شاهر أحمد عمير
تحلّ الذكرى السنوية للشهيد كموعدٍ سنوي مهم، يستحضر فيها شعبنا روح التضحية والبذل والعطاء، وتجدد فيه الأُمَّــة التزامها بقيم الحق والثبات. هذه المناسبة ليست مُجَـرّد ذكرى عابرة، بل هي فرصة عميقة تحيي في نفوس الجميع العهد بالسير على خطى الشهداء الذين سطّروا بدمائهم تاريخًا ناصعًا، ومثّلوا رموزًا للكرامة والصمود أمام كُـلّ التحديات.
تأتي هذه الذكرى هذا العام في وقت يواجه فيه الوطن العربي أحداثًا جسيمة وتحديات كبيرة، من استمرار العدوان الإسرائيلي والأمريكي على الشعب الفلسطيني واللبناني ومحاولات طمس هُويتهم، إلى محاولات تمزيق الأُمَّــة العربية والإسلامية وإضعافها. وإن موقف شعبنا الصامد والداعم لقضايا الأُمَّــة الكبرى يعبر عن عمق التلاحم بين القضايا الإنسانية العادلة وواجباتنا تجاهها.
إن الذكرى السنوية للشهيد ليست فقط لإحياء ذكرى الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم، بل هي أَيْـضًا يوم للتأكيد على موقف شعبنا الداعم لقضايا الأُمَّــة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كما تأتي لتوثيق أواصر التضامن مع شعوبنا العربية في فلسطين ولبنان، خَاصَّة في ظل التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني المقاوم في مواجهة العدوّ الصهيوني.
إن إحياء الذكرى السنوية للشهيد يعبر عن اعتراف الشعب بفضل الشهداء، ويؤكّـد على قيم الإيثار والفداء التي يرمزون إليها. فمن خلال استذكار سيرهم وتضحياتهم، نجد الدروس والعبر التي تمنح الأُمَّــة دافعًا للاستمرار في النضال والثبات. هؤلاء الشهداء، الذين جادوا بدمائهم الطاهرة، تركوا للأُمَّـة إرثًا من القيم التي يجب أن نحافظ عليها ونتوارثها جيلًا بعد جيل. وفي كُـلّ قصة شهيد نجد نموذجًا ملهمًا للوفاء والتضحية، حَيثُ تجسد حياتهم معاني الشجاعة والعزم، مما يعكس قوة الإرادَة التي لا تعرف الاستسلام، خَاصَّة في مواجهة قوى الظلم والعدوان.
وفي هذه المناسبة، لا يمكن أن ننسى التزامنا بأسر الشهداء وعائلاتهم الذين قدموا أبناءهم فداءً للوطن والدين. إن الوفاء لهم هو تعبيرٌ صادق عن تقديرنا لتضحياتهم، وتأكيد على المسؤولية التي يحملها كُـلّ فرد في المجتمع تجاه هذه الأسر الصامدة. إن دعم أسر الشهداء هو واجب وطني وأخلاقي، ومظهر من مظاهر الوفاء للقيم النبيلة التي يمثلها الشهداء؛ إذ يتطلب منا تقديم الرعاية والدعم لكل فرد في هذه العائلات، سواء من الناحية المادية أَو النفسية، ليشعروا بأن تضحيات أبنائهم لم تذهب هباءً.
كما أن الذكرى السنوية للشهيد تحمل معها دعوة للأُمَّـة بأكملها للاستمرار في نهج الجهاد والنضال ضد الظلم، والحفاظ على العهد الذي أرساه الشهداء.
إن تضحياتهم هي رسالة لنا جميعًا بأن الحياة تستحق العيش عندما تكون مقرونة بالشرف، وأن قضايا الحق والعدالة تستحق منا التضحية بكل غالٍ ونفيس. ففي زمن تكثر فيه التحديات، يحتاج الوطن إلى روح الجهاد والصمود التي خلّفها الشهداء كإرثٍ خالد، يجدد فينا الأمل بمستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.
وتأتي هذه الذكرى أَيْـضًا لتدفعنا نحو تحقيق التكافل والتآزر المجتمعي. إن روح الشهداء لا تغيب عن وجداننا، بل هي نداء مُستمرّ لنا بأن نقف بجانب بعضنا البعض، وأن نجعل من التضحية نهجًا لنا في حياتنا اليومية، سواء في أعمالنا أَو مواقفنا. تذكرنا هذه المناسبة بأن التضحية ليست مقتصرة على ساحات القتال، بل تمتد لتشمل كُـلّ ميدان، بدءًا من العمل الجماعي داخل المجتمع، ووُصُـولًا إلى القيم النبيلة في التعامل مع الآخرين.
إن الذكرى السنوية للشهيد هي يومٌ لتجديد العهد معهم بالسير على خطاهم، والالتزام بقيمهم ومبادئهم في سبيل الله والوطن. وإن تضحياتهم ستبقى خالدة في ذاكرة الأُمَّــة، تدفعها للمضي قدمًا نحو تحقيق الحرية والعزة.