مـوقع دائرة الثقافة القرآنية – صحافة – 8 ربيع الآخر ١٤٤٣هـ
قالت عدة أوساط حقوقية أن السلطات السعودية لا تزال تستخدم سلاح المحاكمات السرية كأداة لتصفية معتقلي الرأي داخل السجون السعودية وفي هذا السياق قالت منظمة سند لحقوق الإنسان إن السلطات السعودية مستمرة في إجرامها وهي تعمل على تصفية معتقلي الرأي والتنكيل بهم، من خلال التحايل على القانون والتلاعب بالأحكام القضائية، لإصدار أحكام تعسفية تصفي من خلالها السلطة حساباتها مع المعارضين والمعبرين عن الرأي والمفكرين.
المحاكم السرية جريمة ضد الانسانية
كما ذكرت منظمة سند أن المحاكم السرية ضد معتقلي الرأي والأكاديميين والكتاب والمفكرين في السعودية تعد جريمة ضد الإنسانية ولا يجب السكوت عنها، حيث لا يسمح لهؤلاء المعتقلين بتوكيل محام، أو حضور لجنة دولية تراقب المحاكمة أو ذوي المعتقل، وتركز المحكمة على التهم الملفقة غالبا، أو التهم التي يتم انتزاعها تحت التعذيب.
ومن بين هؤلاء اللذين تعرضوا لمحاكم سرية من قبل السلطات السعودية نذكر على سبيل المثال لا الحصر ” د. سلمان العودة، أمل الحربي، لجين الهذلول، عوض القرني” والعديد من الدعاة والناشطين والمطالبين بحقوقهم من معتقلي الرأي.
وبناء على ما ذكر يمكن القول أن المحاكم السرية هي من الجرائم التي تورطت بها السلطات السعودية ضد معتقلي الرأي، التي لا ينبغي السكوت أو التهاون عنها، فهي ظلم بحق المعتقلين، وتعديا على حقوق الإنسان، وخرقا للبنود والاتفاقيات العالمية والمحلية.
كما أن العديد من الناشطين والمعتقلين داخل معتقلات السلطات السعودية لقوا حتفهم بسبب الإهمال المتعمد للحالة الصحية ومن التعذيب الجسدي الذي لاقوه خلف القضبان.
ومن بين الذين وافاهم الأجل داخل زنازين الاعتقال هم “عبدالله الحامد، موسى القرني، وحمد الصالحي” وكذلك العديد من الناشطين والمعبرين عن أصواتهم الحرة.
وما زال خطر الموت يلاحق العديد من معتقلي الرأي داخل السجون السعودية، ومن بين الذين يلاحقهم الموت بسبب الإهمال المتعمد والتعذيب الجسدي، محمد الخضري، سفر الحوالي، سعود مختار الهاشمي، وعائدة الغامدي وغيرهم الكثير.
ولهذا السبب تطالب العديد من المنظمات الحقوقية الجهات المعنية بحقوق الإنسان في العالم للنظر في مخاطر الموت التي تلاحق معتقلي الرأي وانقاذهم من السجانين داخل السجون السعودية.
إخفاء قسري ومصير مجهول
في هذه الأثناء تواصل السلطات السعودية الإخفاء القسري للحاج “خالد محمد عبد العزيز” لأكثر من أربعة أعوام داخل معتقلاتها. وتعرض “خالد محمد” للاعتقال التعسفي وهو في طريقه مع والدته من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، حينما كان يؤدي فريضة الحج مع والدته في سبتمبر 2017م.
كما واجه “خالد عبد العزيز” داخل معتقلات السلطة الإهمال الصحي، والحرمان من التواصل مع ذويه، ومن سوء المعاملة والتعذيب النفسي من قبل السجانين.
يد ابن سلمان فوق ايدي المؤسسة الدينية
عادة ما يراف التغييرات الاجتماعية في السعودية ردود أفعال مؤيدة أو معارضة ولكن من يعارض هذه التغييرات وخاصة التي يفرضها ابن سلمان فهو سيواجه رد فعل عنيف من جانب السلطات، خاصة وسط هبوط في رصيد المؤسسة الدينية التي حكمت البلاد لعقود.
اليوم باتت اليد الطولى لولي العهد، الأمير محمد بن سلمان آل سعود في السعودية، كما عاد مصطلح “المحاكم السرية” للظهور؛ بعد موجة الاعتقالات التي طالت أشخاصاً تشك السلطة في ولائهم للعهد الجديد.
محاكم سرية وصمت حكومي
حساب “معتقلي الرأي”، الذي يُعنى بأخبار المعتقلين في السعودية، أعلن عن عدة محاكمات سرية طالت ثمانية من أبرز الشخصيات المعتقلة، منذ سبتمبر؛ وهم: “سلمان العودة، وعوض القرني، ومحمد موسى الشريف، وإبراهيم المديميغ، وعادل باناعمة، وعصام الزامل، وخالد العلكمي، وفهد السنيدي”.
وبحسب الحساب فإن “المحاكمات السرية لمعتقلي الرأي جريمة حقوقية كبرى، ومن ضحايا هذه المحاكمات من الأكاديميين والنشطاء كانوا؛ محمد الحضيف، وصالح الشيحي، اللذَيْن حُكم كل منهما لمدة 5 سنوات، ومحمد العتيبي وعبد الله العطاوي، اللذَيْن حُكما بمجموع 21 سنة.
ولم تعلن الحكومة السعودية عن المحاكمات، ولم يتحدّث إعلامها الموالي عنها، كما لم تُفصح الجماعات الحقوقية ومنظّمات المعارضة السعودية عن فحوى الاتهامات التي وجّهتها السلطات للمعتقلين.
ما هي المحاكم السرية؟
المحاكم السرية هي محاكمة غير مفتوحة للجمهور، ولا يوجد لها تغطية إعلامية أو محامي دفاع أو شهود في كثير من الأحيان، وتركّز فقط على لوائح الاتّهام، وتتميز الإجراءات فيها بعدم وجود عدالة، بل يمكن جعلها كيدية أو سياسية.
تاريخياً كانت إحدى أكثر المحاكم السرية سيئة السمعة في عهد الملك البريطاني تشارلز الأول، في أوائل القرن السابع عشر، والتي أسفرت عن حملة إعدامات كثيرة بحق معارضيه، ما أدّى إلى حرب أهليّة أدّت إلى إعدامه هو لاحقاً.
وفي العصر الحديث كانت المحاكمات السرية سمة الأنظمة الشمولية، خصوصاً في الاتحاد السوفييتي؛ لأنها كانت ترى فيها ضرورة للحفاظ على أمنها، وقد بلغت ذروتها في عهد الديكتاتور جوزيف ستالين، والذي شهد حكمه حملة تطهير غير مسبوقة، ويُقدّر عدد من قضوا تحت مطارق الأحكام القضائية السرية بنحو 7 ملايين إنسان.
وكان من أشهر القضاة هناك القاضي فاسيلي أولريخ، الذي قاد أعداداً كبيرة من المحاكمات السرية، والتي لا تستغرق سوى بضع دقائق تنتهي بإعدام المتهم.
المحاكم السرية وعصر ابن سلمان
جو المحاكم السرية كان غير سائداً في المملكة التي كانت تُجري محاكمتها استناداً إلى الشريعة الإسلامية فيما مضى وبشكل علني، ولعل محاكمة جيهمان العتيبي، الذي احتلّ الحرم المكي عام 1979، والتي جرت على الهواء مباشرة، خير مثال.
علماً أنه سبق أن جرت اعتقالات دون محاكمة في المملكة؛ كالشيخ سليمان العلوان، منذ 2004، بزعم دعمه جماعات إرهابية، واعتقال الشيخ عبد الملك المقبل 16 عاماً، وآخرين.
وأظهر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يُنظر إليه على أنه المتحكم بسياسة المملكة، نزعة استبدادية مرعبة، فقد أدت رغبته في توطيد سلطاته إلى اعتقال مئات المسؤولين، ومنهم العديد من الأمراء، إلى جانب العديد من الدعاة وحتى الناشطين الليبراليين والمتحرّرين.
واستخدم بن سلمان مختلف أساليب الترهيب والترويع ضد من يعارضه، وقام بإحداث الكثير من التغييرات التي لم يسبقه إليها أحد في بلاده.
ويرى مراقبون أن رجال الدين كانوا هم الذين يمنحون الشرعية لسلطة الملك، أما اليوم فإن الأمير محمد بن سلمان هو الذي يضفي الشرعية على رجال الدين، وسط حملة قمع كبيرة يرعاها هو باسم الإصلاح الديني، لكنها تناقض مطالب احترام التعدد الفكري.
إصرار سعودي على المحاكم السرية رغم الرفض الدولي
تصر السلطات السعودية على عقد محاكمات سرية، مما يجعل المحاكمات لا ترقى للمعايير الدولية لمحاكمة العادلة، وتمنع السلطات حضور عامة الشعب الذين يعلمون أن طلب الحضور بحد ذاته يجعلهم عرضة للسجن والتعذيب، وتمنع أيضًا حضور المراقبين الدوليين، بمن فيهم مسؤولي السفارات، على الرغم من زعم الإعلام السعودي بأنهم يمكنهم ذلك.
وقد أكد ذلك في ردٌّ على سؤالٍ مكتوب طرحه عضو البرلمان كريسبين بلنت من حزب المحافظين في 19 مارس 2020 حول محاكمة ناشطات حقوق المرأة تحديدًا، ونصّ رد أحد مسؤولي الحكومة البريطانية في 27 مارس بالتالي:
“تحضر المملكة المتحدة المحاكمات ذات الأهمية الدولية في كل البلدان حيث ذلك مسموح، وقد قدمت المملكة المتحدة مع غيرها من السفارات في السعودية طلبات لحضور المحاكمات ورفض الطلب في كل محاكمة نحن على دراية بها منذ أكتوبر 2018، باستثناء محاكمات المتورطين في قتل جمال خاشقجي”.
وهذا الرد الذي مفاده أن السفارات الأجنبية مُنِعت مرارًا من حضور المحاكمات في السعودية، ويضاف إليها منع الإعلام الدولي وعموم الناس من الحضور، فمنذ أكتوبر 2018 عقدت جلسات محاكمة عدة منها محاكمة ناشطات حقوق المرأة، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ورجال الدين، بإجراءاتٍ سرية ودون إشراف أي جهة مستقلة، مما يخالف المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن ” لكلِّ إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا”.
وحتى في المحاكمة الوحيدة التي سمح فيها بحضور الدبلوماسيين الأجانب، أي محاكمة جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، فقد كانت سرّية للغاية ومنع أغلب المراقبين الدوليين من حضورها. ترفض القسط الأحكام المنزلة بالإعدام على خمسة من المتورطين في الجريمة في 23 ديسمبر 2019، فالمحكمة ليست عادلة ولا مستقلة ولم تحاكم المتهمين الأساسيين، وبناءً عليه تكرر القسط دعوتها لعقد محاكمة دولية.
المحاكمة العلنية هي من أهم عناصر المحاكمة العادلة
يشكل الحق في محاكمة علنية عنصرا مهما من عناصر المحاكمة العادلة التي يضمنها عدد من أجهزة حقوق الإنسان الدولية. إذاً على المراقبين الدوليين الاستمرار في تقديم طلبات حضور المحاكمات، والضغط على السلطات السعودية حول هذه المسألة، كما يجب العمل على مطالبة السلطات السعودية بتوفير كافة الضمانات القانونية وحقوق المحاكمة العادلة الأساسية للأفراد المحرومين من حريتهم، والضغط على السلطات السعودية لكي تفرج إفراجًا فوريًا وغير مشروط عن معتقلي الرأي المحتجزين لممارستهم السلمية لحرياتهم الأساسية.
بين دعم ترامب وصمت بايدن
يجب على الإداراة الأمريكية الحالية أن تضغط على النظام السعودي في مجال معتقلي الرأي خاصة بعدما كان ابن سلمان يتلقى دعماً أمريكياً كبيراً من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب خاصة بعدما أصدر تعليمات من قبل مكتب خدمات المواطنين الأمريكيين (ACS)، التابع للسفارة الأمريكية بالرياض، تقول هذه التعليمات أن أيّ شخص في السعودية يخضع لقوانين المملكة، وأن واشنطن لن تتدخل إذا ما اعتقل.
هذا الموقف الأمريكي منح تفويضاً مطلقاً لولي العهد السعودي للإفلات من العقاب على مجموعة واسعة من القضايا، كما أن سياسة بن سلمان الإصلاحية التي تم الاحتفاء بها في الولايات المتحدة تُخفي مجموعة من السياسات الداخلية والخارجية “الأكثر قتامة” وتخفي خلفها آلاف من الضحايا والمظلومين خلف قضبان السجون.
الوقت التحليلي