عندما نتأمل في الواقع الذي تعيشه الأمة، لم يكن هناك أبدًا من رهان على أي طرف بالنسبة للحكومات والأنظمة، الحال معروفٌ وبَيّن، معظم الأنظمة والحكومات جعلت خيارها في العمالة، وجعلت خيارها في أن تكون جزءًا من المشروع التآمري على الأمة، فتحولت هي إلى أداة من أدوات الأعداء لاستهداف الأمة، في كل المجالات، وأداة خطرة ومؤثرة وضارة، عندما أصبحت الأنظمة نفسها والحكومات نفسها، الحكومات والأنظمة التي يُفترض بها أن تكون هي من تحمي الأمة، من تحمي الشعوب من تدافع عن الشعوب، من تقوم بخدمة هذه الشعوب، من تُدَبِّر هذه الشعوب في شؤون حياتها وفي واقعها في كل المجالات وعلى كل المسارات.
عندما أصبحت هي أداة بيد الأعداء، تشتغل لمصلحة الأعداء، تُنَفِّذ هي مؤامرات الأعداء، فتحت المجال لأعداء الأمة لأن تدخل مؤامراتهم ومكائدهم في كل تفاصيل شؤون هذه الأمة، نافذة خطيرة على الأمة دخل من خلالها الأعداء، الحكومات والأنظمة؛ لأن الحكومات والأنظمة وهي المؤثِّر الأول داخل هذه الشعوب، في واقع هذه الشعوب، هي التي تصنع هذا الواقع بكل تفاصيله، هي التي تتحكم بالسياسة العامة، السياسة الاقتصادية، السياسة التعليمية، السياسة الإعلامية، هي التي تدير شؤون هذه الشعوب.
بالتالي دخل كيد الأعداء، ودخلت مؤامراتهم ونفذت مكائدهم إلى داخل التفاصيل كلها، فأصبحت هذه الأمة تدار في واقعها وفي شؤونها في كل تفاصيل حياتها، وفي كل شأن من شؤونها بما يخدم أعداءها، بما يضربها، بما يزيدها ذلًّا وهوانًا، بما يهيئها أكثر للقهر والاستعباد، بما يهيئها أكثر لاستحكام سيطرة أعدائها عليها.
فعظم البلاء وعظم الخطر، واستفحل الشر، وأصبحت المسألة خطرة جدًّا جدًّا، إذا كان أحد يريد أن يراهن على الحكومات أو يراهن على الأنظمة، فعلى أي أساس يمكن أن يراهن عليها؟ وهي أصبحت محكومةً فيما تفعل، وفي سياساتها وفي توجهاتها، وفي ممارساتها العامة بما يضرب الأمة، بما يزيد من هوان الأمة، بما يخدم أعداء الأمة، على مستوى الشعوب نفسها، الشعوب أصبحت ضحية.. ضحية.
معظم الشعوب لا يوجد من يتحرك من داخلها، الحالة الاستثنائية كانت في لبنان وفي فلسطين، وتبعها أيضًا في العراق فيما بعد الاحتلال الحالة الاستثنائية التي نرى فيها تحركًا من داخل الشعوب نفسها. أصبحت الشعوب ضحية خاضعة مستسلمة تفعل بها الحكومات ما تشاء وتريد فيما يخدم أعداءها، فيما يزيدها ذلًّا وهوانًا وضعفًا وعجزًا، وتعمل الأنظمة وتعمل الحكومات لكل ما يخدم الأعداء في كل المستويات حتى على المستوى التعليمي حتى على مستوى المناهج الدراسية، حتى على مستوى السياسة الإعلامية.
فالحالة الاستثنائية كانت في حركات المقاومة، تلك الحركات المتحررة المجاهدة، المتميزة بموقفها والتي تآمرت عليها الأنظمة، تآمرت عليها بقية الأنظمة، ألم تتآمر الحكومات والأنظمة على حزب الله في لبنان، أو ليست مستمرةً على ذلك، ألم تتآمر الأنظمة والحكومات العربية على المقاومة الفلسطينية وعلى الشعب الفلسطيني المظلوم بما يخدم إسرائيل ويعزز من سيطرة إسرائيل واستحكام قبضتها وهيمنتها في فلسطين وفي المنطقة عمومًا؟ هذا شيء ملموس.
كذلك بقية الشعوب نفسها أصبحت ضحية، فلا النخب تحركت ولا القوى السياسية حملت هَمَّ شعوبها وتحركت بالشكل المطلوب، وإذا هناك تحرك لبعض القوى السياسية فعادةً ما يكون تحركا محدودًا، عابرًا، غير مستمر، وليس في إطار مشروع عملي مستمر بما تتطلبه المرحلة، تحرك عابر إما إطلاق موقف محدود، أو تصريح مُعَيَّن، أو خطاب سياسي مُعيَّن، أو في إطار موقف سياسي محدود ومتواضع وخَجِل.
لكن أمام السطوة الأمريكية والإسرائيلية سرعان ما يتراجع الآخرون ويتجهون في اتجاهات أخرى، بينما البعض سقطوا في فخ العمالة والارتهان للأعداء ولخدمة الأعداء.
فالشعوب أصبحت ضحية واقعها، وضحية تآمر حكوماتها وأنظمتها عليها، ضحية سكوت وجمود نخبها، الفئات التي يُفترض بها أن تبرز وتنهض لتعمم حالة الوعي ولتكون في المقدمة، لتقود الأمة في الموقف المطلوب لمواجهة هذا الخطر العظيم، كان الغالب عليها هو إما السكوت أو الحيرة أو التحرك المحدود ولكن ليس في إطار مشروع عملي مستمر وقائم على أساس رؤيةٍ صحيحة.
خِطَابَاتُ الذّكْرَى السّنَويّة لِلشَهِيد ذكرى 1434هـ