ثم يقول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة: الآية54]، (الارتداد) يعني: التراجع، التراجع عن الدين في مبادئه، في أخلاقه، في قيمه، في مسؤولياته، في مواقفه، هذا هو الارتداد المقصود في هذه الآية المباركة، مع أن البعض قد يصلون إلى حد الارتداد الكلي عن الإسلام، ولكن الآية هي تتحدث عن هذا الارتداد، عن هذا التراجع؛ لأن عملية الاسترضاء لليهود والنصارى، لفريق الشر والغدر من أهل الكتاب، لأمريكا وإسرائيل لن تكون إلا على حساب مبادئ، وقيم، وأخلاق، وتعليمات من الله -سبحانه وتعالى-، ومسؤوليات من هذا الدين، الاسترضاء لهم في أي عمل، في أي موقف، في أي خطوة سيقابله تراجعٌ عن شيءٌ من أخلاق هذا الدين، أو مبادئه، أو قيمه، أو مسؤولياته، أو تعليماته؛ لأن اتجاههم هم هو اتجاه متناقض مع مبادئ ديننا، مع قيمه، مع أخلاقه، مع المسؤوليات فيه، اتجاههم هم اتجاه ظالم ومفسد في هذه الأرض، اتجاه طغيان، اتجاه عدوان، اتجاه فساد ومنكر وباطل وشر، ولذلك أي مسارعة للاسترضاء لهم في عملٍ تعمله، أو في شيءٍ تتخلى عنه، فأنت- في المقابل- تقدم شيئاً على حساب ما يقابله من موقفٍ ديني، أو أخلاق، أو قيم، أو مبادئ من تعاليم هذا الدين، وهذه أيضاً من الأمور الحتمية والمؤكدة، الذين يسترضونهم بأعمال يتحركون فيها يرون فيها أنها تعجبهم، وأنها استرضاء لهم، والذين كذلك يؤقلمون أعمالهم ومسيرتهم العملية وحتى تدينهم بالشكل الذي يرونه مرضياً لأولئك وغير مستفز لهم، هذا وذاك، أولئك وأولئك، الكل منهم هم يفعلون ذلك على حساب تراجع، تراجع عن مبادئ من مبادئ هذا الدين، تراجع عن قيم من قيم هذا الدين، تراجع عن أخلاق من أخلاق هذا الدين، تراجع عن مسؤوليات وواجبات من مسؤوليات وواجبات هذا الدين، تراجع أيضاً عن التزامات عملية أمر الله بها في كتابه الكريم.
ولذلك ما الذي قابل في هذه الآية، ما الذي قابل حالة الارتداد والتراجع؟ هل قابلها بحالة الإسلام؟ هل قال: [فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون]؛ لأن المسألة مسألة مثلاً ارتداد كلي عن الملة الإسلامية؟ لو كانت المسألة مجرد حديث عن الارتداد عن الملة الإسلامية لقابل هذا بقوله: [فسوف يأتي الله بقومٍ يسلمون]، وانتهت المسألة، لكنه قابل حالة الارتداد والتراجع بقوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}، فقابل تلك الحالة بهذه الحالة المناقضة لها، فارتداد أولئك الصنف الآخر الذي يتراجع هو ارتداد في مقدمته عن هذه القيم المذكورة، من أبرز ما فيه غياب هذه القيم،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثامنة والعشرون: 1441هـ 22-05-2020م.
واقع الأمة تجاه أهل الكتاب: المسارات والعواقب الوخيمة.