إنَّ الله -سبحانه وتعالى- يؤكِّد لنا في القرآن الكريم أنَّ من أهم صفات المؤمنين المتقين الصالحين من عباده: أنهم يستشعرون التقصير، مهما بلغت استقامتهم والتزامهم يدركون أنهم مقصرون، وهذا هو أمر واقعي فعلاً، الإنسان مهما بلغ اهتمامه يبقى عنده تقصير، يبقى عنده هفوات، يبقى عنده زلات، يزل، ظروف حياة الناس، ظروف حياة الإنسان، ما يواجهه في هذا الواقع من مشاكل، من متاعب، من شواغل، من تأثيرات نفسية، يأتي مع ذلك الزلل، التقصير هنا، الزلل هنا، الخطأ في معاملة معينة، التقصير في عمل معين، عدم الإتيان بهذا العمل كما ينبغي، هذه حالة مؤكَّدة في واقع الإنسان؛ ولذلك الإنسان كلما عظم إيمانه، كلما استشعر التقصير، هذه حقيقة لازمة: كلما استشعر التقصير، وكلما كان بعيداً عن الغرور، وعن العجب.
اليوم البعض من الناس قد يكون يعمل بعض الأعمال، وحتى يتحرك في سبيل الله، ويعمل أعمالاً مهمةً في سبيل الله، ثم إذا به لأنه واجه إشكالات معينة، أو صعوبات معينة، أو عوائق معينة، يقعد في بيته، ويُفرِّط ويُقصِّر في مسؤوليته، ويعتبر نفسه في تلك الحال أنه في موقع المطيع الذي قد أتمَّ الطاعة، وقد لا يعتبر نفسه مُقصِّراً بأي تقصير، وحضرته أصبح يرى نفسه في وضعية لم يكن الأنبياء فيها، الأنبياء- وهم أنبياء الله- كانوا يستشعرون التقصير، كان من أهمِّ ما يدعون الله به، من أهمِّ ما يضرعون إلى الله فيه، من أهمِّ ما يطلبونه من الله، في مقدِّمة طلباتهم من الله -سبحانه وتعالى- أنهم يطلبون المغفرة، من هو الذي يمكن أن يكون قد وصل منَّا- كناس مسلمين- إلى مستوى نبي من أنبياء الله؟ هل أحد يمكن أن يدَّعي لنفسه ذلك؟ لو ادَّعى لنفسه ذلك فهو يفتري، وهو فاسد وجاهل.
الأنبياء في عظيم منزلتهم عند الله، في ما هم فيه من الاستقامة التامة في طاعة الله -سبحانه وتعالى- ما هم عليه في علاقتهم الإيمانية الراقية جدًّا بالله -سبحانه وتعالى- يعتبرون أنفسهم مقصِّرين، ويطلبون من الله المغفرة، ويتجهون عملياً نحو سلم الكمال الإيماني، وسلم الكمال في الطاعة، والعمل، والسعي لنيل رضوان الله، والارتقاء في درجات الإيمان والتقوى، هذا حالهم، حتى كبار الأنبياء، عظماء الأنبياء، أولي العزم من الرسل، القرآن الكريم يقدِّم لنا أدعية نبي الله نوح وهو يطلب المغفرة: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}[نوح: من الآية 28]، بعد تسعمائة وخمسين عاماً من تبليغ الرسالة، من العمل على إقامة دين الله، من الالتزام الإيماني العظيم، من الصبر في طاعة الله، من الصبر في سبيل الله، من العمل الدؤوب وهو يواجه التحديات، والصعوبات، والتكذيب، والعناء الشديد، وهو يعيش حالة الغربة في مجتمعه، عملاً عظيماً، ارتقاءً إيمانياً ومنزلةً عاليةً في القرب من الله -سبحانه وتعالى- في ختامها يطلب من الله المغفرة، لا يزال يعتبر نفسه مقصِّراً، ويطلب من الله أن يغفر له.
نبي الله إبراهيم -عليه السلام-، وهو الذي بلغ في منزلته الإيمانية، وفي منزلته في الفضل والقرب من الله -سبحانه وتعالى-، أنَّ قال الله -جلَّ شأنه- عنه: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء: من الآية 125]، أكرم بهذا الشرف! شرفٌ عظيمٌ جدًّا، شرفٌ كبير. إبراهيم يقول: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}[الشعراء: الآية 82]، أطمع أنَّ الله يغفر لي خطيئتي يوم الدين، يوم القيامة، يوم الحساب، يوم الجزاء، {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ}[إبراهيم: من الآية 41]، {رَبِّ اغْفِرْ لِي}، كم في القرآن من أدعيته وهو يطلب المغفرة، حتى وهو يبني الكعبة مع ابنه إسماعيل -عليهما السلام- يتقدم إلى الله ويرجو من الله أن يقبل منه عمله، لا يعيش حالة غرور ويعتبر مسألة القبول للعمل أصبحت أمراً مفروغاً منه، لا يحتاج حتى أن يطلبه من الله، يتجهان إلى الله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[البقرة: من الآية 127].
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية السابعة 1441هـ.