متابعات../
تجمّع السعودية بهدوء أوراق نفوذها في جنوب اليمن، بعيداً من التطورات على المستوى المحلّي والصراع الإقليمي أو حتى الانشغال الأميركي بالعدوان على هذا البلد. والظاهر أن التوقيت الحالي يعدّ مثاليّاً بالنسبة إلى المملكة، إذ إن لدى منافسيها، سواء في «التحالف العربي» مثل الإمارات، أو خارجه مثل قطر وتركيا والولايات المتحدة، انشغالات تَصرف انتباههم عن متابعة الأوضاع الداخلية في اليمن. ولهذا، تعمل الرياض على تصفية الأدوات المحلية، والاستفادة منها جميعاً، من الأحزاب إلى الأفراد والقبائل والشخصيات الاجتماعية والسياسية والإعلامية، بعدما لم تَعُد تحصر علاقاتها بالولاءات الخالصة لها، بل أظهرت أخيراً مرونةً أكبر إزاء التعاطي مع تفاوت الولاءات أو تلك المزدوجة مع جهات أخرى محلية، إقليمية أو دولية. ففي الوقت الذي تستفيد فيه من «حزب الإصلاح» الإخواني والمرتبط بقطر وتركيا، فإنها لم تقطع صلاتها مع «المجلس الانتقالي الجنوبي» الأكثر إزعاجاً لها، والمحسوب على دولة الإمارات. أما لو سعى أحد قطبَي «الشرعية» أو كلاهما، أي رئيس «مجلس القيادة» رشاد العليمي، أو رئيس مجلس الوزراء أحمد بن مبارك، المحسوبان على واشنطن، إلى التمرّد، فإنها قادرة على تطويعهما فوراً لاحتياجهما إلى المال السعودي.وفي منتصف الأسبوع الماضي، قامت السعودية بإجراء لم يحظَ باهتمام بارز في وسائل الإعلام، إذ سلّمت منفذ الوديعة الحدودي لقوات «درع الوطن»، بعدما كانت تسيطر عليه «المنطقة العسكرية الأولى» في القوات اليمنية المحسوبة على «الإصلاح». وبينما اعتُبرت تلك الخطوة امتصاصاً لحالة الاحتقان بين «المجلس الانتقالي الجنوبي» و»الإصلاح»، والتي تهدّد باشتعال المعارك في أيّ لحظة، إلا أن مطّلعين يَرون أن للإجراء أبعاداً أكبر؛ إذ يقول هؤلاء إن محافظة حضرموت خطّ أحمر بالنسبة إلى المملكة، بخلاف الادعاء في وسائل إعلام خليجية بأن ما تسعى إليه هو تحييدها عن الصراع.
وفيما اعتبرت وسائل إعلام محسوبة على أبو ظبي أن تسليم المعبر لقوات «درع الوطن» هدفه «طمأنة الجنوبيين إلى أن المحافظة تحت قيادة قوات جنوبية»، وإنْ كانت لا تنتمي إلى «المجلس الانتقالي»، فإن مصادر مطّلعة كان لها رأي آخر؛ إذ أشارت إلى أن «درع الوطن خالص الولاء للمملكة السعودية، ويتلقّى أوامره وموازنته ورواتب ضباطه وأفراده منها». ووفقاً للمصدر، فإن «نشر قوة خالصة الولاء للرياض في المعبر له هدف واحد يتمثّل في التحكم الكامل بالمحافظة من دون التورّط بشكل مباشر في الصراع. وهذا لا يعني أن سيطرة فصيل مسلّح على معبر الوديعة، تعدّ سيطرةً سعودية كاملة على المحافظة، بل لا يزال أمام المملكة الكثير من العمل لتذليل العقبات التي تواجهها هناك».
ترى السعودية في محافظة حضرموت مشروعها الحلم الذي يصلها إلى المحيط الهندي وبحر العرب
وكانت زيارة رشاد العليمي لحضرموت، بداية الشهر الجاري، قد أسهمت في إذكاء التوترات في المحافظة، حيث حشد «حلف قبائل حضرموت» المحسوب على السعودية، مئات المسلحين وسيطر على آبار النفط في «هضبة حضرموت»، بعدما بدأت القبائل في اليوم الذي سبقه التجمّع في منطقة العبر لدى انتهاء مهلة منحتها لـ»الشرعية» لتنفيذ مطالبها الخاصة بـ»شراكة حقيقية فاعلة» في شأن المخزون النفطي في ميناء ضبة وحقل المسيلة. وقام الحلف بنصب نقاط تفتيش في المحافظة، تزامناً مع فشل السلطة المحلية والحكومة المعترف بها دولياً في توفير الخدمات الرئيسيّة، بما في ذلك الكهرباء، فضلاً عن إضراب المعلمين في مديريات الوادي. كما أن تلك التحرّكات جاءت في وقت وصلت فيه الأوضاع في حضرموت إلى طريق مسدود على المستوى الإداري داخل أروقة السلطة المحلية. ويشير تقرير نشره «مؤتمر حضرموت الجامع» القريب من «الإصلاح» (30 تموز)، إلى «تفرّد المحافظ مبخوت بن ماضي بالقرار، وفرض تصوّراته، وافتقار رؤيته الخدمية والتنموية إلى ما تحتاج إليه المحافظة»، فيما يبرّر بن ماضي فشله في إقامة المشاريع، باعتبار ذلك يقع على عاتق الحكومة وليس من مسؤوليته.
وبدلاً من إقرار «الرئاسي» مطالب المحافظة خلال اجتماع الحكومة، أعلن العليمي، الثلاثاء، تشكيل لجنة رئاسية من أبناء حضرموت للنظر في المطالب التي رفعتها مكوّنات قبلية هناك، في ما عُدّ بمثابة تهرّب من مطالب المحافظة. كما أن قرار العليمي وُوجِه بانتقادات علنية من نائبه، عضو «مجلس القيادة الرئاسي» والقيادي في «المجلس الانتقالي الجنوبي» فرج سالمين البحسني. والجدير ذكره، هنا، أن الصراع في محافظة حضرموت المحاذية للمملكة، يتركز على موقعها الاستراتيجي من جهة، وحساسيتها كونها غنية بالموارد الطبيعية، ولا سيما النفط والغاز، من جهة أخرى. وتقسم دائرة النفوذ في المحافظة بين «الإصلاح» الذي يسيطر على منطقة الوادي والصحراء، ومركزها مدينة سيئون، و»المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي يسيطر على منطقة الساحل، ومن بينها المكلا، مركز المحافظة.
على أن للصراع بعداً آخر متصلاً بالصيغة النهائية للحكم. إذ تعتبر حضرموت مع محافظة شبوة الغنية بالغاز، البوصلة التي تحدّد الوجهة الأخيرة لشكل الحكم، ومن دونهما لا حياة لدولة مستقلّة في جنوب اليمن، لعدم كفاية الموارد في بقية المحافظات. ويرى «الانتقالي» في حضرموت جزءاً لا يتجزّأ من دولة الجنوب المستقلّة التي يعمل على استعادتها، بينما تنظر القوى المدافعة عن فكرة اليمن الموحّد في «الشرعية»، والممثَّلة بدورها بقوّة داخل السلطة ذاتها، إلى المحافظة الأكبر من حيث المساحة، باعتبارها جزءاً لا تنازل عنه من خريطة الجمهورية اليمنية. من جهتها، ترى السعودية في حضرموت مشروعها الحلم الذي يصلها إلى المحيط الهندي وبحر العرب (كشفت وثائق ويكيليكس مشروع قناة سلمان عبر صحراء الربع الخالي وبحر العرب، مروراً بحضرموت)، فيما تستعيض عن الحضور المباشر فيها وتقوم بتقوية أقدام حلفائها للإنابة عنها في إدارة مصالحها.
الاخبار اللبنانية: لقمان عبدالله