محمد فاضل العزي
تأتي سيرةُ الزهراء عليها السلام، كما تأتي سِيَرُ أُمهات النور العظيمات في تاريخ الهداية، لتُعلّم الإنسان - ذكرًا كان أَو أنثى - أن الكمال ليس امتيَازًا يُمنح، ولا جاهًا يُشترى، بل هو سُلَّمٌ يرتقيه المرءُ بالإيمان، والأخلاق، ونقاء الروح، وسموّ القيم.
ومن هذا الباب، يسطعُ نموذجُ خديجة الكبرى عليها السلام، أم المؤمنين، زوجةُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمُّ فاطمة الطاهرة عليها السلام، كواحدةٍ من أعظم النماذج النسائية التي بلغت في الكمال الإيماني مرتبةً أن أبلغ اللهُ جلّ شأنه سلامَه إليها عبر جبريل عليه السلام، في تكريمٍ لم تُنله امرأةٌ سواها.
هذا الارتقاء الإيماني والأخلاقي يؤكّـد أن السموّ متاح لكل إنسان - رجلًا كان أَو امرأة - بقدر ما يسمو في أخلاقه، ويعظم في قيمه، ويثبت على المبادئ الكبرى التي تجعله مؤثرًا، بنّاءً، وعظيم الأثر في الحياة.
فالمرأة لا تكون ذات قيمةٍ ولا دورٍ ولا تأثير بما يُروّجه الفاسدون من ابتذالٍ، وسفورٍ، وعلاقاتٍ هابطة؛ فهذا انحطاط لا يمثّل كرامة ولا شرفًا ولا بناءً.
الكرامةُ الحقيقية تتجسد في إنسانيةٍ سامية، في أخلاق راسخة، وفي قيمٍ مضيئة.
ولذلك، لم يمنع كون فاطمة الزهراء، أَو مريم ابنة عمران، أَو أم موسى، أَو امرأة عمران - سلام الله عليهن - أنثى من أن يبلغن مراتب سامقة تتفوق على كثير من الرجال، بل قدّمن أرقى الشواهد على تكريم الله للمرأة، وفتح المجال أمامها لتكون في قمة السموّ الإيماني والإنساني.
نماذج نسائية شاهدة على تكريم الله للمرأة
إن ظهور نساءٍ راقياتٍ في سموّهن الإيماني والأخلاقي، كمريم عليها السلام، وفاطمة عليها السلام، يشهد بوضوح أنّ الإسلام قدّم للمرأة تكريمًا لم تعرفه أي فلسفة أَو اتّجاه بشري آخر.
لقد جعل لها طريقًا مفتوحًا إلى أعلى مراتب الإنسانية، وأوسع أبواب القرب من الله.
استهداف المرأة.. البوابة الأخطر لهدم المجتمع
إنّ أخطر ما يفعله أعداء الإسلام اليوم هو استهداف المرأة المسلمة في مبادئها، وقيمها، وحجابها، وعفتها؛ إذ يرون أن إفساد المرأة هو أسرع طريق لإفساد الرجل، وبالتالي إفساد المجتمع بأكمله.
ولذلك يروّجون للتبرج، والاختلاط، والعلاقات المحرمة، والحرية الزائفة، ليكسروا المرأة أولًا، ثم يسقط المجتمع معها.
إنها حربٌ فكريةٌ وثقافيةٌ وأخلاقية، تتولى قيادتها دوائر الفساد العالمي ولوبيات الانحراف؛ حربٌ هدفها ضرب الأَسَاس الأول لبنية المجتمع: المرأة والأسرة.
الزهراء عليها السلام.. قُدوة الكمال الإنساني والإيماني
في هذا الواقع المليء بالتشويش، تأتي ذكرى الزهراء عليها السلام كمناسبة عظيمة لترسيخ المبادئ الإيمانية التي ترتقي بالإنسان - رجلًا أَو امرأة - وتقدّم النموذج الأكمل للكمال الإنساني.
فالزهراء عليها السلام هي كما سماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
سيدةُ نساءِ العالمين.
سيدةُ نساءِ المؤمنين.
سيدةُ نساءِ أهل الجنة.
وهو مقام حقيقي بلغته بوعيها، وبصيرتها، ونقائها، واستقامتها، وسموّ روحها، فأصبحت قُدوة خالدة لكل امرأةٍ مسلمة تنشد العزة والكرامة، وتبحث عن طريقٍ يحفظها من الضياع، ويرفع منزلتها عند الله.
وفي زمنٍ يستهدف المرأةَ فيه الأعداء بأسوأ أساليب التضليل والانحراف، تصبح حاجةُ المرأة المسلمة للاقتدَاء بالزهراء عليها السلام أعظم من أي وقتٍ مضى؛ لتحصّن عقلها، وتحفظ كرامتها، وتبني وعيها، وتحمي نفسها وأسرتها ومجتمعها من السقوط في مشاريع الإفساد الكبرى.
خاتمة.. قدوة ومنهج
إن نموذج الزهراء عليها السلام ليس مُجَـرّد قصة تاريخية، بل هو نورٌ يُهتدى به، ومنهجٌ يُحتذى، وطريقٌ يرفع المرأة والرجل معًا في سلّم الكمال الإنساني والإيماني.
إنها المدرسة العظمى للعفاف، والبصيرة، والإيمان، والوعي، التي من تمسكت بها ارتقت، ومن اقتدت بها سمت، ومن استضاءت بهديها حفظت نفسها ومجتمعها من كُـلّ مشاريع الإفساد والانحطاط.




.png)


.jpg)