحقيق الأمن الدفاعي تبقى مُجَـرّد تهويل إعلامي في ظل العجز عن بناء قدرة دفاعية حقيقية.
فالقوة لا تُقاس بكمية السلاح المشترى، بل بالقدرة على التصنيع والابتكار.
والشعب السعوديّ الذي يتطلع إلى حماية حقيقية يجد نفسه رهينة لصفقات لا تُغني عن بناء قدرة عسكرية وطنية مستقلة.
وما يجب أن تدركه السعوديّة هو أن طريق التبعية العسكرية لن يقود إلا إلى مزيد من التبعية السياسية.
فالدول التي تبحث عن حماية سيادتها تبدأ من نقطة الصفر في بناء صناعتها العسكرية.
إن التحدي الحقيقي ليس في شراء السلاح، بل في امتلاك المعرفة والقدرة على إنتاجه.
ختامًا: إن مستقبل الأمن في المنطقة لن يحدّده من يشتري أحدث الطائرات، بل من يمتلك القدرة على صناعتها وامتلاك الإرادَة.
فالقوة الحقيقية هي التي تنبع من الداخل، لا التي تُستورد من الخارج.
والسعوديّة أمام خيار وحيد: إما الاتّجاه نحو الإنتاج العسكري الوطني، أَو أن تظلَّ سوقًا استهلاكية للسلاح وعميلًا تابعًا، لا شريكًا متكافئًا.





