مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

الحقيقة أنه لا يمكن أن تستخدم المادة، أو أن يضحى بالقيم، بالدين في مقابل المادة، بل العكس هو المطلوب من الإنسان {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}(التوبة: من الآية111) في حالة المقارنة بين الماديات والقيم والمبادئ الدينية يضحى بالماديات حتى وإن كان أغلى الماديات لديك التي هي روحك وجسمك بكله تضحي به من أجل الدين، ولا أن تبيع الدين في مقابل المادة، لا في مقابل ما تحصل عليه من مصلحة لنفسك أنت، ولا من باب مراعاة مصالح الآخرين، إذا كان هناك مثلاً شخصيات لها مصالح من جهة معينة وعمل معين يقولون: يا جماعة أنتم ستؤثرون على مصالحنا، نحن معنا كذا وكذا وليس لكم حق أن تأثروا على مصالحنا بما يؤدي إلى قطع معاشاتنا أو مساعدات معينة. قل له: نحن شخصياً أُلزمنا بأن نضحي بأموالنا من أجل دين الله، فكيف نراعي مصالحك أنت ونؤثرها على دين الله، وأنت ممن يلزمه أن يضحي بمصالحه من أجل دين الله؟!.
لهذا نلحظ كيف أنه لا يجوز إطلاقاً أن يتحدث بعضنا مع بعض من باب المن بما أعطى؛ لأنك تربي المجتمع على أن تُسخَر عواطفه للباطل، فيظهر هذا ويقول: صاحب المنجزات العظيمة, ونحن ونحن ونحن..إلخ، وأنا قد ربيتك من قبل، وأنا أتحدث معك: [يا أخي أنت تعلم أني قد أعطيتك كذا وكذا وأنت تعلم أننا فعلنا كذا ] فتقول: ’’والله صحيح ، ولا يهمك إ بشر ،،.
أليست هذه واحدة، ألست أنت تقوده بعواطفه؟ سيقوده الآخرون بهذه العواطف، فنهى حتى المؤمنين؛ لأن هذا سيرسخ في المجتمع تربية لأن ينقاد وراء العواطف التي تخلقها التأثيرات المادية، وهذا من أخطر ما يضرب الأمة، تصبح المقاييس مادية كلها، بدل أن تكون كما قال الإمام الخميني رحمة الله عليه: المعايير إلهية, هو قال: (يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية) أي المقاييس التي من خلالها نتعامل مع الآخرين, أو نقف مع الآخرين إلهية وليست مادية.
أن أراك ممن يجوز لي أن أقف معك في موقفك فأؤيدك باعتبار موقفك, باعتبار موقفك حق أُؤيدك، لكن أن آخذ منك مبلغ من المال فأؤيدك، أو تسدي إليّ معروفاً معيناً فأؤيدك وأنت على باطل، هذا مما يعني أنني جعلت المقياس في تعاملي مع الآخرين, في أن أقف معهم, أن أؤيدهم, أن أشاركهم في أعمالهم، هو ما يكون هناك من عائدات مادية.
وهذه خطورة بالغة؛ لأن الباطل يستخدم المال، المال هو وسيلة يستخدمه الحق ويستخدمه الباطل، فأنت ملزم بأن تنفق مالك في سبيل الله؛ لأن الحق لا بد من بذل المال في سبيله، وأهل الباطل يعلمون ويتأكدون بأن الباطل لا يسير إلا بواسطة المال. إذاً فالمال هو سلاح ذو حدين؛ فلهذا يجب على الإنسان أن ينظر إلى الأشياء معتمداً على مقاييس إلهية وليس من خلال الماديات.
فرعون الذي ذكر الله سبحانه وتعالى قصته في القرآن من أول من استخدم هذا الأسلوب:{أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} (الزخرف:51ـ54)  المقاييس لديهم مادية، أساور من ذهب رأوها في يد فرعون، وموسى رجل لا يملك هذه, وهكذا أنهار هنا ولا يعرفون أنهار الحق هناك، وأنهار العزة والشرف، أنهار القيم المثلى. استخف فرعون قومه في مقابلة موسى, نبي من أنبياء الله يملك عشر آيات بينات رأوها هم وعايشوها هم، لتعرف كم هي الخطورة شديدة جداً إذا ما انطلق الناس لينظروا نحو الأشياء وفق مقاييس مادية.
إن نبي الله موسى كان يمتلك آيات بينات وعايشوها هم الفراعنة وأهل مصر, الدم والضفادع والقمل والجراد, هذا مما كانوا يعانون منها حتى طلبوا من موسى أن يدعو الله أن يرفعها عنهم وأنهم سيؤمنون به وسيطلقون معه بني إسرائيل، ليست المسألة أنهم لم يعرفوا شيئاً، لكن نسوا مسألة أن لا ينظروا إلى الأشياء فتكون لها قيمة من خلال الماديات. استطاع فرعون أن يخدعهم؛ لأنهم كانوا قوماً فاسقين، يهمهم مصالح أنفسهم, يهمهم مادياتهم ومشاريع وخدمات فليكن فرعون في مقابل موسى لا توجد مشكلة.
هذا كإتمام للموضوع الذي ذكرناه بالأمس. ويمكن أنه بقي نقطة واحدة هي: حول ما في التذكير للإنسان بنعمة الله عليه, في أن ينظر أن كل ما بين يديه هو نعمة من الله وأنها ذات قيمة, هي نفسها مما تساعد على التفكير فيها كما قال سابقاً:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الرعد: من الآية3) بعدما قال تعالى:{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(النحل: من الآية14) {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثـية:13)  فينطلق الناس وهم يرون أن كل ما بين أيديهم له قيمته المرتبطة بمسؤوليتهم كخلفاء لله في الأرض، ومتذكرين أنها نعمة من نعم الله. فهذا هو نفسه من إحدى الدوافع بالإنسان إلى أن يغوص في أعماق مفردات هذا العالم فيبدع، وينتج، ويصنِّع، ويكتشف الأسرار التي أودعها الله في هذا العالم.
من هنا نعرف كم هو الفارق بين ما تعطيه هذه الآيات وبين من ينطلقون فيتحدثون مع الناس ويعظونهم بالزهد في الدنيا، وأن النظر إلى الدنيا يجب [أن يكون نظر من يرفضها ولا قيمة لها وأنها غرّارة خداعة مكارة، واتركها، ويسمح لك فقط من أطرافها، ولا تأخذ إلا الكفاية منها فقط ] أن هذا نفسه من إحدى العوامل التي ضربت المسلمين فجعلتهم بعيدين عن أن يستخدموا ما سخر الله لهم في السموات وفي الأرض، وأن يتفكروا فيها؛ لأنها أصبحت ليست ذات قيمة لديهم، ليست ذات قيمة، هي كلها لا تساوي جناح بعوضة ! بينما التذكير يوحي: أن الله يذكِّرنا أن ننظر إليها كذات قيمة، لها قيمة.
وعرف الآخرون كيف أن لها قيمة، الرجال عرفوا كيف أن لها قيمة, بل حتى الأشياء التي نكمم أنوفنا عندما نمر من عندها يعرفون أنها هي أيضاً لها قيمة، أليسوا يستخدمون المجاري بمحطات تصفية فيستخرجون منها الأسمدة، ويستخرجون أيضاً الماء من جديد نقياً فيعاد لسقي الأرض من الحدائق والبساتين والمزارع، وأسمدة تباع بملايين الدولارات.
ونحن نقول عنها كلها: غرّارة، خداعة مكارة من أولها إلى آخرها، حتى أصبحنا لا نملك شيئاً ولا نعرف شيئاً، ثم أصبحنا عبيداً لأولئك الذين تفكروا, قَوْمٌ يَتَفَكَّرُونَ, نحن قوم نجهل، وأولئك قوم تفكروا فأبدعوا.
نعرف في الوقت نفسه من خلال ما عرفنا من أن المسألة ليست سوياً فيما يسديه الله سبحانه وتعالى من نعم إلى الإنسان، وفيما يحصل فيما بين الناس مع بعضهم البعض, وقد ظهر أن المسألة ليست سوياً.
بينما نجد أن أول خطوة خطاها [المعتزلة] في مجال معرفة الله: أنهم اعتمدوا على قاعدة باطلة من أساسها، هي أنهم نظروا أولاً فيما يحصل بيننا نحن الناس، أن هذا عندما يعطي هذا يجب عليه أن يشكره، إذاً فهناك نعم ننطلق منها لنشكر الذي أسداها.
ألم يسوغوا للمسألة؟ ما الذي حصل؟ نحن قلنا: القاسم المشترك هو الجانب العاطفي, لكن أن تنظر إلى المسألة كأنها سوياً فتأتي لتقيس ـ على ما قالوا ـ الغائب على الشاهد! الشاهد هو الإنسان وهذه الصورة الكاملة للتعامل فيما بيننا التي تعطي حكماً عقلياً ـ كما يقولون ـ بأنه يجب شكر المنعم، إذاً فننطلق منها لنقيس عليها تعاملنا مع من أسدى إلينا نعماً من جانب هذه النعم التي لم ندر بعد من أين هي، فنبحث عمن أسداها، فكانت هذه هي أول خطوة التي بنوا عليها وجوب النظر في معرفة من أسدى إلينا هذه النعم لنشكره.
ما الخلل في هذه؟ هو ترسيخ حالة التسوية, مع أن القرآن بيَّن أن المسالة ليست سوياً، ليس هناك مجال للمقايسة إلا في ما يتعلق بالجانب العاطفي في أن سنن الله سبحانه وتعالى في الهداية استغلت الجانب العاطفي في المسألة في خلق الشد للإنسان نحو الله، ولاعتبارات متعددة هي هذه التي ذكرناها سابقاً فيما يتعلق بنظرته إلى ما بين يديه كنعم منه تعالى، فيأتي الشكر واحدة من الغايات, {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(النحل: من الآية14) ألم يأت الشكر واحدة منها؟.
فهم رسخوا هذه المسألة: أن ننطلق منا نحن الناس فنعتبر القضايا العقلية من خلال التعامل فيما بيننا مع بعضنا البعض هي الأساس الذي نقيس عليه تعاملنا مع الله، فحصل أخطاء كثيرة؛ لأننا نجد أن الفارق كبير, أنه ليس صحيحاً أني أرى أن الله سبحانه وتعالى يذكِّر من أعطاهم بنعمه؛ فأنطلق أنا لأذكِّر الآخرين الذين أعطيتهم بنعمي، فأقول أتخلق بأخلاق الله، وأسير على منهج الله، وأعمل مثله. لا. أُقفل هذا الموضوع تماماً، أقفل هذا الموضوع تماماً.
بينما قد يكون أساس المسألة هو أن الناس في تعاملهم الطبيعي خاصة من لم يربوا تربية إلهية في الابتعاد عن المنّ على بعضهم بعض، ألم يكن هذا هو السلوك الطبيعي لدى الناس؟ طيب الانطلاقة نحو الله على أساس هذا السلوك الذي هو قائم بين الناس اتضح بأنه فقط لاستخدام الجانب العاطفي, وأن ما نحن عليه هو خطأ، هو خطأ.
يجب أن يلغى المنّ بما أعطيت تماماً، ويجب عليك فيما إذا أُعْطِيتَ من جانب أن لا يسيِّرك عطاؤه إياك فيسيِّر عواطفك كيفما يريد.
بل ورد في الأدعية أنه مطلوب أن الإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى بأن لا يجعل لكافر ولا لفاسق عليه نعمة، ففي دعاء الإمام زين العابدين: ((ولا تجعل لفاسق ولا لكافر علي نعمة ترزقه من قلبي بها مودة)) لماذا؟ لأن الإحسان يعمل عمله.
الحاكم أو الذي يلي أمراً من أمور الناس نُهي أيضاً عن أن يجيب حتى دعوة ضيافة؛ لأن الإحسان يؤثر فيؤدي إلى تسخير عواطفه مع من أسدى إليه إحسانا، نهي الناس عن هذا، وأذكر فيما روي أن الإمام علياً (عليه السلام) دعا وهو عند رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم ) أن الله لا يحوجه إلى أحد من خلقه، فقال ـ في معنى الحديث ـ لا تقل هكذا فليس أحد من الناس إلا وهو محتاج إلى غيره أو إلى خلقه ولكن قل: ((اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك)) أن أحتاج إلى شرار خلق الله فيعطيني هو أو أقبل عطيته فيؤثر على عواطفي فيشكل ضغطاً عليّ في مواقفي الدينية. فحاول أن تبتعد عن أن يكون لفاجر تأثير على عواطفك.
هذا فيما يتعلق بنعم الله سبحانه وتعالى. ويمكن أن نستكمل الموضوع إن شاء الله فيما بعد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد  / حسين بدرالدين الحوثي / رضوان الله عليه .
معرفة الله - نعم الله - الدرس الثالث  / ص / - 6 - نهاية الملزمة .

 

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر