رشيد الحداد
بعيداً عن أجواء السلام الإيجابية، التي جرت بين صنعاء والجانب السعودي بوساطة عُمانية أواخر الشهر الفائت، تدفع حكومة عدن بالأوضاع نحو التعقيد، إذ أعلنت شركة الطيران اليمنية، بتوجيهات من رئيس تلك الحكومة المنقسمة الولاء بين السعودية والإمارات، معين عبد الملك، وقف رحلاتها التجارية اليتيمة من مطار صنعاء إلى مطار الملكة علياء في الأردن. وبرّرت تلك الخطوة بعجز الشركة المالي عن مواصلة تشغيل الرحلات، مطالبة حكومة تصريف الأعمال في صنعاء بتمويل 70% من عملياتها، متّهمة إياها بفرض قيود على سحب أرصدتها المقدرة بنحو 80 مليون دولار في حساباتها لدى بنوك العاصمة، وهو ما قابلته بالنفي وزارة النقل في حكومة الإنقاذ التي أبدت استغرابها من استخدام الشركة الوطنية الناقلة ذرائع كيديّة لحرمان عشرات الآلاف من المرضى والمواطنين من السفر إلى الخارج، مؤكدة أنها لم تجمّد أيّ أرصدة للشركة.
وقال مصدر حكومي مسؤول في تصريح صحافي، نقلته وكالة «سبأ» الرسمية (نسخه صنعاء)، إن «تعليق رحلات الخطوط الجوية اليمنية عبر مطار صنعاء مؤشر على عدم جدية دول التحالف في التوجّه نحو السلام»، متّهماً الشركة بوضع نفسها وسيلة بيد دول العدوان لاستمرار الحصار ومضاغفة معاناة الشعب اليمني. وفنّدت وزارة النقل في صنعاء مزاعم الشركة، مؤكدة أن «صرف كلّ مرتّبات الموظفين في الشركة ومستحقاتهم يتم من صنعاء، وتصل شهرياً إلى مليونَي دولار من دون اعتراض، بالإضافة إلى أن الشركة أنفقت 36 مليون دولار من أرصدتها في صنعاء كنفقات تشغيلية، على رغم امتلاكها أرصدة أخرى في عدن تجاوزت 100مليون دولار».
وقال مصدر مطّلع في الوزارة لـ«الأخبار» إن قرار وقف الرحلات التجارية من مطار صنعاء إماراتي بامتياز، وأشار إلى أن أبو ظبي حاولت استغلال الهجوم الذي جرى على جبهات الحدود وأدّى إلى مقتل أربعة ضباط وجنود بحرينيين، لكن لم يحالفها الحظ في دفع صنعاء والرياض إلى الاقتتال، والهدف كان إفشال التفاهمات التي تتعارض مع أجنداتها في المحافظات الجنوبية ووجودها الاستعماري في جزيرة سقطرى، وإعادة اليمن إلى مربع الحرب. ولفت إلى أن وزارة النقل في عدن، تحت قيادة «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات، ويقودها القيادي في «الانتقالي»، عبد السلام حميد، تقوم بمحاولة جديدة لإفشال جهود السلام التي بذلتها سلطنة عُمان الشهر الفائت، مشيراً إلى أن «هناك اتفاقاً يقضي بتحييد الشركة عن الصراع والالتزام بالحيادية والتشغيل الإنساني والتجاري، مقابل الصرف من حساباتها في صنعاء بنسبة 60% من أجل استمرار التشغيل من مطار صنعاء الدولي إلى الأردن، وفتح وجهات جديدة إلى مصر والهند، مقابل 40% من أرصدتها في عدن».
جاء ذلك في الوقت الذي كانت فيه صنعاء تنتظر قيام السعودية بتنفيذ خطوات بناء ثقة تعزّز فرص السلام بين الجانبين، وذلك بالتزامن مع تأكيد مصادر ديبلوماسية مطّلعة أن هناك شركات طيران إقليمية أعلنت جهوزيتها لاستئناف الرحلات من مطار صنعاء بإذن من التحالف وطلبه. وأشارت المصادر إلى أن تلك الشركات انتهت من إعداد التجهيزات الفنية واللوجستية لإعادة تشغيل بعض الرحلات لنقل الركاب إلى مطار صنعاء في حال الإعلان عن اتفاق سياسي وتوقّف الحرب.
التحرك الأخير لحكومة عدن لإعاقة تنفيذ تفاهمات الرياض الأخيرة، جاء في أعقاب لقاءات عقدها السفير الأميركي لدى اليمن، ستيفن فاجن، مع رئيس أركان قوات تلك الحكومة، صغير حمود أحمد عزيز، ناقشا خلالها توطيد الوجود الأميركي في المحافظات الجنوبية اليمنية. كما التقى فاجن، على هامش مشاركته في حفل زفاف باذخ أقامة عضو «المجلس الرئاسي»، طارق صالح، لنجله في دبي، عدداً من كبار مسؤولي «المجلس الرئاسي»، وتركز النقاش حول مساعي السلام في اليمن.
على رغم ذلك، لا تزال المحادثات بين صنعاء والرياض بوساطة عُمانية جارية ولم تتوقف، وفقاً لعضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله»، علي القحوم، الذي أكد لـ«الأخبار» «استمرار المحادثات مع السعودية، وأن التفاؤل قائم»، وأشار إلى أن «صنعاء مع السلام العادل والمستدام. والسيد القائد قدّم رسالة تطمين في خطاب المولد النبوي الشريف تجاه السعودية ونصحها بالمضيّ قدماً وبجسارة لصناعة السلام الذي يحقّق الأمن والاستقرار وحسن الجوار ورعاية المصالح المشتركة وصناعة العلاقات الطيبة والمتكافئة. وهذا فيه مصلحة للسعودية ولليمن والمنطقة برمّتها».
ونفى القحوم أن يكون التغيير الحكومي في صنعاء له علاقة بالمباحثات الجارية مع السعودية، مؤكداً أن هذه التغييرات التي دشّنها زعيم حركة «أنصار الله» هي رسالة إيجابية ورسالة سلام وتطمين على المستويَين المحلي والخارجي، وتأتي في إطار توجّه الحركة لبناء دولة ضامنة وجامعة تستند إلى النظام والقانون اليمني.