من المعالم الأساسية لشخصيته فيما كان يتحلى به من إيمانٍ واعٍ، إيمانٍ حقيقي، إيمان بمبادئ الإيمان، وأخلاق الإيمان، الوعي العالي والنظرة الصائبة والعميقة، وهذا شيء أساسي بالنسبة للإنسان المؤمن، الإيمان لا يقبل أبدًا أن يكون المؤمن أحمقَ أو غبيًّا أو نظرته إلى الواقع نظرةً مغلوطة، هذه مسألة أبدًا لا تتركب مع الإيمان ولا تنسجم مع الإيمان، لا يمكن أن يكون هناك مؤمن غبي، أحمق، جاهل بالواقع بعيد عن الحكمة. لا. من لوازم الإيمان هو الوعي، هو البصيرة، بل لا يكتمل الإيمان ولا يتحقق الإيمان إلا بذلك، وهو كان على درجةٍ عاليةٍ جدًّا جدًّا من الوعي والنظرة الصائبة والعميقة، والحكمة، وهذا ما تجلَّى واضحًا في المشروع العظيم الذي قدمه للأمة، يكفي كل فرد، كل من يريد أن يتحقق من ذلك، يكفيه أن يطلع على ذلك المشروع من خلال المحاضرات والدروس التي قدمها ليدرك أن هناك حالة استثنائية، وأن هذا كان بحقٍّ رجلًا استثنائيًّا، وأنه كان لديه من النظرة العميقة والتقييم الدقيق، والتشخيص لواقع الأمة، ومشكلات الأمة، والمخرج للأمة من هذا الواقع، ما ليس ملموسًا لدى الآخرين أبدًا، حالة متميزة فعلًا في مستوى العصر وفي مستوى التحديات.
وهذا شيء مهم جدًّا، ربما مما عمق أزمة الأمة، ومشكلة الأمة، هو الضعْف الكبير في وعيها، حتى لدى نخبها، لدى رجالها السياسيين، وقيادييها وشخصياتها الاعتبارية من أي لون أو طيفٍ كان، مما عمق هذه الأزمة أنه ليس هناك إدراك متكامل وعميق لهذا الواقع، بجذوره ومشكلاته ثم بالحل اللازم للخروج من هذا الواقع، هناك مؤثرات كثيرة تؤثر على الكثير من الآخرين، حتى لم يوفقوا بأن يكون لديهم نظرة موضوعية إلى هذا الواقع.
مؤثرات البعض منها مؤثرات سياسية، البعض منها مؤثرات طائفية ومذهبية، البعض منها مؤثرات اجتماعية، البعض مؤثرات لها صلة بطبيعة الوقائع والأحداث وما إلى ذلك، لكنه توفق بتوفيق الله وبتسديدٍ من الله سبحانه وتعالى لأن يكون له سلامةٌ من كل هذه المؤثرات.
وبالتالي عندما عمل على تقييم هذا الواقع، وعلى قراءة هذا الواقع، وعلى إدراك هذا الواقع، قرأه وتأمله وأدركه بموضوعية تامة، بعيدًا عن كل المؤثرات الأخرى، متجاوزًا لها كلها، متجاوزًا للقيود، القيود المذهبية، القيود الطائفية، القيود السياسية، القيود الجغرافية، كل القيود الأخرى التي أثَّرَت وقَزَّمت نظرة الآخرين وإدراك وقراءة الآخرين للواقع.
خِطَابَاتُ الذّكْرَى السّنَويّة لِلشَهِيد ذكرى 1434هـ