مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

مبارك حزام العسالي
ليس هناك ما هو أفظع من أن يتحول جزء من أبناء الوطن إلى أبواق للعدو، وأن يجد البعض في قصف بلدهم ما يثير فرحهم، ويشبع حقدهم، ويمنحهم وهم الانتصار على خصومهم الداخليين. إن هذه الصورة المؤلمة التي نراها اليوم في اليمن تكشف عن أزمة عميقة في الهوية والوعي، بل تعكس سقوطًا مدويًا في هاوية الخيانة والانفصال عن الانتماء الوطني والإنساني.

العدوان الصهيوني على اليمن ـــ أيًّا كان شكله أَو توقيته ـــ لا يستهدف حزبًا أَو جماعة بعينها، بل يستهدف اليمن كُـلّ اليمن: أرضًا وسيادةً وإنسانًا وتاريخًا. حين تنطلق الصواريخ أَو تحلق الطائرات أَو تُفرض العقوبات، فإنها لا تطرق أبواب "أنصار الله" وحدهم، بل تطرق أبواب كُـلّ يمني، وتترك بصمتها السوداء على حياة كُـلّ أسرة، ومستقبل كُـلّ طفل. ومن يفرح لمثل هذا العدوان إنما يفرح في الحقيقة بمصيبته هو، ويصفق لخراب بيته، ويهلل لدمار مستقبله ومستقبل أجياله.

 

السقوط في مستنقع الحقد الضيق

لا يمكن أن نفسر هذا الموقف إلا بأنه نتيجة طبيعية لتضخم الحقد الداخلي وضيق الأفق السياسي. حين يتحول الصراع السياسي أَو المذهبي إلى عداء مطلق، يصبح صاحبه مستعدًّا لأن يتحالف مع الشيطان، وأن يتوهم أن العدوّ الخارجي يمكن أن يكون حليفًا يخلصه من خصومه. وهنا يكمن الخطر؛ إذ تختلط الحسابات، ويضيع البوصلة، فيصبح الكيان الصهيوني عدوًا ثانويًا، بينما يُقدَّم الخصم الداخلي على أنه العدوّ الأكبر، حتى لو كان الثمن هو تدمير الوطن نفسه.

 

خيانة الهُوية والانتماء

اليمني الذي يصفق للعدوان الصهيوني لا يخون حزبًا أَو جماعة، بل يخون هويته وانتماءه وتاريخه. يخون دماء الأجداد الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض، ويخون إرث اليمن الذي كان على الدوام عصيًا على الغزاة، ويخون قيم الإسلام التي تجعل الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، لا للمستعمرين والغازين. إن الفرح بعدوان خارجي على بلدك هو إعلان صريح بانفصامك عن جذورك، وقطعك لحبال الانتماء التي تشدك إلى وطنك وأمتك.

 

الأبعاد النفسية والاجتماعية

علم النفس الاجتماعي يوضح لنا أن الكراهية حين تتضخم تتحول إلى عجز عن التمييز بين العدوّ الحقيقي والخصم العابر. البعض من هؤلاء اليمنيين يعيشون حالة "إسقاط" نفسي، فيعتبرون أن أي ضربة يتلقاها الوطن هي انتصار لهم؛ لأنهم أسقطوا الوطن في خانة الخصم. إنهم لم يعودوا يرون في اليمن بيتًا جامعًا لهم، بل مُجَـرّد ساحة لتصفية الحسابات، فإذا احترقت الساحة شعروا بالراحة، ولو كانوا هم أنفسهم رمادًا من رمادها.

 

ارتهان للمشاريع الخارجية

لا يمكن أن نغفل أن كَثيرًا من هؤلاء الذين يفرحون للعدوان إنما يفعلون ذلك نتيجة ارتهانهم لمشاريع إقليمية ودولية. إنهم أبواق، لا يملكون قرارهم، يستمدون مواقفهم من حسابات قوى تملي عليهم الاصطفاف خلف الكيان الصهيوني وأدواته. وحين يصفقون لعدوانه، فهم في الحقيقة يعبرون عن انتمائهم لتلك المشاريع، لا عن موقف وطني أَو إنساني.

 

التاريخ يعيد نفسه

ليست هذه الظاهرة جديدة. عبر التاريخ، كان المنافقون دائمًا يفرحون بمصائب الأُمَّــة، ويستبشرون إذَا أصابها سوء. في معارك صدر الإسلام، كان المنافقون يظهرون الشماتة كلما أصاب المسلمين نكبة، وفي التاريخ الحديث رأينا كيف اصطف بعض العرب مع الاستعمار، وكيف تحول بعضهم إلى أدوات للصهيونية. اليوم يتكرّر المشهد في اليمن: من يصفق للعدوان ليس إلا نسخة جديدة من أُولئك الذين خانوا شعوبهم واصطفوا مع الغزاة.

 

التأثير العملي لهذه المواقف

المشكلة لا تتوقف عند حدود الشعور النفسي أَو الخيانة المعنوية، بل تمتد إلى آثار عملية خطيرة. الفرح بالعدوان يضعف الجبهة الداخلية، ويمنح العدوّ مبرّرا للاستمرار، ويخلق بيئة من الانقسام يستثمر فيها العدوّ لتفكيك الوطن. بل إن هذا الموقف قد يشجع العدوّ على التمادي، لأنه يرى أن بعض أبناء البلد يرحبون بضربه، فيتضاعف الخطر على الجميع بلا استثناء.

 

مفارقة كبرى

أي مفارقة أكبر من أن يصفق اليمني للكيان الصهيوني، وهو الكيان الذي لم يفرّق يومًا بين مسلم وآخر، ولا بين جماعة وأُخرى، بل كان على الدوام يرى في العرب جميعًا أعداء يجب إخضاعهم؟ أية مفارقة أعظم من أن يفرح البعض بضرب وطنهم من عدوٍ يقتل أطفال غزة صباح مساء، ويقصف بيوت الفلسطينيين على رؤوس ساكنيها؟ كيف يمكن لمن يدّعي الانتماء للإسلام أَو العروبة أن يفرح لعدوان كهذا؟

 

ختامًا.. دعوة لليقظة والوعي

إن الموقف الصحيح ــ مهما كانت خلافاتنا الداخلية ــ هو أن نقف صفًا واحدًا ضد أي عدوان خارجي، وأن نضع الصراع الداخلي في إطاره السياسي والاجتماعي، لا أن نجعله مبرّرا لفتح أبواب الوطن أمام الغزاة. الفرح بالعدوان الصهيوني على اليمن هو سقوط أخلاقي، وانحطاط وطني، وخيانة عظمى للهوية والانتماء.

ومن هنا، فإن الواجب على كُـلّ يمني أن يتنبه لهذه الظاهرة، وأن يفضحها، وأن يزرع في وعي الأجيال أن الخلاف السياسي لا يبرّر يومًا الاصطفاف مع العدوّ، وأن اليمن سيبقى أكبر من جماعة أَو حزب، وأعظم من خصومة أَو نزاع. فالخيانة قد تكسب صاحبها لحظة فرح عابرة، لكنها ستسجله في ذاكرة التاريخ في خانة العار الأبدي.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر