ثم إنَّ النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بعدما نزلت عليه هذه الآية المباركة والعظيمة والمهمة، وقدَّمت هذا الموضوع بهذه الأهمية القصوى، تحرك -صلوات الله عليه وعلى آله- لتنفيذ ما تضمنته هذه الآية المباركة من الأمر الإلهي الموجه إليه: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، وكذلك حرص على أن تكون عملية تبليغه بما يناسب أهمية الموضوع، وهذا جزءٌ من مسؤوليته في أدائه لرسالة ربه: أن يحرص على أن يتعامل مع الموضوع بحجمه، بمستوى أهميته، وأن يقدِّمه كما ينبغي، هذه تدخل ضمن العملية التبليغية بالنسبة له -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-؛ ولذلك فهو -صلوات الله عليه وعلى آله- تعامل مع المسألة بأهميةٍ كبيرة، واتخذ اجراءات تساعد على ذلك، وتقدِّم هذا البلاغ بهذه الكيفية التي تعبِّر عن أهميته القصوى: عقد اجتماعاً طارئاً في المنطقة نفسها، وأوقف كل الحجاج الذين كانوا برفقته، من كانوا في مقدِّمة القافلة أعيدوا، وانتظر الآخرين حتى وصلوا واكتمل الجمع، ثم عقد هذا الاجتماع الطارئ والاستثنائي والكبير والمهم، وأدرك الكل أنَّ هناك مسألة مهمة، عُقِدَ لها هذا الاجتماع الطارئ والاستثنائي والمهم، اجتمع الكل، ورصت أقتاب الإبل للنبي- صلوات الله عليه وعلى آله-؛ لتكون منصةً يصعد فوقها، ويوجِّه الخطاب من فوقها، وفي رص أقتاب الإبل ما يشهد أيضاً بأن هذا الاجتماع حضره جمعٌ كبير، بحيث كانت أقتاب الإبل التي يستخدمونها للركوب على الإبل كبيرةً، وبني من خلالها منصة مرتفعة وعالية، حتى هذا الإجراء هو إجراءٌ مقصود، وفيه ما يشهد للنبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ويشهد أنَّ الحضور كان كبيراً، ولذلك لم يختر أشياء أخرى أو بدائل أخرى.
رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- صعد فوق أقتاب الإبل، بعد أن بنيت كمنصة مرتفعة، وأصعد معه عليًّا -عليه السلام-، وخطب خطاباً مهماً، والكل مصغٍ، والكل مركِّز؛ لأن الاجتماع وتوقيف عملية السفر والسير لهذا الاجتماع ولهذا البلاغ كانت على النحو الذي يساعد على لفت الأنظار، وعلى التركيز، وعلى الالتفات إلى ما الذي سيقدَّم في هذا البلاغ. خطب خطاباً مهماً وعظيماً، وأشار فيه أيضاً إلى أنه على وشك الرحيل من هذه الحياة، عندما وصل إلى الموضوع الرئيسي، أخذ بيد عليٍّ -عليه السلام- وقال: (يا أيُّها الناس: إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)، أخذ بيد عليٍّ -عليه السلام-، (فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، وكان هذا هو الموضوع الرئيسي لهذا الخطاب، وكان هو بذاته البلاغ المقصود في الآية المباركة في قوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وهذا يلفت نظرنا إلى أهمية المسألة، أنَّ لها هذه الأهمية الكبيرة جدًّا، أيضاً أتى بعد ذلك، بعد أن أتم الخطاب ونزل من فوق هذه المنصة، وقبل مغادرة المكان نفسه، نزل نصٌ قرآنيٌ آخر، وهو قوله -سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
عندما ننظر إلى هذا البلاغ في محتواه الذي أعلنه الرسول من فوق أقتاب الإبل، (يا أيُّها الناس: إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، إلى موقعه بين الآيتين المباركتين: الآية التي نزلت قبله وأمرت بتبليغه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}، والآية التي نزلت بعده: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، ندرك الأهمية الكبيرة جدًّا لهذا النص، لهذا البلاغ، ولكن تحتاج إلى تفهم، إلى تأمل، بالنظر إلى حجم الدعاية المضادة، إلى حجم عملية التضليل التي حاولت بها قوى الضلال وفئات الضلال أن تتصدى لهذه المسألة، بالرغم من الإقرار بها في تراث الأمة، بالرغم من أنَّ تراث الأمة على المستوى الحديثي والتاريخي احتواها بشكلٍ كبير.
نجد أيضاً في آية الولاية، وآية الولاية هي تتطابق مع البلاغ نفسه، فهو مصداقٌ لها أيضاً، والتي وردت في سورة المائدة أيضاً، في قوله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}[المائدة: 55-56]، نجد أيضاً تقديم هذه المسألة وهي قدِّمت بالمعايير والمواصفات الإيمانية العظيمة، المعايير الإلهية المهمة، نجد أيضاً أنَّ الموضوع له أهميته الكبيرة في موقعه في الدين، وفي علاقته بالأمة، في قوله -سبحانه وتعالى-: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة يوم الولاية 1441هـ