{فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف:137)، هذه ترد في إطار الصور التي تقدمها هذه السورة نفسها، قضية أولياء من دون الله، كيف يكونون في الأخير خاسرين، هم الجماهير الذي يتبعونهم، {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} من بني إسرائيل الذين عانوا فترة طويلة من هذا العذاب الأليم، تقتيل الأبناء، واستحياء النساء.
لاحظ موسى ذكَّر بني إسرائيل لم يعطهم عبارة ـ يبدو ـ واضحة تماماً؛ لأنه مطلوب أن يبقى عند الإنسان ثقة بالله {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}، أليس هذا وقع في الأخير؟ فعلاً أورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها، وآل فرعون انتهوا، فرعون، وملئه، وكل هؤلاء، كبار الدولة، الذين كانت تقع منهم قرارت سيئة، الذين جعلوه يتخذ هذا القرار فيما بعد: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}، الله جعلهم في الأخير هم يهلكون ويورثهم أرضهم.
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا}. ولاحظ هنا مع أن الله أنقذهم من طغيان شديد، من طغيان قد يكون عند الكثير منهم، ما كأن هناك أي بصيص أمل بأنه ينفك على الإطلاق، فيأتي بطريقة ما دخلوا حتى في مواجهة معهم، هم كانوا مساكين مستضعفين إلى آخر درجة، لم يدخلوا في مواجهة مع آل فرعون، لكن يقول لهم: اصبروا، يجلسون معه كقاعدة جماهيرية له، مؤمنون به، يصبرون، ولكل أمة أجل، كما قال الله سابقاً، وأعطاهم أملاً كبيراً {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}.
الصبر أساسي، الصبر في طريق الله هو الأساس في ماذا؟ في أن يحصل للناس فرج، وهذه هي تعتبر مثالاً واضحاً، فرعون وواقع بني إسرائيل، طغيان في القمة، استضعاف إلى أحط مستوى، حركة لا يوجد معها أي آلية سوى عصا، أليست عصا من البداية؟ عصا من البداية، وتنتهي إلى أنه فعلاً هذا الإنسان الذي كان يراه الفراعنة والمصريون إنسانا فقيراً ولا بيده شيء، أنقذ قومه أمامهم وهم يرونهم، ورأوا أنفسهم في أعماق البحر.
يخلص الإنسان من هذه القصة كلها بأن الناس يتولون الله، كما قرأنا في سورة [المائدة]: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة:56)، عندما يقول: {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}، قد بين في هذه، ألم يبين كيف من تولوه نجوا، ومن اتخذوا من دونه أولياء كانوا يرونهم كأنهم يشكلون حماية، يشكلون وقاية، يقدمون هدى، وأشياء من هذه، كما كان يقول فرعون لقومه، انتهوا، ضربوا وخسروا في الدنيا وفي الآخرة.
إذاً من الناحية المنهجية السورة هذه تقدم لنا منهجاً لمن يعملون، تقدم منهجاً على أن القضية الأساسية معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفته وشد الناس لتوليه، وتقديم المسألة بالنسبة للناس بأن ما هناك أي خيار أمامهم، أمام الناس جميعاً إلا إما أن تكون متولياً لله، أو متخذاً من دونه أولياء، هذه صورة لمن يتولون الله، وهذه الصورة البشعة لمن يتخذون من دونه أولياء كيفما كانوا بشكل أولياء؛ لأن هذه قضية بالنسبة للناس، هم بحاجة إليها، يُقَدم ـ مثلاً ـ هذا قصص قرآني، ما لدى الناس من تاريخ الأمة هذه من أشياء تقدم على هذا النحو، تقدم للناس على هذا النحو، تقدم عبرة، ولاحظوا هنا العبرة أليست بالشكل الذي تدفع، تجعلهم يتجهون عملياً، يتجهون عملياً إلى ماذا؟ من يقرأ هذا القصص القرآني عن الأمم السابقة يتقرر في نفسيته بأن الطريق الصحيح الذي يشكل نجاة في الدنيا والآخرة هو تولي الله، أليس هو سيتجه إلى تولي الله؟.
التولي تجده في الأخير قضية عملية، أليس هو يمثل هناك الأثر النفسي للتاريخ إذا قدم على هذا النحو أنه يوجد دفعة عملية، يوجد عند الإنسان رؤية واضحة، ورؤية ثابتة، أن يكون مستقيماً، وما هناك إلا هذا المجال، لا ينحرف، إذا انحرف وقع في طريق الشيطان وأولياء الشيطان، وهم خاسرون على ما قدمهم هنا، وفي داخل الأمة أمثلة في تاريخنا، في تاريخ المسلمين، والآن يوجد أمثلة، أمثلة في الواقع، بل في العصر هذا نفسه أمامنا، فيما يعمل الأمريكيون، وفي مواقف الشعوب الأخرى، ومواقف الناس، تتجلى الخسارة فعلاً، عندما كانوا يتخذون آخرين أولياء، كيف أنهم لم يشكلوا لهم أي حماية، ورأوا أنفسهم أمام أعداء، سواء كانوا نفس العدو السابق مثلاً صدام بالنسبة للعراق وحزب البعث، ثم الأمريكيين من بعدهم يدوسونهم .
الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس السابع والعشرون – من دروس رمضان]
(سورة الأعراف)
ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.
بتاريخ 27رمضان 1424هـ
الموافق: 21/11/2003م
اليمن ـ صعدة.