كان أهل يثرب مستبشرين بقدوم رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وكانوا في كل صباح يخرجون إلى ضواحي المدينة لاستقباله في شوق وتلهف إلى قدومه ورؤيته؛ لأنهم عرفوا قدره وفضله وقدر النعمة التي جاء بها بعكس أهل مكة.
كان رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› على مقربة من المدينة فنزل في مكان يسمى: (قباء) فاستقبله أهلها استقبالًا عظيمًا، وأسس فيها مسجده الذي قال الله فيه: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة:108] ومكث فيها إلى أن لحق به عليٌ ومن معه من العوائل، وكان يسير الليل ويكمن النهار حتى تفطرت قدماه ‹عليه السلام› ثم قدموا إلى المدينة.
وصل النور والسراج المنير إلى المدينة، ما أروعها من لحظات! وما أجمله من قدوم! كيف لا وهو الرحمة المهداة الذي استنقذ الله به العالم؟! فقد كانوا على شفا حفرة من النار وأخرجهم من الظلمات إلى النور ودلهم على طريق الجنة والسعادة الأبدية.
استقبله الأنصار بكل فرحٍ وسرور متشرفين بقدومه مرددين الأناشيد التي تعبر عن فرحتهم بقدوم هذا الضيف الكريم منها:-
طـلع البدر علينــــــــــــــــــا مــــن ثنيَّات الـــــــــــــوداع
وجـــب الشكر علينـــــــــــا مـــــــــــا دعــــــــــــا لله داع
أيهــــا المبعوث فينـــــــــــا جئت بالأمـر المطـــــــــاع
جئـــــــت شرفت المدينة مرحبًا يــــا خيـــــــــر داع
دخل الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› المدينة طاويًا صفحة من الدعوة إلى الله مع أهله وقومه وأهل بلده مستقبلًا عهدًا جديدًا من الجهاد والعمل في غير وطنه. دخل وهو يرسم ملامح دولة إسلامية ربانية تقيم شرع الله، وتقوم بنشـر دين الله في جميع أقطار المعمورة.
دخل المدينة وكل واحدٍ من أهلها يريد أن يتشرف بضيافته، كل واحد يمسك بزمام ناقته ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يريده أن يحل ضيفًا عنده ولكن الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› يقول لهم: «دعوها فإنها مأمورة».
الرسول ليس همه أين سيجلس أو في أي بيت سيكون الأكل. كلا. إن همه الأكبر كيف يهتدي الناس؟ كيف يزيل المنكر من أوساطهم؟ بركت الناقة بأمر الله في مكان أراده الله سبحانه وفي ذلك المكان بنى مسجده المعروف في المدينة، أقام مسجدًا ليس للصلاة والعبادة فحسب بل يكون من خلاله إدارة شؤون الدولة وتبليغ الرسالة وتدبير الجهاد والتخطيط للمعارك، فلم يكن له قصـر ولا مجلس للوزراء بل كان من خلال المسجد يقوم بكل أعماله.
بركت الناقة، وأخذ أبو أيوب الأنصاري متاعه إلى منزله، فأخذ الناس يكلمونه، فقال: المرء مع رحله، ونزل عند أبي أيوب الأنصاري.