د. شعفل علي عمير
حسنًا، دعونا نتأمل تلك الكوميديا السياسية الجغرافية التي تُسمى “تشكيل الشرق الأوسط الجديد”، قد يبدو الأمر للوهلة الأولى كأنه فيلم هوليودي بميزانية ضخمة، حَيثُ تتراقص المتغيرات على خشبة المسرح بتنسيق مدهش يصعب على العقل البشري العادي استيعابه.
في هذا السيناريو، لدينا مجموعة من اللاعبين الأَسَاسيين: النفط، الدين، السياسة، وبعض الزعماء الذين يعتقدون أنهم يستحقون جائزة أوسكار لأدائهم في دور “الزعيم الأبدي”، هؤلاء اللاعبون يتبادلون الأدوار بشكل مدهش؛ فمرة يكون النفط في المقدمة، وأحيانًا تسيطر الدراما الدينية، وفي أحايين كثيرة تسرق السياسة الأضواء بمؤامراتها ودهاليزها الغامضة.
دعونا نبدأ بالنفط، ذلك السائل السحري الذي يعتقد البعض في الشرق الأوسط أنه يمكن أن يصنع المعجزات، يخيل لي أحيانًا أن للمنطقة زواجًا تقليديًّا منذ القدم مع النفط، زواج لم يبنَ على حب متبادل بل على مصلحة مشتركة تتجدد كلما ارتفع سعر البرميل في الأسواق العالمية، ولكن، كما هو الحال في العديد من الزيجات التقليدية، يمكن أن تنشأ بعض المشاكل عند وقوع أزمة اقتصادية أَو ظهور منافس جديد على الساحة.
أما الدراما الدينية، فهي فصل من فصول المسرحية التي غالبًا ما تختار أن تلقي بظلالها الثقيلة على الأحداث، تلك اللحظات عندما يتم استخدام الدين كأدَاة سياسية، يتحول المشهد إلى كوميديا سوداء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، يتحارب الجميع حول من يملك الحق في تفسير النصوص، وكأنه تحد واقعي لأشهر برنامج مسابقات دينية على شاشات التلفزيون العربي.
ولا يمكننا أن نتجاهل قوة الساسة والزعماء الذين يظنون أنفسهم “النجوم الأبدية” في هذه الملحمة، هؤلاء القادة يعيشون في قصورهم العاجية ناظرين إلى شعوبهم من علو، يعتقدون أن بوسعهم التحكم في مجريات الأمور بلمسة إصبع، ومع ذلك، فَــإنَّ الواقع دائمًا ما يحمل مفاجآت، حَيثُ يجدون أنفسهم فجأة في مشهد غير متوقع، وقد فقدوا السيطرة على مسار الأحداث.
وبينما يستمر لعب الشطرنج هذا على مستوى المنطقة، نجد أن القوى الخارجية تجلس في الصفوف الأمامية، تتناول الفشار وتستمتع بالمشهد؛ فهي في انتظار اللحظة المناسبة للدخول في اللعبة، أملًا في إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يتناسب مع مصالحها، وكأنها تريد أن تجرح المشاعر “الشرق أوسطية” ليلًا، ثم تضمها إلى صدرها في الصباح الباكر.
في النهاية، تشكيل الشرق الأوسط الجديد يظل كقصيدة أُحبكت بآلاف الأبيات التي لم يفهمها شاعرها، وعلى الجميع في هذه المنطقة أن يتعايشوا مع هذه الدراما الساخرة التي تُكتب بمداد من تقلبات الزمن وتبعات المتغيرات، كما ينقطع الضوء فجأة عند مشاهدة فيلم مشوق في قاعة سينما مكتظة، ربما، وفي يوم ما، سينجح هذا المسرح المتقلب في تحويل القصة الفوضوية إلى سرد متناغم يستحق إضاءة الستار النهائي.