د/ عبدالرحمن المختار
تتعرَّضُ غزةُ في الوقتِ الراهنِ لحملةِ تدميرٍ واسعة، هدفُها إخلاءُ القطاعِ من البنيانِ تمهيدًا لإخلائِه من السكان؛ تنفيذًا لخطةِ المجرمِ ترامب لتهجيرِ سكانِ غزةَ، التي أعلنَها عقبَ وصولِه إلى البيتِ الأبيضِ في دورتِه الانتخابيةِ الثانية. وبالتزامنِ مع حملةِ التدميرِ الجويةِ الصهيونية، أطلقَ المجرمُ ترامبُ حملةَ تحذيرٍ لحماس، زاعمًا أَنَّها "التحذيرُ الأخير"، وأنه لا تحذيراتٍ أُخرى في جُعبتِه سواها لحماس!
المجرمُ ترامبُ يطلقُ هذا التحذيرَ لحماس وكأنَّها هي من ينفِّذُ عملياتِ القصف، وهي من يدمّرُ البنيانَ بدونِ أيِّ مبرّر. ويأتي تزامنُ إعلانِ المجرمِ ترامب لمبادرتِه المزعومةِ مع عملياتِ التدميرِ الصهيونيِّ لبنيانِ غزةَ لتوفيرِ غطاءٍ سياسيٍّ لعملياتِ الكيانِ الصهيونيِّ، وللإيهامِ بوجودِ مبادرةٍ سياسيةٍ لوقفِ ما يسمى بالحربِ في قطاعِ غزةَ، وتحميلِ حماس مسؤوليةَ فشلِ هذه المبادرةِ، كما سبقَ تحميلُها مسؤوليةَ فشلِ سابقاتِها من المبادراتِ المضلِّلةِ والخادعة!
ويهدفُ تزامنُ الضغطِ النفسيِّ من جانبِ المجرمِ ترامب على حركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ حماس مع الضغطِ العسكريِّ من جانبِ الكيانِ الصهيونيِّ، إلى سحبِ ورقةِ الأسرى التي بيدِ المقاومةِ. فبمجرّدِ الاستجابةِ من جانبِها لمبادرةِ ترامب بالإفراجِ عن جميعِ الرهائنِ الأحياءِ وتسليمِ جُثَثِ الموتى منهم، لن يكونَ هناك من عاملِ ضغطٍ بيدِ المقاومةِ على الكَيانِ الصهيونيِّ وعلى المجرمِ ترامب، ولن يتردّدَ الكيانُ المجرمُ، وبشراكةِ إدارةِ المجرمِ ترامب، في تسويةِ مدينةِ غزةَ بالأرض.
ومع أن المجرمَ ترامب وإدارتهُ يدركونَ جيدًا حجمَ المأساةِ الإنسانيةِ في قطاعِ غزةَ، غيرَ أن الواضحَ تمامًا أن تلك المأساةَ نتيجةٌ ترغبُ فيها الإدارةُ الأمريكية، بل وتعملُ مع الكيانِ الصهيونيِّ على مفاقمتِها، لتجسيدِ مضمونِ خُطَّةِ التهجيرِ لسكانِ القطاعِ التي سبقَ أن أعلنَها المجرمُ ترامبُ في مستهلِّ ولايتِه الثانية.
ولا تقيمُ الإدارةُ الأمريكيةُ ومجرمُها الأولُ ترامبُ أيَّ اعتبارٍ لانكشافِها وسقوطِها القيميِّ والأخلاقيِّ الإنسانيِّ المدويِّ، بل إنها تسعى وبإصرارٍ لإقناعِ الآخرينَ بصوابيةِ موقفِها الداعي للإفراجِ عن الأسرى ووقفِ ما تسميهِ بالحربِ في قطاعِ غزة. وكلُّ ذلك لتغطيةِ شراكتِها مع الكيانِ الصهيونيِّ في التدميرِ الشاملِ للقطاعِ والإبادةِ الجماعيةِ لسكانِه.
ورغمَ اتضاحِ الصورةِ وانكشافِ دورِ الإدارةِ الأمريكيةِ ومجرمِها ترامب، لا تزالُ الأنظمةُ العربيةُ تراهنُ على دورٍ أمريكيٍّ، ولا تزالُ وسائلُ الإعلامِ العربيةُ والناطقةُ بالعربيةِ تروّجُ للجهودِ الأمريكيةِ لوقفِ ما يسمى بالحربِ في قطاعِ غزة!
والإدارةُ الأمريكيةُ بصفتِها المزدوجةِ، شريكًا للكيانِ الصهيونيِّ في الجريمةِ، ووسيطًا لوقفِ ما يسمى بالحربِ في قطاعِ غزةَ، لا تجدُ حرجًا في الظهورِ بالصفتينِ معًا وفي وقتٍ متزامنٍ. فالتحذيرُ الأخيرُ من مجرمِ هذه الإدارةِ الأمريكيةِ ترامب يندرجُ ضمنَ الصفةِ الأولى المتجسدةِ في شراكتِها مع الكيانِ الصهيونيِّ في الجريمةِ. وإعلانُ المبادرةِ للإفراجِ عن الأسرى دفعةً واحدةً، ووقفِ ما يسمى بالحربِ في قطاعِ غزةَ، يندرجُ ضمنَ صفتِها الثانيةِ كوسيطٍ بين حماس والكيانِ الصهيونيِّ!
ومع أن الإدارةَ الأمريكيةَ بصفتِها الثانيةِ (الوسيطِ) شريكةٌ مع مصرَ وقطرَ، غيرَ أنها حين تعلنُ مبادراتِها وفقًا لهذه الصفةِ تعلنُها بشكلٍ منفردٍ، ولا صوتَ ولا صدى للوسيطينِ المصريِّ والقطريِّ. ولطالما أعلنت الإدارةُ الأمريكيةُ فشلَ كُـلِّ جولاتِ المفاوضاتِ، وحمّلت المقاومةَ الإسلاميةَ في قطاعِ غزةَ تبعاتِ ذلك الفشل.
ولم يكنْ للوسيطينِ المصريِّ والقطريِّ أيُّ تعليقٍ يُذكرُ على تفردِ الوسيطِ الأمريكيِّ بإعلانِ فشلِ جولاتِ التفاوضِ وتحميلِ المقاومةِ الإسلاميةِ مسؤوليةَ ذلك. واليومَ، حين يطلقُ ترامبُ تحذيرَه الأخيرَ للمقاومةِ الإسلاميةِ، يلوذُ الوسيطانِ المصريُّ والقطريُّ بالصمتِ المطبقِ، رغمَ أن المطلوبَ من المقاومةِ وفقًا للمبادرةِ الأمريكيةِ الأخيرةِ يرقى إلى مستوى الاستسلامِ بدونِ شروط!
وإنْ لم تقبلِ المقاومةُ الإسلاميةُ بمبادرةِ الاستسلامِ "الترامبيةِ"، فإنَّها تُعَدُّ مسبقًا ـ ووفقًا لهذه المبادرةِ ـ المسؤولةَ عن فشلِها، وأنه لم يتبقَّ من حلٍّ سوى الإبادةِ الجماعيةِ، كما عبّرَ عن ذلك وزيرُ الحرب الصهيونيُّ في تحذيرِه يومَ أمسِ لحركةِ المقاومةِ الإسلاميةِ حماس، بأن عدمَ الإفراجِ عن جميعِ الرهائنِ وإلقاءِ السلاحِ سيعني الإبادةَ الجماعية!
ومع أن كُـلَّ الأحداثِ والوقائعِ تجري على أرضِ الواقعِ بشكلٍ واضحٍ ومكشوفٍ ومباشرٍ، فإن أغلبَ الأنظمةِ الإسلاميةِ، عربيةً وغيرَ عربيةٍ، لم تتحرّكْ ولم تحرّكْ ساكنًا. ولعلها تعتقدُ أن المقاومةَ في غزةَ هي المشكلةُ التي صدّعت الرؤوسَ، وأنه لا بدَّ من القضاءِ عليها ليزولَ الصداعُ، وسيكونُ الأمرُ كذلك في لبنان والعراق وغيرها.
أفما آنَ الأوانُ حتى الآنَ أن تتحرّكَ الشعوبُ الإسلاميةُ، عربيةً وغيرَ عربيةٍ، لتطلقَ "التحذيرَ الأخيرَ"، وتحرّكَ المياهَ الراكدةَ الجامدةَ لتغليَ وتتبخرَ، ومع غليانِها تسقطَ أنظمةَ العمالةِ والارتهانِ، أو تسقطَ في القعر؟ وتقذفَ بالوجودِ الاستعماريِّ الغربيِّ خارجَ حدودِها الجغرافية؟