ونجد في الآيات المباركة التي قرأناها وتحدثنا على ضوئها في المحاضرات السابقة ما يلفت نظرنا إلى أن نتوجه بجدية والتزامٍ عملي في التعامل مع توجيهات الله -سبحانه وتعالى-، فأتى الحديث عن الطاعة والالتزام العملي؛ لكي نتعامل مع أوامر الله -سبحانه وتعالى-، مع هديه، مع تعليماته وتوجيهاته، بتنفيذٍ والتزامٍ عملي، فنعيش ثمرتها، وتتحقق لنا النتائج التي هي رهنٌ للالتزام العملي، وللتطبيق، وللتنفيذ.
ثم أتى التحذير الشديد من أن تتحول العلاقة مع هدى الله -سبحانه وتعالى- إلى علاقة استماعٍ روتيني، يتعوَّد الإنسان أن يسمع بشكل عادي جدًّا، وبدون أي اهتداء، ولا تأثر، ولا استفادة، ثم بدون أي انطلاقة عملية على ضوء تلك التعليمات والتوجيهات التي سمعها الإنسان من هدى الله -سبحانه وتعالى-، هذه الحالة التي لها آثار ونتائج خطيرة على الإنسان، حيث يصاب بالخذلان، فيتحول في واقعه وكأنه أصم لا يسمع شيئاً، وكأنه أبكم لا ينطق، وكأنه ممن لا يفهمون شيئاً، ولا يعقلون شيئاً، حالة من الخذلان الخطير جدًّا على الإنسان.
ثم أتى النداء من جديد بقول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[الأنفال: من الآية24]، وأشرنا بالأمس إلى أنَّ هذه الآية المباركة تركِّز على التوجيهات التي عادةً ما يتهرب الناس منها، وهي تتجه إلى ما فيه إحياءٌ للإنسان كشخص، تحيي فيه روح العزة والإيمان، روح الشعور بالمسؤولية، تحيي فيه القيم الإيمانية، تحيي فيه وتنمِّي فيه مشاعر الخير، ومشاعر الكرامة، ذات أثر كبير يدفع الإنسان ليتحرك عملياً في واقع هذه الحياة، فيما يقابل ذلك الحالة التي هي أشبه بالموت، يموت في الإنسان الخير والرشد والعزة والكرامة؛ فيجمد في هذه الحياة، ويكون له دور سلبي في هذه الحياة.
أو على المستوى الجماعي، {لِمَا يُحْيِيكُمْ} على المستوى الجماعي، تأتي الدعوة من الله -سبحانه وتعالى- في مواقف كثيرة، يعني: ذات علاقة بالمسؤولية، ذات صلة بالمسؤولية، تحيينا، تحيي فينا العزة والكرامة، تحيي وضعنا وواقعنا وتصلحه، تبنينا لنكون أمةً قويةً، تحركنا لنكون أمةً منطلقةً بشكلٍ عملي، تبني نفسها لتكون قويةً، وتواجه التحديات والأخطار، وتنهض بمسؤولياتها وواجباتها، وتعمل على معالجة مشاكلها، وتصلح الخلل في داخلها، فهذا الجانب العملي الذي فيه حياة الأمة، هو الذي عادةً ما يتهرب منه الناس، والنتيجة هي النتيجة التي يعاني منها مجتمعنا الإسلامي إلى حدٍ كبير.
أتت بعد ذلك التحذيرات الشديدة، منها أول تحذيرٍ وهو قوله -جلَّ شأنه-: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: من الآية 24]، فيما يعنيه ذلك من خذلان رهيب للإنسان، تفسد نفسيته، تفسد مشاعره، تتغير توجهاته واهتماماته، يُطبَع على قلبه، فيصل إلى مرحلة معينة يفقد فيها كل الدافع للاستجابة، حتى لو تبيَّن له أهمية ذلك الموضوع، أو كان من أهم الأمور، أو كانت مسألة من أهم المسائل، أو خطر من أكبر الأخطار على الأمة، فهو قد فقد الدافع للاستجابة العملية.
جاء التحذير أيضاً والتذكير بالحشر والرجوع إلى الله -سبحانه وتعالى-، وأن تقاعس الإنسان وتخاذله سيحمله أوزاراً خطيرة؛ لأنه هو من جانب: تخاذل، وتنصل عن المسؤولية، وتفريط وعصيان، وهو من جانبٍ آخر: إسهام في كل ما يترتب على ذلك من نتائج لصالح أعداء الأمة، أو نتائج سلبية في الواقع، وهذه الآثار والنتائج لموقف الإنسان في تخاذله، في عدم استجابته العملية، هي من أخطر الأشياء على الإنسان؛ لأنها تجعل من هذا الذنب ذنباً عظيماً، وتجعل منه وزراً كبيراً، فليست حدود ذنبك أنك قعدت، تخاذلت، لم تستجب عملياً لهذه الدعوة من الله -سبحانه وتعالى- فيما فيه حياة الأمة، قوة الأمة، عزة الأمة، منعة الأمة، صلاح واقع الأمة، انتظام أمر الأمة، أنت ذنبك يتعدى مسألة القعود إلى النتائج، يمثِّل إسهاماً لصالح مَنْ؟ لصالح العدو، ويمثِّل إسهاماً في إماتة الأمة، إضعافها، وتحويل واقعها إلى واقعٍ سلبيٍ متردٍ منهارٍ، ويتحول ذلك الواقع إلى واقع يخدم أعداء الأمة بكل ما تعنيه الكلمة، ويؤثر على الأمة، حينها تكون نتائج هذا العمل محسوبةً عليك وزراً عظيماً، وذنباً فظيعاً يحاسبك الله عليه يوم القيامة، بكل ما يترتب عليه من تداعيات ونتائج خطيرة وسلبية.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
يوم الفرقان (6) الفتنة أخطر عقوبة. والخيانة ونتائجها المدمرة.
المحاضرة الرمضانية الثالثة والعشرون: 1441هـ 16-05-2020م.