الإنسان في طريق الإيمان، في مسيرة الإيمان واحدٌ من أهم ما يصله بالله "سبحانه وتعالى" في إيمانه هو النور والهداية والبصيرة، فيكون إنساناً مستنيراً واعياً حكيماً راشداً يمتلك الفهم الصحيح، النظرة الصائبة، المعرفة الصحيحة والسليمة؛ لأن صلة الإيمان بالله "سبحانه وتعالى" هي صلة تجعل الإنسان يتجه إلى الله "سبحانه وتعالى" كمصدر للمعرفة والنور والفهم والوعي والبصيرة،
فهو يتصل بالمصدر الحقيقي للعلم والمعرفة، للنور والهداية، وهذه مسألة من أهم ما يحتاج إليها الإنسان، الإنسان أول ما يحتاج إليه في هذه الحياة لكي تكون مسيرته العملية مسيرة صحيحة في قراراته، في أعماله، في سلوكياته، في مواقفه، يحتاج إلى معرفة صحيحة، إلى فهم صحيح، يحتاج إلى النور الذي يضيء له الظلمات في هذه الحياة، ولذلك يقول الله "سبحانه وتعالى" في القرآن الكريم: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة: من الآية257].
لاحظوا، من خلال هذه الصلة الإيمانية التي عبَّر عنها بالولاية (وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) يحظون منه برعايةٍ شاملة، في مقدمة رعايته "سبحانه وتعالى" هذه الرعاية: (يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)، ويأتي هديه من خلال كتبه ورسله أيضاً في هذا السياق، ليكون هدايةً، ليكون نوراً، ليصنع بصيرةً ووعياً، ليكون رشداً، ليكون معرفةً صحيحةً، ليكون مقاييس سليمة وصحيحة، يقول الله "سبحانه وتعالى" عن هدايته للذين آمنوا حتى عند الاختلاف، البشر يختلفون، يختلفون في أشياء كثيرة: رؤاهم مختلفة، توجهاتهم مختلفة، مواقفهم مختلفة، مساراتهم في هذه الحياة مختلفة، الكثير من المستجدات في حياتهم مختلفة، يختلفون على الدين والدنيا، الذي يحظى به الذين آمنوا (المؤمنون الحقيقيون) أنهم حتى عند حالة الاختلافات والتباينات وتضارب الآراء، وتشتت الاتجاهات، وتباين المواقف، يحظون برعاية من الله "سبحانه وتعالى" قال عنها: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة: من الآية213]، فالله يهديهم إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، مهما تشتتت الآراء وتباينت المواقف والاتجاهات والرؤى والأفكار والثقافات، وتباينت واختلفت، وكثرت وتشتتت، يحظون بهذه الرعاية من الله "سبحانه وتعالى"، فهم في هذه الحياة راشدون، لديهم المعرفة الصحيحة، الفهم الصحيح، النظرة الصائبة، الرشد الحقيقي، هذا على مستوى الوعي، على درجة عالية من الوعي.
ثم على مستوى الزكاء النفسي والسمو الروحي، وعلى مستوى كذلك السمو الأخلاقي، من أهم ثمار الإيمان في الإنسان في نفسه هو: السمو الروحي، والسمو الأخلاقي، وزكاء النفس، النفس في فطرتها التي فطرها الله عليها هي تنسجم مع مكارم الأخلاق وهي تمجد مكارم الأخلاق، وتعظم مكارم الأخلاق، وهذا أمرٌ يقر به البشر في حياتهم وفي شؤونهم، ولذلك تجد البشر بمختلف مشاربهم ومآربهم وتوجهاتهم، ومهما بلغ بعضهم في إجرامه وسوئه وانحرافه وطغيانه وفساده يرفع دائماً العناوين المعبرة عن الحق، وعن الأخلاق، وعن الخير، ويتهم الآخرين مهما كانوا هم عليه من إيمان واستقامة وصلاح وزكاء وحق، ومهما كانوا مظلومين يوجّه إليهم أو يتهمهم بتلك العناوين ويلبسهم إياها، ولهذا كان فرعون على ما هو عليه من طغيان يقول لقومه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر: من الآية29]، يحمل عنوان الهداية يحمل عنوان الهداية إلى سبيل الرشاد، يوجه إلى موسى التهم السيئة والعناوين السيئة، ويظهر مخاوفه من هذا الرجل على قومه، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}[غافر: من الآية26]، لاحظوا كيف يوجه تهمة الفساد إلى من؟ إلى موسى، ويدعي لنفسه أنه يريد أن يهديهم إلى سبيل الرشاد.
الآن واقع البشر يعني، حتى مثلاً: الجرائم، أكثر الجرائم يتفق البشر بكلهم: كافرون، ومؤمنون... بكل أديانهم، بكل اتجاهاتهم يتفقون على أنها جرائم بشكلٍ عام، مبدئياً يتفقون على الكثير من الجرائم أنها جرائم، وعلى الكثير من الأشياء السيئة أنها أشياء سيئة، يتفقون مبدئياً على الكثير أنه يندرج تحت قائمة القبيح أو الشر أو السوء، وتحت كثيرٍ من العناوين أنها تندرج تحت عنوان الخير والحق، يختلفون في المصاديق وما تنطبق عليه العناوين، ويشتغلون في عملية التضليل على هذا نفسه.
فالواقع يشهد أن الإنسان بفطرته ينسجم مع مكارم الأخلاق، بل إن الإنسان قد يتأثر جداً إلى حد أن يبكي إجلالاً وخشوعاً عندما يسمع أو يشاهد مشاهد معينة: إما تعبر عن مظلومية، أو تعبر عن تضحية، أو تعبر عن مكارم أخلاق، أو تعبر عن أشياء عظيمة إيجابية في الحياة، يتأثر بها الإنسان، يخشع لذلك، يتفاعل مع ذلك، ينسجم مع ذلك، هذه مسألة معروفة في الواقع البشري، لكن ما يحقق للإنسان هذا الهدف، ما يمكن أن يرتقي بك فعلياً للسمو الإنساني والقيم الفطرية الإنسانية هو الإيمان، ولكن وفق المفهوم الصحيح الذي يمكن أن يربيك تربيةً عالية على كل مكارم الأخلاق، البشر مثلاً يتفقون على أن الصدق من مكارم الأخلاق، أعظم ما يمكن أن يربيك على الصدق هو الإيمان، أعظم ما يمكن أن يجعلك ملتزماً بالصدق هو الإيمان، يتفق البشر على أن الصبر من مكارم الأخلاق، أعظم ما يمكن أن يربيك على الصبر هو الإيمان، أعظم ما يمكن أن يربيك على الالتزام دائماً بالصبر هو الإيمان، وهكذا بقية مكارم الأخلاق: الشجاعة، التضحية، الكرم، الإحسان، الإيثار... كل مكارم الأخلاق، العدل، كل مكارم الأخلاق، كل الصفات الحسنة والإيجابية، لا شيء كالإيمان يمكن أن يربيك عليها.
ولذلك كانت تزكية النفوس هدفاً أساسياً في الرسالة الإلهية، إلى درجة أن الله "سبحانه وتعالى" قال في القرآن الكريم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} لاحظوا كيف قال {وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: الآية164]، فالتزكية للنفس في تربيتها على مكارم الأخلاق، وفي العمل على تخليصها وتنقيتها من مساوئ الأخلاق، من التصرفات السيئة، من الأشياء السيئة، من التوجهات والنزعات السلبية والسيئة، أعظم ما يمكن أن يسهم في ذلك وأهم أرضية تحقق للإنسان ذلك هو الإيمان، هكذا نجد أثر الإيمان العظيم في نفس الإنسان على مستوى وعيه ورشده، فكره، بصيرته، معرفته، فهمه، وعلى مستوى زكاء نفسه، وصلاحه، ومكارم أخلاقه، وتخليصه من الشوائب السيئة جداً، من التوجهات السيئة جداً، من الرذائل، من المفاسد التي تدنسه، تسيء إليه، تخزيه، تنحط به، تنحط به حتى عن المقام الإنساني، عن المستوى الإنساني، يصبح أشبه بالحيوانات الأخرى.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
بمناسبة جمعة رجب 1442هـ -2021