سند الصيادي
سلامٌ على تلك الجباه والسواعد والأقدام التي وطأت كُـلّ ساحة في ربوع الوطن، وفي المتارس والثغور، بينما كانت تخط مسارات النصر طلقة طلقة، وخطوة خطوة، وَبعرقها النازف اغتسل الجبل والبحر والرمل والوادي من رجس المعتدين البغاة، قبل أن تخضب بدمائها لوحة الشرف فتزدان وتزداد بهاءً وترتقي، هي أرواح حية عند بارئها على طريق الحرية والكرامة.
سلامٌ على تلك النفوس الزكية التي تسامت في نزواتها وأمانيها وأطماعها، متجاوزة الدنيا بما فيها من آمال زائلة، غادرت كُـلّ ذلك متكئة على منهج عظيم ويقين وَوعد إلهي قطعي لا لبس فيه ولا ريب، وهي تنشد لذاتها المنية الأسمى وَالأبقى، ولشعبها الانعتاق والخلاص، ولأمتها العزة والرفعة، مستجيبة لنداء الله بأن قاتلوا، ولا تهنوا، وأنتم الأعلون.
سلامٌ على تلك القلوب التي لم تهب الجمع واندفعت ببأس وعزم لا يلين للقاء، غير خاشية فوارق العدة والعتاد، لم ترتجف خوفاً لحظة الزحف، ولا حزنت مع اشتداد الوغى، وَلا ارتدت في أتون النزال، ولا وهنت من حرارة الصيف أَو ثقلت تحت صقيع الشتاء، وهي تواجه حشود الغزاة المختبئين وراء المدرعات وَالمسندين بالغطاء الجوي وبكل ما أوتوا من سلاح.
سلامٌ على أُمهات وزوجات وأبناء وبنات، سلامٌ على أسر وعائلات غادروهم لحظة سماع “حي على الجهاد”، وأبعد من ذلك احتفلوا بأعزائهم وهم يرون في سطور الوعد مآلات الرحيل، سلامٌ على أُمَّـة جعلتهم القُدوةَ والطريق، وَأعلت أسماءهم بالقول والفعل فوق كُـلّ صفة ومقام، وهي تواسي ذويهم وتجبر مصابهم وَتعيل يتيمهم بذات الفضل الكبير الذي منحوه، سلامٌ عليها ملهمة للأجيال عظمة التضحيات وثمارها، وَبأن هؤلاء هم العظماء وهم القادة وهم السادة، وهم الوفاء، ولهم العرفان يبقى منهجاً لا تفريط فيه، وبهم المسار يبقى محكوماً دون انحراف.
على أرواحهم نتلوا السلام، وعلى منهج قرآني إلهي صنع الوعي والبصيرة وَأعاد ترتيب الأولويات، ضبط إيقاع العطاء؛ نأياً بالأمّة عن مزالق التباينات وَصغير الخلافات، موجِّهاً بُوصلتَها نحو خدمة القضايا الكبرى متحدياً أئمةَ الكفر والنفاق وعوائق الحدود والجغرافيا، وَعلى شعب صنع المعجزات ولا يزال، وَقائدًا مؤمنًا اجترح على طريق العزة لله ورسوله والمؤمنين النصر وَالمنجزات، ولا يزال كُـلّ هذا النسيج ثابتاً صُلباً ما بقي فيه دماء تجري وأرواح تنبض.