ثم نجد في الآية المباركة في قوله -جلَّ شأنه-: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}، ما يمثله هذا الموضوع من خطورة كبيرة على الإنسان، فكما قلنا تتجه الكثير من الآيات المباركة لتحصين الأمة من الداخل، لتحصينها من الداخل، هنا تجد ما يتوجه إلى تحصين الإنسان نفسه من الداخل؛ لأنه عندما يحصل هذا المرض في قلبك، الذي قد يكون أي نوع من أنواع الخلل في إيمانك، في واقعك النفسي والداخلي، وفي مشاعرك ووجدانك، عندما تحصل أي حالة نفسية سلبية تترسخ في وجدانك: إما كانت انعدام ثقة بالله -سبحانه وتعالى- وشك في وعده، إما كانت جبناً، إما كانت أطماعاً، إما كانت ميولاً فاسدةً... أي مرضٍ من الأمراض التي تعني حالة من انعدام السلامة الإيمانية في نفس الإنسان، قلبه لم ينطبع بهدى الله، لم يستنر بنور الله، لم يزكوا بهدى الله -سبحانه وتعالى-، فهذه الحالة قد تدفع بك، وتؤثر عليك وتهيئك إلى أن تتجه وبمسارعة، تتحرك بنشاط وجد ومبادرة، ومن دون أي تكاسل وتخاذل، وتكون في اتجاهك المسارع (فِيهِمْ) يعني: فيما هو خدمةٌ لهم، فيما هو طاعةٌ لهم، فيما هو استرضاءٌ لهم، تتجه بجدية ومبالغة في ذلك، ونحن نجد أن كلا الطرفين الذين وقفا هذا الموقف المنحرف: موقف الطاعة، موقف الاسترضاء، سواءً بالولاء المباشر، أو من خلال القعود والجمود، والقعود والجمود- بحد ذاته- كان بهدف الاسترضاء؛ لأن البعض يرى في قعوده وجموده أنه يمثِّل استرضاءً لأمريكا وإسرائيل، وأنه سيتجنب استثارتهم واستفزازهم، فلا يحسب أنه عدوٌ لهم، أو أنه يقف بوجه مؤامراتهم ومخططاتهم، أو أنه يعاديهم.
فكل الذين اتجهوا اتجاه الاسترضاء هم يبالغون في استرضائهم، يدخلون حتى في مواقف- لربما- غير متوقعة من جانب الأمريكي والإسرائيلي، لربما لم يكن يتوقع في بعض الأمور أن يستجيب له فيها النظام السعودي، أو الإماراتي، أو أشباههم ممن ينطلق في هذا الاتجاه المنحرف، أو ربما لم يكن يتوقع أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من المبالغة في استرضائه، من تقديم أعمال، وخطوات، ومواقف كبيرة جدًّا مفاجئة، في بعضها قد تكون مفاجئة حتى له، لم يكن يتوقع، وأحياناً يعبرون عن أنهم لم يكونوا يتوقعون بعض الخطوات، بعض المواقف، ويستغربون.
الذين اتجهوا أيضاً اتجاه الاسترضاء بقعودهم، بجمودهم ومعارضتهم لمن يتحرك، لمن ينهض بالمسؤولية، لمن يقوم بالواجب، لمن يتحرك وفق توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، نجد مبالغتهم أيضاً في عملية الاسترضاء للعدو: جمود عن كل شيء، صمت عن كل شيء يتوقعون فيه أو يحتملون فيه- بأدنى نسبة من الاحتمال- أنه سيكون مستفزاً لأمريكا، أو مستفزاً لإسرائيل، أو محسوباً على أنه مجرد تقارب مع من له موقف ضد أمريكا وإسرائيل، فهم يبالغون في ذلك، يبالغون في الاسترضاء مبالغة عجيبة جدًّا، ويحرصون على أن يتمايزوا حتى في أبسط المسائل، حتى في الشكليات، حتى في قضايا عادية جدًّا، أن يتمايزوا في كل شيء، حتى بنظرهم لا يحسب عليهم أي شيءٍ مهما كان بسيطاً أنهم تقاربوا فيه مع الذين لهم موقف ضد أمريكا وضد إسرائيل، وأنهم موقفهم مختلف ومنحاز بشكلٍ آخر، وأنهم لا يتبنون أي موقف مهما كان بسيطاً، يحسب فيه أنه معادٍ لأمريكا وإسرائيل، أو يستفز أمريكا وإسرائيل، فتتحول الحالة بالنسبة لهم إلى حالة غريبة جدًّا من الخذلان، مبالغة وجد عجيب، واهتمام كبير، ونشاط كبير، ومبادرة ومسارعة، وانتباه وملاحظة، ودقة في أمورهم هذه، وهذا من الخذلان الكبير، من الخذلان الرهيب جدًّا، من أعجب الأمور في واقع هذه الأمة، يفترض بنا جميعاً، كل الذين آمنوا، كل الذين ينتمون هذا الانتماء أن يسارعوا في الابتعاد، في الابتعاد عن أهل الكتاب، عن اليهود والنصارى، عن أمريكا وإسرائيل، وأن يتجهوا بكل جديةٍ ومسارعةٍ إلى ما فيه مرضاة الله -سبحانه وتعالى-، أن يسارعوا في الخيرات، أن يسارعوا في الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس في كل مجالات هذه الحياة، أن يتحركوا عملياً للتصدي لهذا الخطر الكبير وهذا الشر الفظيع، الذي يصل في خطورته إلى أن يمسَّ بإيمانهم، بأخلاقهم، بمبادئهم، بقيمهم، بتعليمات الله -سبحانه وتعالى-، في واقع التزامهم بها، أن يتحركوا بمسارعةٍ في ذلك، مسارعة في طاعة الله - سبحانه وتعالى-، المسارعة إلى الخيرات، فيبين القرآن أنها حالة رهيبة جدًّا، هي حالة المرض التي ينبغي أن يتحصن الإنسان منها، كما تأتي التوجيهات التي تحصن الأمة من الداخل، تأتي التوجيهات والتوصيفات والتنبيهات التي تذكر الإنسان كيف يحصن نفسه حتى على المستوى الشخصي، كيف تحصن قلبك، كيف تحصن داخلك مما يسبب لمثل هذا الانحراف الرهيب والخطير جدًّا.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثامنة والعشرون: 1441هـ 22-05-2020م.
واقع الأمة تجاه أهل الكتاب: المسارات والعواقب الوخيمة.