وعندما ننظر هذه النظرة: إلى أنَّ هذه نعمة عظيمة من الله -سبحانه وتعالى-، وأنَّ كمال الدين يتناول شؤون الحياة بكلها، ويشمل أيضاً ما يضمن استمرارية هذه الرسالة الإلهية وهذا المنهج الإلهي بشكلٍ صحيح، وبشكلٍ سليم، فعلينا أن ندرك أهمية هذه المناسبة، وأهمية هذا البلاغ في هذا الموضوع نفسه، كيف ذلك؟
الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- قال عنه الله -سبحانه وتعالى- في الآية المباركة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}، وهو قال أيضاً في النص النبوي في البلاغ في يوم الغدير، في يوم الولاية: (إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم)، الموقع الذي للرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- وهو عبدٌ لله -سبحانه وتعالى-، وهو على رأس المؤمنين، هو أعظمهم إيماناً، وطاعةً لله -سبحانه وتعالى-، وعبوديةً لله -سبحانه وتعالى-، والتزاماً بمنهج الله جلَّ شأنه، وتجسيداً لتلك المبادئ والقيم العظيمة والمهمة، هو له دورٌ محوريٌ في التحرك بالأمة على أساس هذه المنهج الإلهي، هو بلَّغه إلى الناس، وهو أيضاً جسَّده والتزم به وتحرك به لتنفيذه في واقع هذه الحياة، هو في موقع القدوة والقيادة والهداية في هذا المشروع الإلهي، وهذا البرنامج الإلهي، وأدَّى دوره بنجاحٍ كبير، وعلى مستوى عظيم جدًّا، أشاد الله به كثيراً في القرآن الكريم، كم كان حريصاً على هداية الناس، كم بذل من الجهود، كيف كان أداؤه على مستوى عالٍ جدًّا في تبليغ هذه الرسالة، في الالتزام بها، في تقديمها كما ينبغي، وحقق الله على يديه النجاح الكبير، لكن الخطورة الكبيرة، والحساسية الكبيرة هي لما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، فيما يتعلق بمستقبل هذه الأمة، في هذا الدور المحوري الذي يرتبط بهذا المنهج نفسه، في الحركة بالأمة على أساسه.
النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- مع اقتراب وفاته أيضاً هو حريص على هذه الأمة، وعلى مستقبل حياتها، وعلى مستقبلها المهم جدًّا والحسَّاس والخطير، ولكنه لن يكون أرحم من الله، الله هو العالم بعباده، وبمستقبلهم، وبشؤونهم، وله سنته مع عباده، الله -سبحانه وتعالى- هو أتى بهذا الأمر إلى النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في هذه الآية المباركة التي يقول فيها: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}، ليأمره بإعلان هذا البلاغ العام، مع ما سبقه أيضاً من حديث، من إشارات، من توضيحات لهذه المسألة فيما يتعلق بالإمام عليٍّ -عليه السلام-.
ولكننا نلحظ هنا في هذه المسألة بالتحديد، في هذا الموقع، في هذه المرحلة الحسَّاسة والمهمة: أنَّ النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- اتجه لإعلان هذه المسألة وتقديمها بأرقى مستوى من التقديم، ولذلك- كما أشرنا في خطابات سابقة- حسم كل جدال، وكل خلاف، وكل كلام فيما بقي من أيام حياته، تلك الفترة الوجيزة، وهدأت الساحة بشكلٍ تام.
لا يمكن للمسيرة الإلهية الدينية والإيمانية أن تكون فقط مؤقتةً بعصر النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-، ثم يترك الأمة بعد وفاته في فراغٍ كبير، وفراغٍ خطير جدًّا، يمكن أن تختلف فيه الأمة على كل شيءٍ في هذا الدين: على العقائد، على التشريعات، على العبادات، على المعاملات، وأن يختلف المفهوم لديها فيما يعنيه هذا الدين في كثيرٍ من جوانب هذه الحياة، وأكثر من ذلك: المسألة خطيرة جدًّا، إذا غاب هذا الدور المحوري للنبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في الحركة بالأمة على أساس هذا الدين، على أساس هذه المسيرة الإيمانية؛ فالأمة معرَّضةٌ لخطورةٍ بالغة، هذه الخطورة تتمثل بجانبين حساسين جدًّا: هما النقص والتحريف، تتعرض المسيرة الإيمانية لتحريف كبير، وتتعرض أيضاً للنقص.
ولذلك في الآية المباركة في قول الله -سبحانه وتعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، أنَّ كمال الدين وتمام النعمة كان أيضاً بما يضمن استمرارية هذا المنهج الإلهي بشكلٍ صحيح، سالمٍ من التحريف، وسالمٍ من النقص، ثم إذا غاب هذا الجانب الأساسي الذي كان به كمال الدين- وهو ما احتواه البلاغ في ذلك اليوم- فلا يمكن لهذه المسيرة أن تستمر إلَّا وتكون ناقصة ومحرَّفة، لا يمكن للأمة أن تتجاهل هذا المبدأ إلَّا وتتجه إلى النقص، وإلَّا وتكون مسيرتها الإيمانية ناقصة، ويدخلها التحريف، وإذا دخلها النقص ودخلها التحريف، فالنقص الذي يدخل فيها ليس نقصاً بسيطاً، ليس نقصاً لمسألة هامشية، ليس نقصاً في مسألة عادية؛ إنما هو نقصٌ في أمرٍ جوهريٍ ورئيسي، يترك تأثيره السلبي في فاعلية بقية الرسالة الإلهية في واقع الأمة، وهو ما هو واضحٌ وجليٌ في قوله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.
الله -سبحانه وتعالى- على مستوى التبليغ قد أكمل هذه الرسالة، وأتم النعمة، وأكمل هذا الدين، وكان كماله وتمامه بهذه المسألة الجوهرية التي تضمن استمراريته بشكلٍ صحيح على مستوى التبليغ، وعلى مستوى التطبيق، فإذا أتت الأمة هي من جانبها لتنقِّص، وتنقِّص ماذا؟ المسألة هذه الجوهرية، التي هي مسألة ضامنة لسلامة الاستمرارية بشكلٍ صحيحٍ وتام وكامل، فهذا النقص الجوهري والخطير كما هو يؤثر على مسألة التقديم للدين بشكلٍ كاملٍ وصحيح، يؤثر أيضاً في واقع الأمة، هذا النقص سيأتي إلى واقع الأمة بخلل كبير جدًّا، نقص في قضايا جوهرية، في قضايا أساسية، بها حيوية هذا الدين، بها فاعلية هذا الدين، بها ما يضمن لهذه الرسالة الإلهية أن تستمر ليس من موقع النبوة، وإنما من موقع الولاية، من هذا الموقع الذي قال فيه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، الذي قال فيه النبي -صلوات الله عليه وعلى آله-: (فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه)، هنا الدور المتعلق بولاية الإمام علي -عليه السلام-، ما بعد وفاة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- يواصل هو التحرك بالأمة، التحرك بالمؤمنين على أساس هذه المسيرة الإيمانية والدينية، على أساس هذا المنهج الإلهي العظيم، وهو في موقع القيادة والهداية، وبما يضمن بقاء واستمرارية تقديم هذا الدين، واستمرار هذه المسيرة الإلهية بشكلٍ صحيحٍ في ما تقدّم فيه، في مضمونها، في عملية التبليغ لها، في عملية التقديم لها، في عملية التعليم لها، وفي عملية إقامتها في واقع هذه الحياة على مستوى التطبيق والعمل، وهذا دورٌ مهمٌ جدًّا، ودورٌ أساسيٌ جدًّا، وفي نفس الوقت حسَّاس، ومن الطبيعي أن يكون حساساً، لماذا؟ لأن هذا المفهوم القرآني، وهذه الطريقة الإلهية التي اعتمدها الله -سبحانه وتعالى-، كما هي تضمن الاستمرارية الصحيحة والسليمة والكاملة والتامة للمسيرة الإلهية، هي التي تسد الثغرة أمام كل الجائرين والضالين والمبطلين مِنْ تبوؤ هذه الدور الذي يؤثر- إن تبوؤه- سلباً على مسيرة الإسلام بكلها، وهذه المسألة ينزعجون منها غاية الانزعاج؛ لأنهم يريدون لهذا الدين: إمَّا أن يكون مجرد طقوس وشكليات، ولا يبقى منهجاً لحياة الأمة تعتمد عليه في مسيرة حياتها بشكلٍ كامل، وإمَّا أن يكون عناوين يستغلونها هم، ويكون الفراغ الكبير الذي تركه غياب هذا المبدأ بالشكل الذي يتيح لهم أن يتدخلوا هم، وأن يقدِّموا هم أنفسهم المعنيين بتقديم هذا الدين للأمة، وبإدارة شؤون هذه الأمة على أساسه، وهذه هي المسألة الخطيرة التي أضرت بالأمة كثيراً.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
ألقاها السيد/ عبدالملك بدر الدين الحوثي
بمناسبة يوم الولاية 1441هـ