من المهم بالنسبة لكل مسلم أن يدرك أنَّ هذه الآية المباركة بتعبيرها الواضح تدل على أمرٍ في غاية الأهمية، أهميته جوهرية، تتعلق بالدين بكله، بفاعلية الدين بكله، بضمان استمرارية الرسالة الإلهية بشكلها الصحيح والتام على مدى الأجيال، ومدى فاعليتها في واقع الأمة، أمرٌ كهذا لا شك أنه في غاية الأهمية، مهما تجاهله الكثير من الناس، ومهما- كذلك- تأثر البعض بحجم الدعاية المضادة لهذه المناسبة، ولهذه الآية المباركة في مضمونها المهم، ومهما حاول البعض أن يتحايل في تقديم المفهوم لهذا المضمون المهم للآية المباركة، الحقائق الدامغة المتعلقة بهذه الآية المباركة في مضمونها الصحيح تدحض كل الحيَل، وكل التلفيقات، وكل التأويلات الزائفة، لماذا؟ لأن هذه الآية المباركة أتت في آخر حياة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، وحتى في مضمون النص القرآني في الآية: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، الرسالة على المستوى العقائدي، على مستوى الأحكام الشرعية، على المستوى الأخلاقي، على مستوى الجوانب التربوية وغيرها، البرنامج العام التفصيلي قد بُلِّغ من جانب النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، العلاقات والمواقف من القوى الأخرى قد بُلِّغت، وترتب على تبليغها مواقف عملية، حاول البعض أن يتحيل وأن يلفق أنَّ المقصود بهذا البلاغ الموقف من اليهود.
تعال إلى السيرة النبوية، عندما نزلت هذه الآية ما الذي كان قد تم في الصراع مع اليهود؟ كان النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- قد اتخذ المواقف الحاسمة تجاه اليهود في مؤامراتهم على الإسلام، على مستوى التبليغ نزلت الآيات الكثيرة التي تفضحهم، تكشف مكرهم، وكيدهم، وتضليلهم، وخطورتهم، وتوبخهم، وآيات تلعنهم، وعلى مستوى المواقف العملية، دخل في حروبٍ معهم، منهم من طردوا بشكلٍ كامل من الجزيرة العربية آنذاك، ومنهم من خنعوا وخضعوا صاغرين لهيمنة الإسلام، ودفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، ومنهم أيضاً من قتلوا، الموقف كذلك من النصارى الذين حاربوا رسول الله وحاربوا الإسلام، كان قد اتُّخِذ على مستوى الآيات القرآنية التي نزلت بهذا الشأن وأعلنت، على مستوى المواقف العملية التي ترتبت على ذلك، كل هذا كان قد بُلِّغ، وكل هذا كانت قد ارتبطت بعملية تبليغه مواقف عملية، فإذاً هناك شيءٌ آخر، شيءٌ أهميته ليست فقط لتلك المرحلة، وإنما لمستقبل الأمة، لمستقبل الرسالة الإلهية في ضمان استمراريتها في مضمونها بشكلٍ صحيح، وفي عملية تطبيقها بشكلٍ صحيح، هذا هو الموضوع المهم.
ولأهمية هذا البلاغ، ولحساسيته البالغة والكبيرة في واقع الناس، أتى أيضاً ما يشير إلى ذلك، أو يتحدث بوضوحٍ عن ذلك في قوله جلَّ شأنه: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وبشكلٍ استثنائي، وفي هذا الموقع بالذات يأتي هذا النص المبارك: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، الذي يشير بوضوح إلى مدى حساسية هذه المسألة في واقع الناس، وأنها ترتبط بأمرٍ حساس على المستوى العام، وليس فقط- ربما- عند فئة من الفئات المحاربة للإسلام، بل لها حساسيتها الواضحة حتى داخل المجتمع الإسلامي، داخل البيئة الإسلامية، عندما يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، تفيد هذه الآية المباركة هذه الحساسية الشاملة التي تدخل حتى إلى داخل المجتمع المسلم.
ثم إنَّ هذا البلاغ في تلك المرحلة المعروفة، وميدان هذا البلاغ كان هو الوسط الإسلامي، بَلِّغ مَنْ؟ بَلِّغ الكافرين، أو بَلِّغ اليهود، أو بَلِّغ مَنْ؟ كان هذا البلاغ ميدانه وساحته هو المجتمع المسلم، وبَلَّغه في أوساط المجتمع المسلم، والمناسبة معروفة، تحدثت عنها كتب الأمة في تراثها التاريخي والحديثي.
ولأهمية هذه المسألة ولحساسيتها الكبيرة، يتضح الأهمية الكبرى لهذه المناسبة، ويتضح الأهمية الكبرى لتكرار هذا الإعلان وإبلاغه للأجيال في كل عام، والصدع به، والشهادة للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله وسلم- بإبلاغه، هذه كلها مسائل ذات أهمية كبيرة، فننظر إلى هذه المسألة من كل هذه الجوانب: بحسب موقعها في الدين الذي تفيده هذه الآية المباركة بوضوح، بحسب علاقتها بالأمة، وهذا أيضاً واضح، وسنتحدث عنه أكثر في هذه الكلمة إن شاء الله، وباعتبار حساسيته التي تدفع بعض قوى الضلال، وبعض القوى التي تأثرت بها إلى المحاربة الشرسة لهذه المناسبة، وللحديث عن هذا الموضوع، ولسعيها الكبير لمواجهة هذا المبدأ المهم الذي احتواه هذا البلاغ بكل ما أوتيت من قوة، وبسعيها الكبير للتلبيس والتضليل بشأن هذه المسألة ذات الأهمية الكبيرة للأمة.
هذا الموضوع بالنظر إلى أهميته من جانب، وحساسيته من جانب، لا بدَّ فيه من الإيمان، لا بدَّ فيه من التقوى، لا بدَّ فيه من النظرة الموضوعية المجرَّدة من الحساسيات، لا بدَّ فيه من أن يتجه الإنسان وهو يعتمد على الله -سبحانه وتعالى-، يرجو هدايته، ويرجو توفيقه؛ حتى لا يتأثر بحالة التشويش التي تأتي من هنا أو هناك، والتي وراءها بعض قوى الضلال، التي تظهر حساسيةً شديدةً وبالغة، وصداً كبيراً عن هذا الموضوع.
القرآن الكريم كتاب الله فيه الهدى والنور، ونصوصه المباركة- إن تأمل فيها الإنسان- فيها الهداية الكافية، أليس في قوله -سبحانه وتعالى- في هذه الآية المباركة: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، هداية واضحة عن الأهمية القصوى لهذا الأمر الذي كُلِّف بإبلاغه، والذي نزلت عليه هذه الآية المباركة بهذه العبارات القوية المؤكدة المشددة في أهمية هذه المسألة، وأهمية تبليغ هذه المسألة؟ بلى، {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، والله يعلم أنَّ البعض سيكون لهم موقف الرفض لهذه المسألة بشكلٍ تام، ولهذا قال في آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، الكفر هنا في مثل ما ورد في قوله -سبحانه وتعالى- في الحديث عن فريضة الحج: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران: من الآية97]، يأتي الكفر في المقام العملي بمعنى الرفض للمسألة، والسعي للتنصل منها بشكلٍ تام.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة يوم الولاية 1441هـ