نذكر هنا بعض الأمثلة: مثلاً موقف المؤمنين في قصة أصحاب الأخدود الذي حكاه الله في سورة البروج, {قتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ{4} النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ{5} إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ{6} وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ{7} وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(البروج: من الآية4ـ8)، نلحظ في هذه الحادثة، هي كانت في نجران وهي قصة مشهورة قصة أصحاب الأخدود، وقصة ذو نواس الحميري ملك اليمن، كان ملك عمل على أن ييهود اليمنيين، أن يدخل اليمنيين في اليهودية، وتحرك إلى نجران ليواجه مؤمنين هناك لم يقبلوا بأن يدخلوا في اليهودية, وكان يريد أن يكسر إيمانهم، ويكسر موقفهم عن طريق نوع من العقاب على أشد ما يكون من القسوة نوع من العقاب قاسي, خد أخدوداً، حفر في الأرض أخدوداً كبيراَ، مليئ هذا الأخدود بالحطب ثم أوقدت فيه النار، أتي بالمؤمنين والمؤمنات على أساس أن يكون هذا العقاب هو بالشكل الذي يكسر إيمانهم، ويحطم إرادتهم.
نلحظ الإيمان القوي، الإيمان الصادق كيف يجعل موقف الإنسان موقفاً ثابتاً، لا يغيره شيء، لا يغيره شيء مهما كان هذا العقاب يعتبر مؤثراً، إذا لم يكن هناك إيمان، أن توضع وأنت على قيد الحياة، وتطرح في نار متوقدة مستعرة، وأنت مقيد، وعلى قيد الحياة، ثم توضع لتشوى في داخل تلك النار. أتوا بالمؤمنين والمؤمنات؛ لأن الإيمان بالقدر الذي يصنع أثراً عظيماً وقوةً في موقف الرجل، هكذا أيضاً أثره أيضاً حتى في موقف المرأة حتى في موقف المرأة.
فأتوا بهم وبدأوا يطرحونهم الواحد تلو الآخر، حتى يكون في هذا زاجراً للآخرين, عندما يضعون في النار شخصا يحترق أمام أعين الآخرين, ويشوى في تلك النار داخل الأخدود أمام أعين الآخرين عسى أن يترك ذلك في أنفسهم ضعفاً وتراجعاً فيكسر إيمانهم وإرادتهم, لكنهم كانوا على مستوى عظيم في ثباتهم وفي صمودهم وفي استبسالهم وفي تضحيتهم لم يؤثر عليهم هذا حتى وهم يشاهدون بعضهم بعضاً يشاهدون الواحد منهم عندما يطرح في وسط تلك النار الملتهبة, يشاهدونه وهو يحترق وهو يشتوي, فلا يتغيرون في موقفهم أبداً بل يبقون على ثبات وصمود عظيم. وهكذا كان حتى حال المؤمنات منهم مع أن الناس ينظرون إلى موقف النساء أنه عادة ما يكون أكثر ضعفاً من موقف الرجال، لكن لأثر الإيمان لأثر الإيمان الذي يصنع قوة الموقف والإرادة والثبات والاستعداد للتضحية إلى مستوى أن يضعونهم الواحد تلو الآخر في تلك النار المستعرة ثم لا يتأثرون لا يتراجعون لا يتغيرون لا يتبدلون أبداً هذا أثر من آثار الإيمان أثر من آثار الإيمان في قوة موقف الإنسان في تضحيته في ثباته وفي أن يكون محط رعاية من الله يمده ويعينه.
نلحظ مثالاً آخر أورده القرآن الكريم: - مؤمن أهل القرية الذي وردت قصته في سورة يس عادة في الظروف الصعبة تتراجع مواقف الكثير من الناس عند الظروف الصعبة، عندما يكون هناك خطر أمام الناس، وعندما يدركون أو يفهمون ويتصورون أن مواقفهم مع الله سيكون ثمنها أن يدفعوا بأنفسهم ضحية في سبيل الله يقدمون أنفسهم شهداء في سبيل الله، أو تكون هناك مواقف كبيرة، يتغير الكثير من الناس، لكن الذي يصنعه الإيمان شيء آخر.
من آثار الإيمان أن يدفع بالرجل المؤمن؛ فيتحرك في الظروف الصعبة التي يتراجع فيها الآخرون ممن هم ليسوا بمؤمنين، أو هم قاصرون في وعيهم، وناقصون في إيمانهم.
في قصة أصحاب القرية في سورة يس {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ{13} إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} (يس: من ال آية13ـ ١٤)، هذه الحالة نفسها تدل على مستوى الكفر، ومستوى التمرد والعناد، والطغيان عند أهل تلك القرية، يأتيهم رسولين رسولين دفعة واحدة؛ فلا ينفع فيهم شيء. هم على مستوى كبير من التصلب، من الكفر، من البعد عن الحق.
{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} يعزز الله الرسولين برسول ثالث وحتى بعد أن يكون هناك ثلاثة رسل لا ينفع فيهم، يدل هذا على خبث نفوسهم وعلى شدة عنادهم وطغيانهم، كان موقفهم في نهاية المطاف موقف المحارب لهذا الحق وليس فقط الرافض له لم يكتفوا بأنهم لم يستجيبوا لرسل الله ولم يؤمنوا لا. كان موقفهم في نهاية المطاف موقف المحارب وهم يسعون؛ لأن يوقفوا دعوة أولئك الرسل ويمنعوهم حتى من أن يقدموا دعوتهم، من أن يقدموا دين الله من أن ينذروهم، وقالوا لهم: {لئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (يس: من ال آية18)، وصل موقفهم إلى هذا المستوى ليسوا فقط رافضين للحق ومكذبين للرسل بل حتى مصرين على أن يمنعوا الرسل من أن يبلغوا رسالة الله.
{لئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وأمام هذا التوجه من أصحاب القرية لمواجهة الحق لمواجهة رسالة الله الذي هو توجه المحارب والمعاند برز موقف هو يدل فعلاً على عظمة الإيمان وأثر الإيمان وقوة الإيمان {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}(يس: من الآية20)، في هذه الظروف التي يوجد هناك توجه من أولئك حتى أنهم بتوجههم لمحاربة هذا الحق ومنع رسالة الله يهددون بالبطش يهددون بالقتل يهددون بالانتقام{لئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} الموقف أصبح موقف خطر عندهم توجه؛ لأن يبطشوا ؛لأن يقتلوا في سبيل إيقاف تلك الرسالة{َجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} يسعى مع أن الوضع الخطر يجعل الكثير من الناس يتباعد, لا أن يجيء في ظروف يرى فيها أنها ظروف خطرة، جاء يسعى، يسرع، يبادر في تلك الظروف التي عادة ما يتباعد فيها الكثير من الناس، ويتهرب فيها الكثير من الناس {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} جاء ليناصر تلك الرسالة، جاء ليقف مع تلك الرسالة ليدعو إليها، ليساند موقف المرسلين.
{قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ{20} اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ{21} وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ{22} أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ{23} إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ{24} إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}(يس: من الآية20ـ25)، وهكذا كان موقفه داعياً إلى تلك الرسالة مناصراً لتلك الرسالة، وكان موقفه أيضا ناصحاً لقومه، ناصحاً ومبيناً للحق، وداعياً إلى الحق, ثم يعلن إيمانه ويجهر بإيمانه ويقول لهم:{إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} وهو يعرف, يعرف شدة حقدهم وعدوانيتهم وموقفهم ضد الحق ضد الدين.
{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} (يس: من ال آية26)، كانت هذه هي النتيجة والغاية {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} وهو عندما عرف أن مصيره؛ لأنه استشهد {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} تعني أنه استشهد لكنه كان مستعد وكان حاضر حتى أن يبذل نفسه من أجل الله ومن أجل رسالة الله ومن أجل إقامة دين الله لم يكن عنده أنه لم يكن يعرف أو يتوقع، لم يكن يتوقع أن يقتل في سبيل الله، لا كان أمراً واضح كان، موقف قومه واضح في شدة عنادهم، وفي طغيانهم هذا الموقف القوي العظيم الذي عادة ما يتراجع الناس في مثل تلك الظروف كان وراءه ماذا؟ الإيمان، كان وراءه الإيمان الإيمان هو الذي صنع قوة هذا الموقف في مثل تلك الظروف الحرجة.
نلحظ موقف آخر في حياة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) وسنتحدث عنه في الدروس التي ستكون حديثا عن جهاد الرسول وحروبه وما فيها من الدروس العسكرية والدروس التربوية.
درس آخر في موقف المؤمنين يوم الأحزاب وستأتي التفاصيل، عندما نتحدث عن غزوة الأحزاب وواقعة الأحزاب وما حدث حينها وسيتضح مدى وأهمية ذلك الموقف الذي صنعه الإيمان {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً}(الأحزاب: الآية22)، لما رأى المؤمنون مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) الأحزاب جيوش الشرك التي تحزبت وأتت إلى المدينة للقضاء على الإسلام والمسلمين حينها من مناطق متفرقة, تعاون كبير ما بين العرب واليهود وأتت الجيوش التي هي مدعومة بشكل كبير أتت إلى المدينة على أساس أن تكون ضربة قاضية للإسلام والمسلمين، كانت كثافة الجيش بالشكل الذي هز مواقف الكثير, هز مواقف الكثير حتى صرحوا بسوء ظنهم بالله, وحتى صرح المنافقون بنفاقهم والذين في قلوبهم مرض بموقفهم وشكهم {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}(الأحزاب: الآية12)، كان موقف المؤمنين, المؤمنين بما تعنيه كلمة مؤمنين الصادقين في إيمانهم، كان موقفهم مختلف, لم يتأثروا، لم تهز نفسياتهم، ولم تضعف معنوياتهم، لا كثرة الجيوش المحيطة بهم وكثرة عتادها أبداً، ولا حالة الحصار التي كانت حينها على المدينة.
{وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الشيء العجيب بالنسبة للإيمان الصادق أن الظروف التي تؤثر على ناقص الإيمان وقاصري الوعي فتكسر إرادتهم وتهز نفوسهم وتضعف مواقفهم الأمر يكون مختلف تماما مع المؤمنين يزدادون إيمانا ويزدادون ثقة بالله جل وعلا {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} ازدادت ثقتهم بأن يتحقق وعد الله بالنصر ولن تضعف ازدادت تلك الثقة بالله وازدادوا إيمانا {قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً} ما زادهم إلا إيماناً، ازدادوا قناعة، وازدادوا ثقة، قناعة بما هم عليه، وقناعة بما عرفوه من الحق، وازدادوا ثقة بالله جل وعلا، و تسليماً لله, هكذا هو الإيمان، هكذا يصنع الإيمان.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
(مفهوم الجهاد في سبيل الله)
القاها السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.