فالمسألة هي في غاية الأهمية، عنوانها الولاية، ولاية الله -سبحانه وتعالى-، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، وفي الحديث النبوي: (إنَّ الله مولاي)، ولاية الله -سبحانه وتعالى- هي العنوان المهم الذي يجب أن نستوعبه جيداً، وأن نبني فهمنا لهذا الموضوع على أساس ما ورد في القرآن الكريم؛ لأن المسألة في غاية الأهمية على مستوى الدين، وعلى مستوى الواقع الذي تعيشه الأمة.
الله -سبحانه وتعالى- هو ولينا، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ}، وولاية الله -سبحانه وتعالى- على عباده هي ولايةٌ شاملة كاملة مطلقة، ليس فيها استثناءات، وليس لها حدود معينة تقتصر على جوانب معينة، ثم تحذف عن جوانب أخرى، هو ولي هذا العالم، هو رب هذا العالم، هو الذي خلق، هو الذي فطر، هو المدبِّر، هو المسخِّر، هو جلَّ شأنه الملك لهذا العالم بكله كائناته وموجوداته، والمدبِّر لشؤون عباده، فولايته كما تشمل الجوانب التكوينية، هي تشمل الجوانب الأخرى في واقعنا أيضاً نحن البشر، فيما يتعلق بالجانب التشريعي، وفيما يتعلق بمسيرة حياتنا، في إدارة شؤون حياتنا؛ لأننا كأمةٍ مسلمة، وكأمة تنتمي للإسلام وللإيمان، نبني مسيرة حياتنا على أساسٍ من هديه، من تعليماته، من توجيهاته، وصلتنا به -سبحانه وتعالى- لا تقتصر فقط على الرعاية المادية، أننا نلتجئ إليه -سبحانه وتعالى- ليرزقنا، وليشفي مرضانا، ولنحصل منه على بعض الأمور المادية، وعلى الرعاية المادية، المسألة أنَّ إيماننا وانتماءنا الديني يحتم علينا أن نبني مسيرة حياتنا في كل مجالاتها على أساسٍ من هديه، على أساسٍ من توجيهاته من تعليماته، وهذه الصلة الإيمانية والصلة الدينية هي التي تربطنا بولاية الله -سبحانه وتعالى- في واقع حياتنا، وفي شؤوننا وأمورنا في هذه الحياة، وهذا هو الذي يفصل ما بيننا وبين غيرنا من البشر، الله -سبحانه وتعالى- له ولاية التكوين، والخلق، والتدبير، والقهر، والسيطرة على العباد، ومصير العباد إليه، وهو الولي الحق، الذي له الولاية على عباده، ولاية الملك والربوبية والألوهية، ولكن أيضاً في هذا الجانب في واقعنا نحن من ننتمي للإسلام، من ننتمي للإيمان، صلتنا بالله -سبحانه وتعالى- في إيماننا بهديه، وعندما نبني مسيرة حياتنا على أساس هديه وتعليماته نحظى أيضاً بولايته -سبحانه وتعالى- لنا في شؤوننا، وفي هديه وتدبيره لأمورنا وأمور حياتنا، في كافة مجالات هذه الحياة.
ولذلك الآخرون من البشر، ممن ليس لهم هذه الصلة الإيمانية والدينية بهدي الله -سبحانه وتعالى- وتعليماته، هم تحت ولاية الله في ربوبيته، وفي ألوهيته، وفي مُلكِه، وفي مِلكِه، ومصيرهم إليه، ولكنهم يخسرون هذا الجانب؛ لأنهم لم يتصلوا بالله من خلال هديه، لم يصلوا أنفسهم بهدي الله -سبحانه وتعالى-، فيبنوا مسيرة حياتهم على أساس هديه وتعليماته، وهذه قضية خطيرة عليهم؛ لأن البديل عن ذلك كان هو الطاغوت، الطاغوت الذي يتحكم بهم في مسيرة حياتهم، الذي يأمرهم وينهاهم بناءً على ما يريده هو، قد يكون الطاغوت هذا عبارة عن مضلين تحت عناوين مختلفة، يرجع إليهم البعض من البشر في شؤون حياتهم، في تدبير أمورهم، في إدارة شؤونهم، فيما يفرضونه عليهم، فيما يخططونه لهم، فيما يرتبون واقع حياتهم على أساسه، وناس من البشر طغاة زعماء من أهل الضلال، من أهل الباطل، من الذين يقدِّمون ما يقدِّمون على حسب مزاجهم، وأهوائهم، ورغباتهم، وطموحاتهم، ومشاريعهم، ودوافعهم، على اختلافٍ كبيرٍ في ذلك، ولكن ما يميز المنتمين للإسلام، المنتمين للإيمان، أنهم يصلون أنفسهم بهدي الله -سبحانه وتعالى-، الذي هو صلةٌ بينهم وبين الله -سبحانه وتعالى-.
ولهذا يأتي الحديث في الآية المباركة في قوله جلَّ شأنه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، الانتماء الإيماني، والانتماء للدين الإلهي، هو انتماء يحظى به الإنسان بهذه الرعاية من الله -سبحانه وتعالى-، فيبني مسيرة حياته على أساس توجيهات الله وتعليماته وهديه، وتوجيهات الله وهديه من منطلق رحمته، بحكمته، بعلمه، وما يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- من تعليمات من توجيهات، ما يرسم لنا فيه مسيرة حياتنا هو الأقوم والأحكم والأفضل والأرقى والأعظم، وفيه الخير كله، الله يقدِّمه لنا وهو جلَّ شأنه الملك الحق المبين، فما يأتينا منه هو الحق، والله سبحانه ما يقدِّم لنا هو يقدِّمه لنا من منطلق رحمته وهو أرحم الراحمين، فما يأتينا منه فيه الرحمة لنا، وفيه الخير لنا، وفيه صلاح أمرنا وصلاح حياتنا، وفيه حلُّ مشاكلنا، ولهذا ما يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- هو أيضاً ما يرتقي بنا في واقع هذه الحياة، ما يرتقي بنا في أنفسنا، ما يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- هديه الذي تزكو به نفوسنا، الذي نستنير به في الظلمات، هدىً ونور نستضيء به في الظلمات، {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فهذه الصلة بالله سبحانه وجلَّ شأنه كولي لنا -سبحانه وتعالى- يتولانا برعايته الشاملة، بما في ذلك: جانب الهداية، والتشريع، والتوجيه، ورسم مسيرة هذه الحياة، الله -سبحانه وتعالى- بهذه الولاية يرعانا، ينعم علينا، ما يأتينا من تعليمات منه لها هذه الميزة، هذه الأهمية، هذه القيمة: أنها حق؛ لأنها من الله الملك الحق، أنها من منطلق رحمة الله، وفيها الرحمة لنا، أنها من منطلق حكمته، وهو أحكم الحاكمين، ولذلك هي ما يجب أن ننظر إليه أنه الصواب والحكمة، وأنَّ غيره الخطأ، وما يأتينا أيضاً منه -سبحانه وتعالى- فيه أيضاً ما يفيدنا في هذه الحياة لحل مشاكلنا، ما تستقيم به حياتنا على أرقى ما يمكن بالنظر إلى واقع هذه الحياة.
وليس هذا فحسب، مع هذا يأتينا من الله -سبحانه وتعالى- رعاية تترافق مع استجابتنا لهذه التعليمات لهذه التوجيهات، يترافق معها وعود من الله -سبحانه وتعالى-: ألم يعد بالنصر؟ ألم يعد -سبحانه وتعالى- بالبركات؟ ألم يعد -سبحانه وتعالى- بالرعاية الشاملة، بالهداية، بالنور… بأشياء كثيرة؟ يترافق معها وعود، في هذه الحياة ما يتحقق لنا في هذه الحياة بناءً على استجابتنا العملية، على تفاعلنا مع هذه التوجيهات، على التزامنا بها، يترافق مع هذا رعاية واسعة في الدنيا، ثم في الآخرة الجنة، ورضوان الله -سبحانه وتعالى-، والسلامة من عذابه جلَّ شأنه، فتعتبر هذه الصلة بهدي الله -سبحانه وتعالى-، بتعليماته، بتوجيهاته، ورسم مسيرة الحياة على أساسها، تعتبر هذه المسألة هي من خلالها التي نجسِّد فيها التولي لله -سبحانه وتعالى-، أنما يأتينا منه من أمرٍ أو نهيٍ أو توجيهٍ أنه المطاع، وأنه الذي نسعى للالتزام به في هذه الحياة، وأننا نتجه في واقع حياتنا وفي مسيرة حياتنا على هذا الأساس: على أننا أمةٌ لها منهج، مسيرة حياتها قد رسمها لها الله -سبحانه وتعالى- لتتحرك على أساسها وعلى ضوئها، وأن هذا أمرٌ يمثل نعمةً عظيمةً علينا، نعمةً كبيرة، وعندما يقول الله -سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، يجب أن نستوعب ما تفيده هذه الآية المباركة والعظيمة والمهمة في نظرتنا إلى ما يعنيه كمال الدين بالنسبة إلينا، وأنه يتناول كل شؤون حياتنا: المجالات السياسية، المجالات الاقتصادية… كل مجالات هذه الحياة، دين الله، توجيهاته، هديه، تعليماته المباركة والحكيمة والرحيمة والقيِّمة والعظيمة تتناول كل ذلك، إضافةً إلى ما يضمن استمرارية هذه الرسالة بشكلٍ صحيح.
نلاحظ في قوله جلَّ شأنه: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، أنَّ كل تلك التوجيهات والتعليمات، وأنَّ هذا البرنامج الإلهي الذي رسمه الله لعباده المؤمنين ليبنوا عليه مسيرة حياتهم هو نعمة، نعمةٌ بأثره العظيم في أنفسهم، نعمةٌ بأثره المهم والمبارك في حياتهم، نعمةٌ فيما يتركه من أثر إيجابي في واقع هذه الحياة، فيما يمثِّله من حلول في واقع هذه الحياة، فيما يرسمه للإنسان في مسيرة حياته من أمور صحيحة، بنَّاءة، مثمرة ومفيدة ونافعة.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة يوم الولاية 1441هـ