اليوم المخاطر كبيرة وواضحة على فلسطين وعلى الأقصى وعلى كل الشعوب، والمشاريع والأجندات والمؤامرات مكشوفة: مشروع التقسيم لبلدان المنطقة واضح، اليوم ها هم الأكراد متحضرون للانفصال عن العراق، وغداً ستسمعون هناك في سوريا، فيما بعد سنسمع كذلك في اليمن، والطبخة معدة للتقسيم في اليمن، ولكن يقولون: أنه من المناسب أن تلبّس قناعا يمنياً، يعني: هم يسعون إلى حسم المعركة في اليمن، بعد حسم المعركة في اليمن يقيمون حواراً يسمونه يمنياً، بين أدواتهم التي لا تعصي لهم أمراً، ثم يوجهونها بالاتفاق على أن تتقسم البلاد؛ أولاً إلى أقاليم فيذهب أولئك أولا إقليماً ثم دولة هناك، ، والآخرون هناك أولاً إقليماً ثم دولة، والآخرون هناك أولاً إقليماً ثم دولة… ثم يصبح اليمن دويلات، مجزأً إلى دويلات متعددة.
ومن المعلوم يقينـاً وحتماً أن ما يمكن أن يمضي في اليمن أو في سوريا أو في العراق، لو مضى ولو نجح الأعداء فيه؛ سيمضى فيما بعد في مصر، وسيمضى فيما بعد في المغرب العربي، حتى إذا فرغت أمريكا من كل بلدان المنطقة ما عدا أدواتها الرئيسية، أياديها القذرة، التي هي النظام السعودي والإماراتي، يأتي الدور في الأخير، بعد استكمال ما أرادوه منهم ماديًا، وهم بنظرهم بقرة حلوب، حينما يكملون الحلب المادي، ويكملون الاستنزاف المادي، ويكملون لعب الدور هذا؛ يأتي الدور عليهم هم، بلا شك في هذا.
والله لا يحظى أيٌ من النظام السعودي، ولا أيٌ من النظام الإماراتي، ولا أي نظام عميل في هذه المنطقة لأمريكا، لا يحظى لدى أمريكا بذرة من الاحترام ولا من التقدير ولا من شكر الجهود!. وحينما يكمل دوره، ويؤدي مهمته ويستنفد إمكاناته في خدمة أمريكا، فوراً سيأتي الدور عليه بشكل مباشر ويضرب، هذه والله حقيقة من الحقائق، ولها شواهد، ولا نحتاج إلى الحديث عن الشواهد، انظروا في واقع المنطقة من حولكم والشواهد كثيرة.
فإذاً المسألة واضحة، المخاطر واضحة، وحتمية التحرك واضح، نحن أمام هذه المخاطر والتحديات كشعوب، ومن تبقَّى من أنظمة، معنيون بحكم المسؤولية، وكخيار حتمي وصحيح وسليم أن نتحرك على الدوام لمواجهة هذه المشاريع، هذه المؤامرات وبكل الوسائل والأساليب.
هنا كانت انطلاقتنا في مسيرتنا القرآنية، ومنذ أن بدأ السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- بالتحرك من هذا المنطلق، وعلى هذا الأساس، لم يكن تحركاً عابثًا، ولا فوضوياً، ولم يكن أيضاً ترفياً، ولا فضولياً… تحركاً مسؤولاً، هادفاً، واعياً، ينطلق على أسس صحيحة، بمواقف صحيحة، بمواقف سليمة.
تجد اليوم في ساحتنا العربية والإسلامية، نحتاج كلما تعاظمت المخاطر، كلما كبرت المعركة، وكبرت التحديات، وتعاظمت الأخطار، وكلما اشتد وحمي الوطيس، نحتاج إلى أن نرفع من وتيرة تحركنا على كل المستويات: تحركنا التوعوي يحتاج إلى وتيرة عالية، الآخرون يشتغلون في ساحتنا العربية والإسلامية، بين أوساط شعوبنا، تضليلاً وخداعاً، أبواقهم الإعلامية كثيرة، آلتهم وإمكاناتهم الإعلامية هائلة، يشتغلون بكل الأساليب، بكل أنواع الخطاب، الخطاب الديني يشغّلونه؛ فيجعلون التحرك لخدمة أمريكا، ولضرب القوى الحرة في المنطقة جهاداً مقدساً، وما هناك مشكلة بالنسبة لهم، من الطبيعي أن يرفعوا عنوان جهاد، وعنوان القداسة، والطابع الديني، مسموح لهم، طالما سيتحرك في إطار الضابط السعودي أو الضابط الإماراتي، الذي هو بدوره يتلقى التوجيهات والتعليمات من الضابط الأمريكي، ما هناك مشكلة؛ فليطلق لحيته، وليقصر ثوبه، وليحمل مسواكه مع بندقيته، وليحمل مع السلاح العقيدة الجهادية، والعنوان الجهادي، والخطاب الديني… ما هناك مشكلة.
العنوان القومي يُشغّل اليوم لأمريكا، وعنوان العروبة، والعرب، والقومية العربية، يشغّلها من عُرفوا طوال التاريخ بأنهم كانوا أشد أعدائها، فيأتي النظام السعودي، والذي كان يوظف لدى كل القوى القومية في منطقتنا العربية بالقوى الرجعية والمتخلفة، هذا الرجعي اليوم يقود اليوم الكثير ممن يعتبرون أنفسهم: ناصريين، وقوميين، واشتراكيين… والخ. الكثير منهم يتحرك تحت قيادة هذا الرجعي، الذي كانوا يقولون عنه دائماً وأبداً: [الرجعية العربية المتخلفة، الرجعية العربية المتخلفة، الرجعية المتخلفة…]، هذه الرجعية تعطيهم قليلاً من الفلوس؛ وتَجندوا جنوداً لها، وهي تتحرك ضمن أمريكا، ضمن من كانت تقول بعض تلك القوى عنها: -الإمبريالية- القوى القومية في المنطقة العربية كان حديثها على الدوام عن -التصدي للاستعمار الامبريالي الغربي- كان عنواناً رئيسياً، ولكن لا يزال هناك بعض القوى القومية متحررة، نحن لا نعني الجميع، ولا نعمم، حتى من الاشتراكيين لا يزال هناك أحرار، حتى من الناصريين لا يزال هناك أحرار، من كل الفئات القومية لا يزال هناك أحرار، صوتهم مرفوع، ومواقفهم واضحة، وشرفهم بمبدئيتهم وبمصداقيتهم مؤكد، ولكن هناك الكثير أيضاً ممن انضموا تحت هذه الرجعية العربية، وتحركوا في إطارها.
الذي نقصده: أن كل العناوين يشغّلها الأمريكي في الساحة: الخطاب الديني يشغل، العنوان القومي يشغل، الإغراءات المادية تشغل، التضليل بكل الوسائل والأساليب والتزييف للحقائق يشغّل، وسائل كثيره تشتغل، كل الوسائل تشتغل.
فإذاً نحتاج إلى رفع مستوى وتيرة العمل التوعوي، العمل التوعوي الدائم في كل المنابر: في المساجد، في المجالس، في المقايل، في الجامعات، في المدارس، في كل الساحة، في كل الساحة، في كل مكان، بكل الوسائل: في الإذاعات، في الصحف، في المجلات، في التلفزيونات، في كل المنابر الإعلامية، وكل المنابر التربوية، وكل الوسائل التثقيفية، يجب أن يكون العمل التوعوي نشطاً جدًّا، وأن يواكب المستجدات، أن يُفنِّد الدعايات، والوشايات، والأكاذيب التي يطلقها أولئك الكذابون والدجالون والمفترون.
نحتاج إلى أن يكون هناك حالة استنهاض مستمرة، مستمرة؛ لأن الكثير من الناس -خصوصاً مع ضعف الوعي- يبردون، قد يتفاعلون تفاعلاً ليس ناشئاً عن وعيٍ كافٍ، مثلاً: أمام حدث معين، إذا حصل جريمة كبيرة جدًّا؛ يتفاعلون… كالنائم الذي سمع صوتاً كبيراً، أو ضربة مدوية؛ فأنهضته من نومه فزعاً ومنتبهاً، ثم لا يلبث أن يغلبه النوم من جديد.
الحالة التي تعيشها الأمة هي: حالة سبات، حالة نوم، حالة غفلة، توقظها أحياناً بعض الأحداث الرهيبة، أو المآسي الكبيرة جدًّا جدًّا توقظها!! تتفاعل بشكل مؤقت ثم لا تلبث أن تبرد، وبالتالي يبرد العزم، والحِلم عندنا نحن العرب حلم عجيب جدًّا! حلماء العرب، يعني:- أحياناً -بعد- أحداث رهيبة، فضيعة، مظالم ومآسٍ رهيبة جدًّا، ما يلبث الناس أن ينسوا ما حدث، وأن يتناسوا ما وقع!
لاحظوا، منذ بداية العدوان على بلدنا، كم من المآسي وقعت، كم من الأحداث المستفزة، ألم يقتلونا بشكل جماعي، في قبائلنا: في معظم القبائل قتل النساء وقتل الأطفال، ألم يضربوا مساجدنا، ألم يقتلونا في الأسواق، ألم يقتلونا في المناسبات، ومن الجميع: من المؤتمر الشعبي العام، ألم يقتلوا من قياداته، ألم يقتلوا في تجمعاته؟ من أنصار الله، من كل أبناء الشعب اليمني، قتلوا من الجميع، وقتلوا بطريقة فيها: استخفاف، ولا مبالاة، واحتقار، وحقد وعداء شديد… قتلوا الجميع، استباحوا الجميع!! حالة الاستباحة هي: الحالة التي يعملون على ضوئها، ويعملون على أساسها، الاستباحة تحت كل العناوين.
عندما جاءت ضربة الصالة الكبرى، ألم تستفز الشعب اليمني، ألم تستفز الكثير من المكونات، لكن لم نبق إلا فترة وجيزة حتى نسي البعض، وحتى وصل البعض لدرجة أنه لم يعد يتحدث، ولا يكتب، ولا يتكلم عن أولئك الأعداء الذين فعلوا بنا كل تلك الأفاعيل، والتهى بالانشغال في كلامه، في إساءاته، في كتاباته، في كل أعماله، ليل نهار، ضد أبناء الداخل، ضد من هم معه شركاء في المظلومية، وشركاء في المسؤولية، وهم أبناء وطن واحد معه، هكذا ينسى الناس! فلسطين تُنسى بعد كل ما حدث! وتروَّض الأمة اليوم على ألا تكترث حتى أمام مستجدات خطيرة، كالمستجدات الأخيرة في الأقصى.
ولاحظوا، في بقية البلدان كذلك، نتروض على الأحداث، ونتروض على الفجائع وعلى النكبات، حتى لا نعد نبالي، ولا نعد نكترث لها، ولكن بطريقة سلبية! لا بأس ألا نبالي بها في مستوى عزمنا، وإرادتنا، وقوتنا، وصمودنا، وثباتنا، وتفاعلنا، أن لا تكسر منا الإرادة، وألا توهن منا العزم، وألا تدفعنا إلى الاستسلام، وألا تخضعنا لليأس… أما أن نصل إلى درجة اللامبالاة، التي تجعل الإنسان يعيش بعيداً عن التحمل للمسؤولية، عن التفاعل العملي، التفاعل المسؤول. فلا، المسألة خاطئة!.
إذاً نحتاج إلى حالة استنهاض مستمرة، إلى إحماء للحمية والعزم، إلى تنمية للإرادة، إلى تحسيس دائم ومستمر بخطورة التفريط، وخطورة التقصير، وخطورة التنصل عن المسؤولية، وخطورة التجاهل أمام المخاطر والتحديات، هذا شيء مهم. حالة الاستنهاض الدائم، وحالة التوعية المستمرة، حالة التعبئة التي لا تنقطع… هذه أمور يجب أن تكون مساراتها قائمة، بكل الوسائل والأساليب، ومن الجميع؛ لأن على الجميع مسؤولية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
كلمة السيد بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة26شوال1438هـ