كثير من الناس قد لا ينطلق في كثير من المواقف؛ لاحتمال أن يستشهد في سبيل الله، فخوفاً من الشهادة يكبِّل نفسه عن كثير من الأعمال، عن كثير من المواقف، عن كثير من الأمور المهمة؛ ولذلك إسهامه محدود، وسقفه هابطٌ جداً؛ لأنه يحسب حساب المخاوف من الشهادة في كل شيء.
بينما أولئك الذين حملوا روحية الشهادة كانوا هم الأكثر إسهاماً، الأعظم عطاءً، الذين تحركوا في المواقف المهمة، والحساسة، والمصيرية، الذين حضروا في الميدان الحضور الفاعل، الذي يجسِّد القيم الإسلامية والإيمانية على أرقى مستوى من التجسيد، فهم فخرٌ لأمتهم، وهم نماذج ملهمة، وقدوة راقية، ومدرسة خالدة، ووصاياهم، وسيرهم، ومواقفهم، دروس لهذه الأُمَّة، للأجيال من بعدهم، دروسٌ عظيمة في القيم العظيمة، وفي الثبات، وفي الوفاء، إضافةً إلى ما تحقق بشكلٍ مباشر من انتصارات، من عز لأمتهم، بعطائهم، وجهودهم، وتضحيتهم، وما كتبه الله لهم ولأمتهم بناءً على ذلك.
الأمم التي تحرَّكت، والمجتمعات، وقد تحررت وقدَّمت الشهداء في إطار الموقف الحق، والأهداف الصحيحة، هي أممٌ ومجتمعاتٌ حُرَّةٌ وعزيزة، روحها المعنوية عالية، إرادتها فولاذية وحديدية، لا تنكسر من المخاوف.
بينما المجتمعات الخائفة، الخانعة، الذليلة، المتهيِّبة من تقديم الشهداء، والمتهيِّبة من الشهادة، هي أُمَّةٌ تخنع لأعدائها، تستسلم لهم، تنكسر إرادتها بكل بساطة، لا تتحرَّك لمواجهة التحديات والمخاطر الكبرى، تعيش حالة الذل، والإرجاف، والتهويل، والخوف الشديد؛ فتكبِّل نفسها، وتقيِّد نفسها لأعدائها، ولا تسلم بذلك، بل تعرِّض نفسها للمخاطر الأكبر، والتاريخ يثبت هذا، وشاهدٌ على هذا: أنَّ كثيراً من المجتمعات دفعت الثمن الباهظ في ذلِّها، واستسلامها، وخنوعها؛ لمَّا تهيَّبت من الشهادة، لمَّا تهيَّبت من التَّحَرُّك الجاد ضد أعدائها، لما يحميها من شرهم، وطغيانهم، وإجرامهم؛ فدفعت الثمن الباهظ: قتلى وجرحى، وخسرت حياتها، لم تعش حياةً بكرامة، فقدت الكرامة في حياتها بشكلٍ نهائي.
فلذلك في البناء الإيماني؛ لأنه مرتبطٌ بالله، وفي البناء الإسلامي والانتماء الإسلامي؛ لأنه مرتبطٌ بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هو يبني الأُمَّة لتكون بالمستوى العظيم، من الروح المعنوية العالية، من الشجاعة، من الصلابة، من الثبات، من القوَّة في مواجهة التحديات والمخاطر، وعدم الانكسار، والذل، والهوان، والوهن، نتيجة مواجهة تحديات، أو تقديم تضحيات؛ ولذلك أثنى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على الربَّانيين، الذين قال عنهم: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:146]، هذا هو البناء الإسلامي؛ لأنه متصلٌ بالله، بتعليماته، بهديه، والله يقول: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:8]، فالمؤمنون ينطلقون بعزَّة إيمانية، وكرامةٍ إنسانية، وروحٍ معنويةٍ عالية، وإرادةٍ قوية، وثباتٍ عظيم، ولديهم هذا الروح الذي يحميهم من حالة الانكسار في الإرادة، أو التضعضع نتيجة مواجهة التحديات، أو تقديم التضحيات.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
من كلمة السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1447




