مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

فهد شاكر أبوراس
في خطابٍ متشابك المعاني ومترابط الدلالات، تأتي تصريحات مجرم الحرب بنيامين نتنياهو الأخيرة بشأن "التهديد اليمني" لتشكّل اعترافا تاريخيًّا بتحولٍ جوهريٍّ في موازين القوى الإقليمية.. فها هي قوةٌ يمنيةٌ تبرز قادرةً على هزّ أركان المشروع الصهيوني، عبر استراتيجيةٍ واضحةٍ تقوم على منطق "الردع بالتكلفة" وتوسيع جبهات المواجهة بشكلٍ غير مسبوق.

اليوم، لم تعد قضيةُ فلسطين مقتصرةً على الجغرافيا التقليدية، بل أصبحت قضيةَ تحرُّر إقليميةً تتقاطع فيها محاورُ المقاومة.

ويبدو أن الكيان الصهيوني أدرك أخيرًا أن اليمن لم يعد مُجَـرّد داعمٍ ثانويٍّ للقضية الفلسطينية، بل تحول إلى لاعبٍ استراتيجيٍّ رئيسيٍّ قادرٍ على إغلاق الممرات البحرية الحيوية، واستهداف العمق الإسرائيلي؛ مما يجعله تهديدًا وجوديًّا حقيقيًّا تتجاوز تداعياته كُـلّ التوقعات.

إن اعتراف نتنياهو الصريح بأن قوات صنعاء تشكّل تهديدًا جديدًا على كَيان الاحتلال، وإشارتَه إلى أنها تتمتّع باستقلاليةٍ في إنتاج الأسلحة وتطوير الصواريخ، لم يأتِ من فراغ، بل يمثّل تتويجًا لمسارٍ عملياتيٍّ نجحت من خلاله الجبهة اليمنية في فرض واقعٍ أمنيٍّ جديدٍ يتجاوز قدرةَ الردع التقليدية.

فقد نفّذت القوات المسلحة اليمنية عملياتٍ عسكريةً متطورةً شملت إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المُسيَّرة، واستهداف السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني؛ ما أَدَّى إلى فرض قيودٍ غير مسبوقة على الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر والبحر العربي، وتعطيل ميناء إيلات بشكلٍ كامل - وهو ما يُعدّ تحولًا نوعيًّا في تاريخ الصراع.

هذه القدرات العملياتية المتطورة، التي أضحت تشكّل كابوسًا أمنيًّا واستراتيجيًّا للكيان الصهيوني، لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاجَ رؤيةٍ استراتيجيةٍ اعتمدت على تطوير القدرات الذاتية، والاستقلال في صناعة القرار العسكري؛ مما يجعل أي محاولةٍ للضغط الخارجي لإيقاف هذه القدرات أمرًا بالغَ الصعوبة.

إن المحاولات الإسرائيلية المستميتة لتصوير التهديد اليمني على أنه مُجَـرّد امتداد للنفوذ الإيراني، أَو اختزاله في دائرة تبادل الأسلحة، تكشف عن قصورٍ عميقٍ في الفهم الاستراتيجي لطبيعة هذه القوة الصاعدة.

فالحقيقة التي باتت مفزعةً للكيان الصهيوني تكمن في أن القوة اليمنية تستمدّ مقوّمات بقائها وتطوّرها من إرادَة ذاتيةٍ وإيمانٍ راسخٍ يجعلها فوق تأثير أي ضغوطٍ خارجية.

لقد استطاع اليمن أن يثبت أن قوة الإرادَة والتضحية قادرةٌ على مواجهة أقوى الجيوش وأكثرها تسليحًا وتطورًا.

فالمقاتل اليمني المؤمن، بمعنوياته العالية، واجه أعتى الأسلحة وتفوّق عليها - ليس بالعدّة والعتاد، بل بالإيمان والثبات الذي لا يتزعزع.

إن تصريحات نتنياهو، التي يحاول من خلالها تهيئة الرأي العام الإسرائيلي لمعركةٍ "مصيرية" مع اليمن - بالتلويح بالدعم الإيراني تارةً، والاعتراف بالاستقلالية التصنيعية تارةً أُخرى - لا تمثّل في جوهرها سوى دليلٍ على فشلٍ استراتيجيٍّ ذريعٍ في إدارة الصراع، وعجزٍ عن احتواء المقاومة اليمنية التي استطاعت، في وقتٍ قياسيٍّ، أن تتحوّل من حركة تحرّر محليةٍ إلى قوةٍ إقليميةٍ فاعلةٍ قادرةٍ على فرض شروطها وإعادة رسم موازين القوى في المنطقة.

فلم تكتفِ القوات اليمنية بالردّ على العدوان، بل انتقلت إلى استباق المبادرات وفرض الوقائع على الأرض، مستفيدةً من الموقع الاستراتيجي لليمن المطلّ على الممرات البحرية الدولية؛ مما منحها ورقةَ ضغطٍ استراتيجيةً لم تكُن متاحةً لأطراف إقليميةٍ أُخرى.

إن التلويحَ "الإسرائيلي" باحتمال خوض معركةٍ مصيريةٍ مع اليمن - كما عبَّر عنه نتنياهو بقوله: "لن نسمحَ لهذا التهديد بالبقاء، ولن أفصح عمّا هو أكثر من ذلك، لكن عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار أننا سوف نتعامل معهم بكل جدية" - يعكس في حقيقته حالةَ تردّد وغيابِ رؤيةٍ استراتيجيةٍ واضحة، أكثر مما يعبّر عن عزمٍ حقيقيٍّ على خوض المواجهة.

فـ كَيان الاحتلال يدرك أن الدخول في مواجهةٍ شاملةٍ مع اليمن يعني فتحَ جبهةٍ جديدةٍ ستستنزف موارد الاحتلال وتشتّت قواته، في وقتٍ يواجه فيه ضغوطًا متصاعدةً على جبهاتٍ أُخرى.

كما أن الطبيعة الجغرافية لليمن، والتضاريس الصعبة التي تتفوّق فيها القوات اليمنية، تجعل من أي غزوٍ بريٍّ عمليةً بالغةَ التعقيد والتكلفة، إن لم تكن مستحيلةً في ظلّ موازين القوى الحالية.

وفي هذا الواقع المرير الذي وجدت فيه (إسرائيل) نفسها - والمتمثّل في عجزها عن تحقيق نصرٍ حاسمٍ رغم تفوّقها العسكري الساحق - ينكشف زيفُ الادِّعاءات الإسرائيلية بالقدرة على فرض الهيمنة الإقليمية، ويتجلّى هشاشةُ الموقف الاستراتيجي للكيان الصهيوني.

لذلك، فَــإنَّ المعركة القادمة - إذَا ما اندلعت - لن تكون معركةَ اليمن وحده، بل ستكون معركةَ جميع أحرار الأُمَّــة.

فقد أثبتت التجربة اليمنية أن إرادَة الشعوب أقوى من كُـلّ ترسانةٍ عسكرية، وأن دماء الشهداء قادرةٌ على زعزعة كيانٍ ظلّ لعقودٍ يتغنّى بأنه "القوة التي لا تقهر".

فالتضحيات اليمنية المتواصلة - والتي تجسّدت في استشهاد القادة والجنود على طريق القدس - لم تذهب سُدى، بل أسّست لمرحلةٍ جديدةٍ من الصراع أصبح فيها اليمن شريكًا أَسَاسيًّا في معادلة التحرير.

والمكانة التي تبوّأها اليمن لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاجُ رؤيةٍ قياديةٍ واضحةٍ وإرادَة شعبيّة جبّارةٍ توحّدت حول مشروع المقاومة والتحرّر؛ مما جعل من اليمن نموذجًا يُحتذى في العطاء والتضحية والثبات.

إن تصريحات نتنياهو الأخيرة تمثّل اعترافًا ضمنيًّا بسقوط نظرية الأمن الإسرائيلي القائمة على الردع العسكري والتفوّق التكنولوجي، وفشلًا لاستراتيجية العزل الجغرافي لفلسطين.

فقد نجح اليمن في كسر هذه القاعدة، عبر تحويل الصراع إلى مواجهةٍ إقليميةٍ مفتوحة.

واليوم، أصبح اليمن - بقوة إرادته، واستقلالية قراره، وقدراته العسكرية المتنامية - نموذجًا للمقاومة الفاعلة التي تستطيع، بإمْكَانياتٍ محدودة، أن تهدّد كيانًا نوويًّا مدجّجًا بأحدث الأسلحة.

وهذا يثبت أن مستقبل الصراع لم يعد محكومًا بمنطق القوة المادية وحدها، بل بمنطق الإرادَة والاستعداد للتضحية.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر