هذا هو المفهوم الحقيقيّ للولاية, والسّلطة في الإسلام, وهذا هو الشيء الغائب عن الحياة, والمفقود في حياة ووجود البشريّة, وهذه هي المهمّة الرئيسيّة, والمركزيّة للنّظام السّياسيّ, والولاية في الإسلام, لكن عندما غاب الولاة الحقيقيون الذين تعتبر ولايتهم امتداداً لولاية الله وسلطانة, وبرز ولاة أمر آخرون لا يجيدون هذه المهام الرئيسيّة, وبعيدون عن الهداية, والرّعاية, والرّحمة, والتربيّة ترسّخت لدينا مفاهيم أخرى خاطئة, ومغلوطة عن السّلطة, والولاية, وكأنّها تعني التّسلّط, والحكم بالقوّة, والقهر, والظّلم للنّاس, يقول السيد: (إذاً فهذا هو مفهوم الولاية في الإسلام، وهذه هي مهام الولاية في الإسلام، ليست فقط سلطة تنفيذية، سلطة أوامر ونواهي جافة، وتجبر وتسلط وقهر، وأشياء من هذه.. أبداً؛ لأنه فعلاً يحصل تساؤلات كثيرة حول النظام السياسي في الإسلام، أو حول السلطة السياسية في الإسلام، وأشياء من هذه، هو أساساً السؤال من أصله غير صحيح؛ لأنه في واقع الناس ليس هناك فصل ما بين سياسة، واقتصاد، واجتماع، وثقافة، وتربية، ورعاية، وأشياء من هذه، ليس هناك فصل فيما بينها, من أين جاء ترسيخ السلطة وكأنها فقط ما نسميها: سلطة سياسية فقط، سلطة تنفيذية لأوامر ونواهي وتسلط فقط؟!.
إنما جاءت عندما برز في الحياة هذه النوعية فعلاً، وعندما كان من يتزعمون البشر في مختلف مراحل التاريخ من النوعية التي لا تمتلك أي رؤية أخرى، ولا قدرة أخرى فيما يتعلق بالرعاية، والتربية، والتثقيف وغيرها، لا يمتلكون شيئاً، لا يمتلك إلا القهر والسلطة، أمر ونهي وسجن وقتل ونفي ومصادرة، وأشياء من هذه، هذا عمل يستطيع أي واحد يعمله، أليس أي واحد يستطيع أن يعمله؟ لا يحتاج حتى إلى حنكة سياسية - كما يقولون - معاوية استطاع أن يحكم الأمة عشرين سنة، ومعاوية لم يكن يمثل شيئاً؛ لأنك بالطريقة هذه تستطيع أن تحكم العالم، هذا بوش نفسه أليس متجهاً إلى أن يحكم العالم؟ وهو عندما تتأمل منطقه، ملامحه، حركاته تجد أنه إنسان غير طبيعي، وغير متزن، لكن ما أيسر السلطة، وما أسهلها عندما تكون على هذا النحو: أوامر ونواهي، الذي يقول لك: تمام، لا بأس، تعطيه كيفما أردت دون أن تلحظ حقوق الآخرين، والذي يرفض، سجن وقتل ونفي، وأشياء من هذه) سورة المائدة الدرس الثالث والعشرون.
ومن خلال المفهوم والرّؤية القرآنيّة للولاية في الإسلام, نعرف أنّ واقع البشريّة اليوم يختلف تماماً عن هذه الولاية الرّبانيّة القرآنيّة الّتي تبني الأمّة, وترتقي بها في كلّ مجالات الحياة, يقول السيد: (إذاً الولاية في الإسلام، السلطة في الإسلام هي أرقى بكثير مما عليه واقع البشر، أرقى بكثير في مهام من يلي أمر الأمة, تجد أنه عندما تتأمل ولاية الله سبحانه وتعالى لشؤون عباده فولاية من يلي أمر الأمة هي امتداد لولاية الله، يجب أن يكون عنده رحمة، يجب أن يكون عارفاً كيف يربي الأمة، يجب أن يكون عارفاً كيف يبني الأمة، كيف يطور حياتها، كيف ينمي اقتصادها، كيف يزكي أنفسها، كيف يواجه أعداءها، أشياء واسعة جداً، جداً) سورة المائدة الدرس الثالث والعشرون.
ولاية الرّسول
هذه الولاية هي التي تجلّت في رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وتجلّت على يديه، وبرزت في حياته، وسلوكه، وأخلاقه، وتعامله، وتجلّت وتجسّدت في شخصيّة الإمام علي (عليه السلام)، يقول السيد: (تجد هذه ألم تكن هي أبرز الأشياء بالنسبة للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) والإمام علي؟ ما الذي كان بارزاً بالنسبة لشخصيتهم كأولياء لأمر الأمة؟ هل كان البارز موضوع التسلط والقهر، أو هذا الجانب الآخر، جانب الرعاية والتعليم والتزكية؟ ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ﴾[البقرة من الآية: 129] جانب تربيتهم؛ لينشئوا أمة على مستوى عالي، هذه المهمة هي التي كانت بارزة في شخصية الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في ممارساته وسلوكه مع الناس الذين هو أولى بهم من أنفسهم ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[الأحزاب: من الآية: 6] ولهذا قال الله عنه: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾[التوبة من الآية: 128] يعز عليه ويؤلمه أي مشقة تلحقكم، هذه صفة هامة جداً ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ أي مشقة تلحقكم ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ بكل ما تعنيه الكلمة، حريص عليكم بأن تنشؤوا أمة مستقيمة، بأن تكونوا أمة قوية، بأن تنشؤوا رجالاً حكماء، أصحاب نفوس زاكية، أصحاب نفوس عالية، حريص ألا يلحقكم أي ضر مهما كان ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾) سورة المائدة الدرس الثالث والعشرون.
الولاية في القرآن الكريم
يقدّم القرآن الكريم الولاية الشّاملة بدءاً من ولاية الله على عباده, وولاية أنبيائه, ورسله, وولاية أوليائه, على أنّها هي الولاية الّتي لها أثرها في بناء الأمّة, وتربيتها, والارتقاء بها, يقول السيد: (إذاً عندما ترجع تتصفح القرآن الكريم بالنسبة لله سبحانه وتعالى أليس هذا ظاهراً، وليس فقط نقول: ملموس، ظاهر من خلال القرآن الكريم مظاهر رحمته، رأفته، رعايته، أنه فعلاً بالنسبة لعباده هم محط عناية كبيرة جداً تساوي ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ ما نمتلك عبارة بالنسبة لله نقول: هكذا، لكن مثلما قرأنا في الآية السابقة ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾[المائدة من الآية: 33] وكثير من الآيات غيرها، هذه الجوانب الهامة جداً هي الجوانب التي يحتاج إليها الناس، وهذه هي الجوانب التي لا يمكن أطرف الناس أن يعملها، أما الجانب الآخر فبإمكان أي شخص يفوز بانتخابات، أو بانقلاب عسكري، أو عن طريق وراثة، أو بأي طريقة كان فيصل إلى الحكم، ويمارس الحكم، ويجلس ولو أربعين سنة، ولكن هل تجد له أثراً في تربية الأمة، رعايتها، تنشئتها، بناءها بناءً صحيحاً، لا تجد إلا العكس) سورة المائدة الدرس الثالث والعشرون.
والطريقة الصحيحة لمعرفة الولاية، والسّلطة في الإسلام تبدأ بمعرفة مهام الدّولة، والسلطة في الإسلام، والقرآن الكريم، قبل أن نتحدث عن مؤسسات الحكم, والسلطة, وطرقها, وآلياتها, يقول السيد: (إذاً فقبل أن نتساءل عمَّا هو النظام السياسي في الإسلام كنظام هيكلية الدولة، اسأل عن مهام الدولة في الإسلام، مهام السلطة في الإسلام ما هي؟ هي هذه، وليس فقط: هل هو شخص واحد، أو مؤسسات؟ هل عن طريق انتخابات، أو عن طريق اختيار، أو عن طريق شورى أو.. أو.. إلى آخره، في المقدمة ما هي مهام الدولة في الإسلام؟) سورة المائدة الدرس الثالث والعشرون.
ولاية الإمام علي
وقد تجلّت هذه الولاية التي هي امتدادٌ حقيقيٌّ لولاية الله, ورسوله على يد الإمام علي (عليه السلام), الّذي حرص في أيام حياته, وولايته على أن يقدّم السُّلوك, والنّموذج الرّاقي لهذه الولاية, مهما كانت ظروفه, ومعاناته في الحياة, وترك للأمّة إرثاً عظيماً سلوكاً, وعملاً, وقولاً, وأخلاقاً, وقيماً, ومبادئا ًتجسّد ولاية الله, ورسوله على النّاس, يقول السيد: (الإمام علي (صلوات الله عليه) هل كان إنساناً ضعيفاً نفسياً؟ لم يكن ضعيفاً نفسياً على الإطلاق، كان قوياً، كان بإمكانه أن يخضع أهل العراق، ويخضع الجزيرة هذه، ويخضع كل البلاد الإسلامية، ويدير الأمور بشكل أقسى مما عمل معاوية، أليس هو يستطيع أن يعمل هذه؟ لكن اقرأ ما الذي ترك معاوية، وما الذي ترك الإمام علي، عندما تقرأ في نهج البلاغة تجد كيف ترك حتى فيما يتعلق بالوعي السياسي للناس، ترك تراثاً هاماً جداً، مثل عهده إلى مالك الأشتر، تجد نصوص خطبه وتوجيهاته - مع أنه قد يكون فقط قليل، ما وصل إلينا في نهج البلاغة قليل - كيف هو فعلاً عمل الإنسان الذي يفهم السلطة في الإسلام ما هي، يفهم الدين من حيث هو بالنسبة للإنسان ما هو دوره، أن الله كرم الإنسان ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾[الإسراء من الآية: 70) فيجب أن يكون الحكم للناس بالشكل الذي يسمو بهم، يكون متناسباً مع تكريم الله لهم، وليس بالشكل الذي يحطهم، ويقهرهم، ويذل نفسياتهم؛ ولهذا أصبح جانب كبير من المسؤولية على نفس الأمة، على نفس الناس؛ لأن القضية هنا إضافة إلى خبرة إدارية، وخبرة تربوية، وتوجيهية بالنسبة لمن يلي أمرها لازم بالنسبة لها هي أن يكون لديها وعي، هو أن تعرف بأن من الأفضل لك أن تعيش في سلطة فيها مثل الإمام علي (صلوات الله عليه) لا تخاف أنه يمكن أن يظلمك، لا تخاف أنه بمجرد وشاية معينة إليه يمكن أن يسجنك، أو يقتلك، لا تخاف أن جواسيسه بعدك أينما ذهبت، لا تلمس أي خوف في نفسك، ولا أي شعور بقهر وإذلال ممن يحكمك، أليس هذا الذي يتناسب مع كرامة الإنسان؟) سورة المائدة الدرس الثالث والعشرون.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.