مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

إذا جئنا لندرس أسباب الهجرة، وظروف المجتمع في مكة التي أوصلته إلى أن يفقد صلاحية النهوض بهذا الدور، وأن يتقلد هذا الشرف الكبير والفضيلة العظيمة، فنعود لدراسة المسألة من مرحلة تاريخية متقدَّمة سابقة، تعود مسألة مكة المكرمة ومسألة مبعث الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- في جذورها الأولى تعود بنا إلى خليل الله ونبيه إبراهيم -صلوات الله وسلامه عليه-.

 

نبي الله ابراهيم -عليه السلام- عندما هاجر إلى فلسطين واستقر هناك، ذهب من فلسطين بأمرٍ من الله -سبحانه وتعالى- إلى مكة، في مكة بَوَّأ الله له مكان بيته الحرام، يعني: علَّمه مكان البيت، وهيَّأ له المعرفة به، والعمل فيه، ليكون هذا البيت الحرام بقدسيته العظيمة (الكعبة المشرَّفة بقدسيتها العظيمة)، ليكون المعني بهذه المهمة في بنائه، في الدعوة للحج إليه، في القيام بأمره هو نبي الله إبراهيم -عليه السلام- ومعه ومن بعده ابنه نبي الله اسماعيل -عليهما السلام-.

 

عندما وصل نبي الله إبراهيم إلى مكة المكرمة، وهيَّأ الله له وعلَّمه مكان البيت، فأعاد بناءه بمعيَّة ابنه اسماعيل -عليهما السلام- أعاد بناءه- كما ورد في القرآن الكريم- وشيَّده، ودعا الناس للحج إليه؛ ليمثِّل مرتكزاً مهماً للدين الإلهي وللرسالة الإلهية، ومرتكزاً أيضاً لمرحلة آتية، مرتكزاً في وقته، ومرتكزاً في ختام الرسالة الإلهية، ولذلك كان إلى جانب بناء هذا البيت الحرام خطوة مهمة من جانب نبي الله ابراهيم هي: أنَّه أسكن من ذريته (ابنه اسماعيل -عليه السلام-) أسكنه في مكة بجوار هذا البيت، وأناط به مهمة القيام على هذا البيت معه، ثم من بعده، ثم ذريته كذلك، يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 26-27]، فالله -سبحانه وتعالى- أناط بإبراهيم هذه المهمة؛ ليجعل من هذا ركيزةً أساسية في الدعوة إلى الله -سبحانه وتعالى- في ترسيخ مبدأ التوحيد لله -سبحانه تعالى- والكلام يطول حول طبيعة هذه الركيزة الإلهية التي ارتبطت بمقدَّس من المقدسات: هو الكعبة البيت الحرام، والذي ارتبطت به شعائر معينة: هي فريضة الحج, وارتبطت به القبلة أيضاً للصلاة والعبادة، وجُعِلَ مثابةً للناس وأمناً، ثم إلى جواره هذا الدور الذي كان ملاصقاً له، مرادفاً له، مرتبطاً به، بل معنياً به وقائماً عليه، وهو دور ابنه اسماعيل، القائم على هذا الدور ضمن الرسالة الإلهية، ولهذا استمر هذا الدور، نبي الله ابراهيم قال -عليه السلام- كما حكا الله عنه: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: الآية37]، فهو أسكن من ذريته من يستقر في مكة المكرَّمة، هذا الفرع وهذا الدور المرتبط بالبيت الحرام ارتبط به دورٌ مستقبليٌ مهم، وادَّخره الله -سبحانه وتعالى- لهذا الدور الآتي في زمن البعثة، بعثة خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.

 

إبراهيم -عليه السلام- دعا الله -جلَّ شأنه- كما يقول الله في القرآن الكريم: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 126-129]، نجد في هذه الآيات المباركة أنَّ إبراهيم سأل من الله -سبحانه وتعالى- أن يهيئ لهذا الفرع من ذريته الظروف المعيشية التي تساعدهم على الاستقرار في تلك المنطقة؛ لأنها منطقة غير زراعية، وأن تتوفر لهم الظروف التي تساعدهم على الاستقرار على المستوى المعيشي، وعلى المستوى الأمني؛ لأنه طلب من الله أن يجعله (بَلَدًا آمِنًا)، الأمن أولاً، ثم قال: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ}، ثم دعا بالرزق؛ لتتوفر العوامل المساعدة على مستوى الاستقرار الأمني، والاستقرار الاقتصادي والمعيشي التي تساعد على القيام بهذه المسؤولية كمسؤولية، المتعلِّقة بهذا الدور ضمن مرتكزه المهم البيت الحرام.

 

طبعاً هو في طلبه من الله طلب الرزق لمن آمن من ذريته ومن أهل هذا البلد الحرام، أن يرزقهم الله: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، لكنَّ الله قال له: {وَمَنْ كَفَرَ}، يعني: أنه سيرزق المؤمن والكافر منهم؛ لأن هذا شيءٌ مهم في حكمة الله وتدبيره لصالح البلد الحرام والبيت الحرام وشعائر الحج، يعني مثلاً: لو كانت ظروف سكَّان هذا البلد الحرام ظروفاً اقتصاديةً صعبة؛ لتحولوا إلى لصوص، ونهَّابين، وقاطعين للطرق، ومرتكبين لأبشع الجرائم بحق الحجاج، ولأثَّر هذا على وضع الحجاج بشكل كبير جدًّا، فمن أهم ما يلحظ في هذه الآية المباركة أنَّ سعة الرزق لسكَّان البلد الحرام، لسكان مكة، أو حتى لما هو أوسع مثلما يرى البعض اليوم فيما عليه الوضع بالنسبة للسعودية أنها بلد من أثرى بلدان العالم، ومن أغنى بلدان العالم. هذا ليس شاهداً على أنهم على خير، وفي حق، وعلى حق، ومن أهل الإيمان والصلاح؛ لأن الله وعد بسعة الرزق في هذه الآية المؤمن والكافر من سكَّان ذلك البلد، {قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا}، هو بالنسبة للسيء منهم هو متاع قليل، {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} فيما بعده جهنم -والعياذ بالله- {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الأولى بمناسبة الهجرة النبوية 1441هـ

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر