النفس البشرية هي قابلة لأن تتربى على مساوئ الأخلاق، أو على مكارم الأخلاق، لأن تنمو فيها عناصر الخير، أو تنمو فيها عناصر الشر، لأن تنمو فيها بذرات التقوى، أو تنمو فيها بذرات الفجور، ولهذا يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [الشمس: 7-8]، ثم يقول -جلَّ شأنه-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [الشمس: 9-10]، فالنفس البشرية أُلهِمَت التقوى وأُلهِمَت الفجور، ولديها القابلية للتقوى، ولديها القابلية للفجور، ولديها القابلية للتربية على الخير، وحبّ الخير، وعناصر الخير، والسمو، والعشق لمكارم الأخلاق… ولديها كذلك القابلية لأن تتنامى فيها كل عناصر الشر والسوء ومساوئ الأخلاق، فيمكن للإنسان أن يتربى على الصدق، وعلى الطهارة، وعلى العفة، وعلى إرادة الخير، وعلى الشجاعة، وعلى الكرم، وعلى السماحة، وعلى الإيثار، وعلى الإحسان وعلى الكثير من القيم ومن مكارم الأخلاق والقيم الفاضلة، وأن تصبح تلك القيم والأخلاق بالنسبة له أمورًا يحبها، ويعشقها، ويرغب فيها، ويندفع فيها؛ وبالتالي يلتزم بها كمسار أساسي في حياته، إن خرج- أحيانًا- في حالة من الخطأ أو الزلل كان سريع العودة؛ لأن الجذور باقية.
يمكن للإنسان أيضًا أن يتربى على الكذب، وعلى الفجور، وعلى العصيان، وعلى الدناءة، وعلى الانحطاط، وعلى التنصل من الوعي والضمير، وعلى قلة الحياء… وعلى كل عناصر السوء، ويمكن أن يتنامى في ذلك، ويكبر في ذلك، حتى يصل إلى درجة أن يتحول إلى شيطان، عندما يصبح مصدر شر في هذه الحياة، عندما يصل إلى الإفلاس من كل عناصر الخير في نفسه، وتسيطر عليه كليًا عناصر السوء والشر، وبذرات الفجور تكبر وتتجذر حتى تسيطر على كل مشاعره وإحساسه ووجدانه، يصبح إنسانًا عديم الخير، عديم الرحمة، عديم الفضل، منعدمًا في مكارم الأخلاق، ويتجه للعب دور سلبي في هذه الحياة.
ولهذا يتحدث القرآن الكريم عن الاختلال في الولاء، فيجعل مرده اختلالًا في زكاء النفوس، عندما يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} [المائدة: 51-52]، هذه حالة غير صحية، غير سليمة أبدًا، اختلال في زكاء الإنسان، الإنسان الذي يفعل ذلك عنده اختلال كبير في واقعه النفسي، في مشاعره، في وجدانه، في العناصر الداخلية، في مكارم الأخلاق، عنده إما جُبن، أو بخل، أو شك، أو أي آفة من الآفات الخطيرة جدًّا التي تفتك بالإنسان فيما يحمله ابتداءً من عناصر الخير، وتؤثِّر حتى على فطرته، تبعده حتى عن مقتضى الفطرة؛ لأن الحالة السليمة للإنسان أن يبقى بمقتضى الفطرة متجهًا الاتجاه الإيجابي، وأن تنمو فيه عناصر الخير.
فإذًا، جانب التزكية للنفس، والتربية الإيمانية، والتربية الصالحة للنفس على مكارم الأخلاق؛ حتى تتجذر جذور مكارم الأخلاق في نفس الإنسان، يصبح إنسانًا تربَّى على العفة، والعفة بمثل ما هي سلوك، هي قبل ذلك وجدان ومشاعر وإحساس في الداخل، في العمق النفسي، في عمق المشاعر والوجدان، هي عقيدة، وهي وجدان وإحساس، ثم هي سلوك كذلك.
يأتي إلى جانب الصدق، إلى جانب الخير، إلى جانب الحق، إلى جانب كل الأشياء الإيجابية، كل العناصر الإيجابية المعروفة بالفطرة، ويعترف كل البشر بأنها صحيحة، وأنها تمثِّل السمو في واقع الحياة، مثلًا: من الأشياء التي تشهد أن أصل الفطرة البشرية تُقِرُّ بمكارم الأخلاق، وتعتبرها هي التي تمثِّل السمو للإنسان، أن الكل يعترف بها، يعترف الناس أن العفة قيمة أخلاقية راقية، وأن الفجور دناءة وانحطاط وخسة ونقص، وكذلك- مثلًا- ينظرون إلى الصدق مثلًا، أن الصدق يمثِّل قيمة من القيم الأخلاقية الراقية، بينما الكذب يمثِّل حالة من الانحطاط والخسة والدناءة والنقص، يقرُّون- مثلًا- بأنَّ العدل خير وسمو وشرف وفضل، وأن الظلم- كذلك- يمثِّل حالة من الانحطاط، وحالة من السوء، وحالة من الشر.
فعندما نأتي إلى العناوين كعناوين: الخير، العدل، الحق، الصدق، العفة، الحياء… الفضائل بشكل عام، المجتمع البشري يعترف بالفضيلة كفضيلة، ويعترف- أيضًا– بالرذيلة باعتبارها رذيلة، تمثِّل انحطاطًا بالإنسان، وسوءًا في واقع الإنسان، ولكن يتجه الكثير من الناس باتجاه آخر، ثم يبررون ويخادعون ويضللون ويزيفون، ويعملون أشياء كثيرة في المقابل.
فالإسلام يعطي أهمية كبيرة للتزكية، والرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- من مهامه الرئيسية العمل على التزكية، يقول الله -جلَّ شأنه-: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: الآية151]، فهو يقول: {وَيُزَكِّيكُمْ}، أيضًا نجد في القرآن الكريم تركيزًا كبيرًا جدًّا على التزكية، فمثلًا: كثيرٌ من الجوانب الإيمانية هي تساعد الإنسان على زكاء النفس: الإيمان بالله -جلَّ شأنه- كما في القرآن الكريم، الإيمان بألوهيته، وربوبيته، وملكه، ورقابته، وجزائه، وأسمائه الحسنى، وأنَّه العزيز والمنتقم، وعالم الغيب والشهادة، والشاهد على العباد… إلخ. الإيمان بالمعاد، والحساب والجزاء، والجنَّة والنَّار، كل ذلك يساعد الإنسان على تزكية نفسه، وعلى الاستقامة في هذه الحياة، يمثِّل حافزًا كبيرًا جدًّا، وباعثًا مهمًا للتزكية.
عندما نجد كثير من التشريعات، يأمرنا الله بأشياء هي في نفسها التزام بما فيه زكاءٌ للنفس، أو بما يحمي النفس البشرية ويحفظها من مؤثرات سلبية أخرى تدنِّسها وتؤثِّر على زكائها، كذلك فيما نهى الله عنه، أشياء كثيرة نهى عنها باعتبار تأثيرها السلبي على زكاء النفوس، وهكذا لنلحظ أنَّ من العناصر الرئيسية والمهمة جدًّا هو هذا الجانب، وأنَّ الإسلام أعطاه اهتمامًا كبيرًا ومساحة كبيرة، سواءً في الجانب الروحي، في الجانب التربوي، في الجانب التشريعي، أهمية كبيرة جدًّا، وبقدر ما تبقى الأمة مهتمة بهذا الجانب، بقدر ما تجد نفسها منسجمة مع الحق، ومبتعدة بنفسها عن طريق الباطل، عن التبعية للأعداء؛ لأن أولئك الأعداء الذين يرتبط بهم البعض هم في واقعهم منبع للفساد، منبع للشر، منبع للرذائل.
لو نأتي اليوم إلى الصهيونية العالمية، إلى أمريكا، حتى طريقة غزوها للشعوب، وسعيها للسيطرة عليهم، مساحة كبيرة من أنشطتها وأساليب استهدافها للشعوب عن طريق مساوئ الأخلاق، عن طريق الرذائل، عن طريق المفاسد، تجعل من هذا الأسلوب بنفسه وسيلة للسيطرة على الشعوب نفسها، تُوجِد بيئة تساعد على الفساد، وتستغل تلك البيئة بما أوجدت فيها من وسائل وعناصر، وتعمل لذلك بكل الأساليب، فإذا أفسدت بيئةً معينة، أو شعبًا معينًا، أو مجتمعا معينًا، أو بلدًا معينًا، فهي تضمن سيطرتها عليه، وأنَّه قد فَقَدَ كل حالات المَنَعَة النفسية عن سيطرة الآخرين.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
الكلمة الثانية بمناسبة الهجرة النبوية 1440هـ – 2