مـرحبـا بكم في موقع دائرة الثقـافـة القـرآنيــة

بالمكتب التنفيذي لأنصار الله

والناس بحاجة إلى العدل أوَ يُمكن الاستغناء عنه؟! الناس بحاجة إلى العدل وليسوا بحاجة إلى الظلم، وليس فيه خير لهم ولا مصلحة نهائياً، ولا نفعٌ على الإطلاق، ماذا ينتفع الناس؟ أي نفع من الظلم والظالمين؟

وحينما نرى في هذا الزمن أنّا كعرب ومسلمين أمة كبيرة تمتد في مساحة واسعة على الأرض في العالم العربي وغيره، وتعاني هذه الأمة من الظلم أكثر من بقية الأمم على الأرض؛ فلتعرف الأمة أن الله قد قدم لها من تعليماته ونظامه للحياة وتوجيهاته ما لو التزمت به وعملت به واستبصرت به لكانت ممتنعة من الظلم وسالمة من الظلم وعصيَّة على الظالمين.

ليس هناك أي تقصير من جانب الله، وإن الله لم يتفرج على عباده؛ لأن الله رحيم بعباده، وهو القائل في كتابه: {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ} (آل عمران:108), والقائل: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ }(غافر:31), أُريد القول: أن جانباً مهماً وأساسياً من العلاقة بالرسول والقرآن الكريم والرجوع الصحيح القائم على العمل والإتباع، هناك جانب مهم وأساسي هو هذه الثمرة العظيمة أن يتحقق العدل، ويتخلص الناس من الظلم والظالمين، وهذا من أهم ما تحتاج إليه الأمة المظلومة المقهورة.

وغاية أخرى لرسالة الله ورسوله ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (النحل:36). إذاً فمن الأهداف الأساسية لرسالات الله عبر كل الأمم وإلى هذه الأمة خاتمة الأمم، ورسولها ونبيها خاتم الأنبياء، من الأهداف الأساسية والغايات الأساسية لرسالات الله ورسله وكتبه دفع الناس إلى التزام العبودية لله من خلال طاعته، واتباع هديه، والتزام أوامره، والانتهاء عن نواهيه، وتطبيق نظامه في الحياة، وتحرير العباد من الطاغوت بما يترتب على هيمنة الطاغوت من استعباد للناس وظلم لهم، وشر وفساد كبير.

والطاغوت هو عندما يتحكم على الناس طاغية يفرض عليهم ما يشاءه ويريده على هواء نفسه بعيداً عن دين الله وعن طاعة الله وعن كتاب الله، أو يُفرض عليهم نظام أو قانون يخالف الله ويتعارض مع دينه وهديه، وهذا من دلائل رحمة الله بعباده، ففي هديه ودينه وما بلَّغ به رسله الخير للناس والسعادة والعدل، أما الطاغوت فشر وظلم وضلال وخسران مبين.

نصل إلى نتيجة مهمة، إنه يتحقق للناس من خلال اتباع الرسول والقرآن التحرر من عبودية الطاغوت المذلة والسيئة والتي هي شر محض، ويتحقق لهم عبادة الله بشكل صحيح في إقامة دينه متكاملاً بما يحقق الخير لهم والعزة والفلاح، ولا يمكن أن يقبل الله من عباده أن يطيعوه في بعض الأمور المحدودة وما تبقى من أمورهم للطاغوت، كما يتصور البعض - وهم مخطئون - أنه يكفي من حياتنا خمس خصال لله والباقي من كل شؤون حياتنا ومواقفنا تكون على ما يريد الطاغوت، هذا خطأ كبير.

فالله جل شأنه يقول في القرآن الكريم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا}(البقرة:256), ومن خلال هذه الآية القرآنية المباركة يتضح أنه لا يتحقق الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت، ومن هذا المنطلق بعث الله خاتم رسله وأنبيائه محمد (صلى الله عليه وآله) بمشروع متكامل عظيم مرتبط بملك الله ورحمته؛ لإصلاح البشرية ودفعها إلى عبادة الله, وإنقاذها من الطاغوت والظلم والهوان، ولتحقيق العدل، وإتمام مكارم الأخلاق، والسمو بالإنسان ليقوم بمسؤوليته في الحياة مع مبدإ الثواب والعقاب، كما يقول الله جل شأنه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}(الأحزاب: 45-48).

وما الواقع المظلم المؤسف الذي تعيشه الأمة الإسلامية في هذا العصر إلا لانفصام كبير عن ذلك المشروع العظيم، وخلل كبير في الارتباط الصحيح بالرسول (صلى الله عليه وآله)، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) حينما نهض بالمشروع الإلهي مبلغاً لرسالات الله، وعاملاً بكل جهد لإقامتها، ومجاهداً ومقاتلاً في الذب عنها، فإنه تحرك بمواصفات عظيمة، وأخلاق عالية، تُجسِّد المبادئ التي يدعو إليها ويعمل على إقامتها، وتدل على عظمة هذا الدين، وعلى ثمرة الارتباط بالله وهديه.

ولذلك يقول الله جل شأنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4) , كان (صلى الله عليه وآله وسلم) على خلق عظيم، يتمتع بمواصفات عظيمة وبمكارم الأخلاق العظيمة على أعظم مستوى، وعلى أعلى مستوى يمكن أن يصل إليه بشر، قائد عظيم، منقذ عظيم، رجل عظيم، على خلق عظيم، بهدي عظيم؛ ليبني أمة عظيمة عزيزة، يقول الله جل شأنه: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}(التوبة:128).

وبهذه المزايا العظيمة، وبهذه الصفات الحميدة، من موقع الشعور بالمسؤولية، من موقع الرأفة والرحمة، ومن حالة الحرص الشديد على إنقاذ الناس، على دفع الضرر عنهم، على بناء هذه الأمة بناءً عظيماً تكون على مستوى ممتنعة مما يذلها، مما يضرها، مما يهيئ لهيمنة الأعداء عليها، فيما يدفع الشر عنها، {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ}، وبذل جهداً كبيراً، لم يألو جهداً، وليس من جانبه أي تقصير، بهذا الحرص، بهذه الرأفة العظيمة التي كان عليها {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران:159), بالرأفة والرحمة والحرص على الأمة كان يتحرك بمنهج الله مربياً وساعياً على بناء هذه الأمة، إلى بنائها بناءً عظيماً، يقول الله جل شأنه: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}(الفتح:29).

ويتحرك ضمن مشروع إلهي عظيم ذو أبعاد ومهام متنوعة ومتعددة تشمل كل مجالات الحياة، فهو كمنقذ ومخلص ويسعى إلى إنقاذ البشرية من الهوان والظلم، هو أيضاً المربي والمعلم الذي يعمل على تربية الأمة، على تزكية النفوس، على تعليم هذه الأمة الكتاب والحكمة، يقول الله جل شأنه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الجمعة: 2-3)، هكذا أراد الله لنبيه، وهكذا هي مهمته، وعلى أساس أن يكون ارتباط هذه الأمة الارتباط الذي يتيح هذه الثمرة، ارتباطاً ينتج هذه النتيجة، أن ترتبط هذه الأمة بنبيها, بمنهجه, بمساعيه, بجهده وعمله كقائد وكمربي وكمعلم؛ لتزكوا النفوس وليستفيد الناس الحكمة والهداية، وإلا فلا يمكن حينما تكون الأمة مبتعدة عن نبيها وعن تعاليمه بل وجاهلة به، وجاهلة بتعاليمه، لا تستفيد لا زكاءً ولا تكسب حكمة، ولا تستفيد عزةً، ولا تصل إلى نتيجة.

أراد الله لهذه الأمة أن تكون مرتبطة بنبيها الارتباط القائم على أساس الولاء الصادق والطاعة، {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} (الأحزاب:6) {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ} (النساء: 64) أمة تقتدي بنبيها، تتعرف على هذا النبي، على صفاته، تستفيد من هديه، تستفيد من حياته، من منهجه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}(الأحزاب: 21).

والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحرك ضمن مسؤولية عالمية، مسؤولية عامة، فمسؤوليته هو وأمته مسؤولية ترتبط بالناس عموماً وليس بالعرب خاصة، مسؤولية ترتبط بالعالمين، كما يقول الله جل شأنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107), {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}(الأعراف:158)، وعلى هذا الأساس تتحمل أمة هذا النبي المسؤولية في أن تعمل على إقامة الحق والعدل ونشر الهدى على مستوى الأرض، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}(آل عمران:110)، وهذا المشروع الذي يتحمله هذا النبي وتتحمله هذه الأمة ليس عبئاً, ليس كارثة، بل إنه شرف عظيم، والله جل شأنه حين كلف نبيه بهذا المشروع، وحين حَمَّل هذه الأمة هذا المشروع وهذه المسؤولية ليس على أساس أن يكون بعيداً عنهم، كلا، بل على أساس أن هذا مشروع إلهي مكتوب له النصر ومعه الله، وتحرُك الأمة فيه هو لصالحها، بذلك تنتصر وبه تعتز، وبه يكون الله معها ناصراً وهادياً ومعيناً وموفقاً ومسدداً.

يقول الله جل شأنه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(التوبة:33) يقول الله جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7)، بل إن هذا المشروع هو طريق الخلاص وسبيل لكسب معونة الله ونصره، لا يمكن لهذه الأمة أن يكون الله معها, أن يعينها, أن يخلصها مما هي فيه إلا إذا تبنت هذا الطريق، وعادت إلى مسؤوليتها والقيام بها، كما يقول الله جل شأنه: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}.

أيها الإخوة الأعزاء، إن منطلقنا في هذه المسيرة، في هذا العصر، قائم على هذه الأسس من الارتباط بمنهج الله والولاء لله والولاء لنبيه القائم على الإتباع له, والإتباع لمنهجه القرآن الكريم، والقائم على استشعار هذه المسؤولية من منطلق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}(الصف: 14)، بذلك نتحرك، وعلى هذا الأساس نتحرك وننهض استجابة لله، طاعة لله، قياماً بالمسؤولية أمام الله، فيما هو خير لنا ولسائر الناس.

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

 

من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.

بمناسبة المولد النبوي الشريف

للعام الهجري 1431هـ

 


  • نبذة عن المسيرة القرآنية

    المسيرة القرآنية : هي التسمية الشاملة لهذا المشروع القرآني, وهي التوصيف الذي يعرِّف به تعريفًا كامًلاً , فعندما نعبر عن طبيعة المشروع القرآني الذي نتحرك على أساسه نحن نقول: المسيرة القرآنية.. وهي تسمية من موقع المشروع الذي نتحرك على أساسه.

    فالمسيرة القرآنية توصيف مرتبط بالمشروع القرآني وهي التسمية الشاملة والأساسية لهذا المشروع

    وهذه المسيرة العظيمة تقوم على ....

    اقراء المزيد...
  • تابعنا على مواقع التواصل

    • تابعون على التيلجرام
    • تابعونا على تويتر
    • تابعون على اليوتيوب
    • تابعونا على الفيس بوك
تصميم وبرمجة : حميد محمد عبدالقادر