مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

بشير ربيع الصانع
إنَّ الصراع مع أعداء الأُمَّــة أصبح معركة وعي وبقاء، تُستهدَفُ فيها البيوت قبل الجبهات، والأطفال قبل المقاتلين، والبنية الاجتماعية قبل القوة العسكرية.. وفي هكذا واقع، يتحوَّلُ التحصينُ إلى ضرورة وجودية، وواجب شرعي، واستجابة عملية لأمر الله في زمنٍ تتكاثر فيه الأخطار وتتسع فيه دائرة الاستهداف.

ولقد أثبتت الوقائع الحديثة أن الإعداد المسبق هو الفارق الحقيقي بين أُمَّـة تصمد وأُخرى تنهار.

فحين اندلعت الحروبُ في مناطق متعددة من العالم، رأينا كيف حافظت بعض الشعوب على تماسكها الداخلي رغم شدة القصف؛ لأَنَّها أعدّت نفسها لحماية الإنسان قبل أي شيء آخر.

ففي الحرب الأوكرانية مثلًا، تحوَّلت محطات المترو والأنفاق العميقة إلى ملاجئ تحمي آلاف المدنيين، واستمرت الحياة ولو بحدّها الأدنى؛ لأَنَّ فكرة التحصين كانت حاضرة قبل اشتعال النار.

وهذا المعنى ليس غريبًا عن توجيه القرآن، بل هو من صميمه؛ فالله سبحانه حين قال: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطعتُم مِّن قُوَّةٍ}، لم يحصر القوة في سلاح المواجهة، بل فتحها على كُـلّ ما يحفظ الأُمَّــة من الانكسار.

ومن تمام القوة أن تكون الجبهة الداخلية محصنة، آمنة، وقادرة على الاحتمال.

ولذلك جاء الأمر الإلهي واضحًا: {خُذُوا حِذْرَكُمْ}، وهو توجيه شامل يشمل الوقاية، والتحصين، والاستعداد لكل طارئ.

واللافت أن الدول التي لا تعيش حالة حرب دائمة لم تُغفل هذا الجانب؛ فاليابان، رغم حداثتها وتقدمها، بنت ثقافة كاملة قائمة على الاستعداد للكوارث، فجعلت الملاجئ، وأنظمة الإنذار، والتدريب المجتمعي جزءًا من حياة الناس اليومية.

وكذلك دول الشمال الأُورُوبي التي تُلزم البلديات بتجهيز ملاجئ عامة قادرة على استيعاب السكان عند الطوارئ.

في المقابل، تعيش مجتمعاتنا العربية مفارقة مؤلمة؛ توسّع عمراني هائل، ومبانٍ شاهقة، وواجهات فاخرة، لكنها في حقيقتها هشّة أمام أي خطر حقيقي؛ بيوت بلا تحصين، أحياء بلا ملاجئ، ومدن بلا خطط طوارئ، وكأننا نراهن على أن الخطر لن يطرق أبوابنا، وأن الغفلة عن السنن لا تحمي من نتائجها.

إن التحصين يحفظ النفوس من الانهيار؛ فحين يعلم الإنسان أن له مأوى آمنًا، يتحول الخوف إلى وعي، والهلع إلى ثبات، والفوضى إلى نظام.

ولهذا كانت الملاجئ في كثير من التجارب الحديثة عنصرًا أَسَاسيًّا في استمرار التعليم، وإدارة الأزمات، والحفاظ على الحد الأدنى من الحياة الطبيعية أثناء الحروب والكوارث.

والمسؤولية هنا ليست على الدولة فقط، بل تبدأ من الفرد وتمتد إلى المجتمع.

فكل بيت يمكن أن يُعدّ نقطة أمان، وكل حي يمكن أن يتحول إلى مساحة صمود، إذَا تغيّر التفكير، وتقدّم الوعي، وعادت الأُمَّــة إلى فهم القرآن فهمًا عمليًّا.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفسهِمْ}، والتغيير يبدأ من إدراك الخطر، ثم الاستعداد له، ثم العمل الجاد لدرئه.

إن التحصين هو إعلان ثقة بأن هذه الأُمَّــة باقية، وأنها تستحق أن تحمي أبناءها ومقدراتها، وأنها حين تطيع ربها في الإعداد، فإنها تقترب خطوة من وعده بالنصر.

فالأمة التي تحمي نفسَها لا تُكسر، والأمة التي تحصّن جبهتها الداخلية لا تُهزم؛ لأَنَّ مَن حفظ الحياة حفظ القدرة على المقاومة، ومَن أخذ بالأسباب استحق معونة رب الأسباب.


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر