في الوقت الذي تؤكّـدُ فيه صنعاءُ أن تحالُفَ العدوان لا زال يماطِلُ في تنفيذِ التزامات السلام العادل، وتحذّرُ من تداعيات هذه المماطلة، يواصلُ النظامُ السعوديّ محاولاتِه المكشوفة؛ لتخدير الرأي العام بتسريبات وتصريحات عن رغبته في السلام، لكن بدون أية مصاديق على أرض الواقع؛ الأمر الذي يمثل مؤشراً سلبياً جديدًا يؤكّـد إصرار الرياض على مواصلة المراوغة.
وقبل أَيَّـام نقلت وكالة “فرانس برس” للأنباء عن “دبلوماسيين” سعوديّين، قولهم: إن المملكة تريد “تجنب أي تصعيد مستقبلي للصراع”؛ لأَنَّها “عالقة في مستنقع مكلف للغاية”.
وزعم الدبلوماسيون أن السعوديّة تسعى إلى الوصول إلى تفاهمات واسعة مع صنعاء برعاية الأمم المتحدة.
لكن هذه المزاعم تتناقض أولاً مع المعطيات على واقع الميدان، حَيثُ يبدو بوضوح أن دول العدوان تصر على مواصلة العدوان والحصار، وأن أهدافها من التهدئة ليست التوصل إلى اتّفاق سلام فعلي، بل تكريس حالة اللا حرب واللا سلام؛ وهو ما أكّـده أَيْـضاً عضو الوفد الوطني المفاوض عبد الملك العجري، قبل أَيَّـام في حديثٍ للمسيرة.
ومن مظاهر هذا التناقض بين مزاعم الدبلوماسيين ومعطيات الواقع، العراقيلُ الإجرامية التي تستمرُّ دولُ العدوان بوضعها أمام فتح مطار صنعاء الدولي، وأمام وصول السفن إلى ميناء الحديدة، حَيثُ دفع تحالف العدوان مؤخّراً بقيادة شركة “اليمنية” في عدن إلى حظر إصدار تذاكر الرحلات المحدودة التي يتم تسييرها عبر مطار صنعاء الدولي من مكاتب الوكلاء في اليمن، فيما أقدمت آلية التفتيش الأممية على احتجاز سفينة حاويات لقرابة ثلاثة أسابيعَ قبل أن تقوم بالإفراج عنها تحت وطأة إنذارات شديدة اللهجة من جانب وزارة الخارجية في حكومة الإنقاذ.
هذه المعطيات تترجمُ بوضوح حرصاً كَبيراً على مواصلة الحصار الذي لا يمكن التوجّـه نحو أي سلام حقيقي قبل رفعه بشكل كامل، وبالتالي فَــإنَّ أيَّ حديث عن رغبة سعوديّة في السلام حتى الآن لا يتجاوز كونه مُجَـرّدَ دعايات.
وفي هذا السياق، علّق نائب مدير دائرة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع، العميد عبد الله بن عامر، على التسريبات السعوديّة الأخيرة قائلاً: إن “صنعاء أكّـدت أكثر من مرة أن الأفعال لا الأقوال هي من ستؤكّـد أَو تنفي حقيقةَ الرغبة في الخروج؛ فمسارات العام التاسع واضحة ولن تجديَ معها مسكِّناتٌ خفض التصعيد أَو تكتيكات التهدئة أَو مناورات الهُدنة”.
وكان عضو الوفد الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، قد أكّـد مؤخّراً أن صنعاء لن تسمح بـ”مارثون جديد من التلاعب”، في إشارةٍ إلى مماطلة دول العدوان ورعاتها في تنفيذ التزامات السلام.
وعلى الرغم من أن لجوء النظام السعوديّ إلى الحديث عن رغبته في السلام ولو عن طريق التسريبات يترجم قلقَه من عودة التصعيد، إلا أن ذلك لا يثبت بعد أنه يرغب فعلاً في السلام الحقيقي؛ لأَنَّ ما تقوله التسريبات لا ينسجم مع التعنت المُستمرّ إزاء المِلفات التي يمكن أن تفتح الطريق نحو التفاهمات، وأبرزها رفع القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة وصرف المرتبات.
وليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام السعوديّ إلى رفع شعارات السلام إعلامياً؛ لتضليل الرأي العام عن حقيقة تعنته، إذ تكرّر ذلك عدة مرات؛ وهو ما يجعل من التسريبات الأخيرة مؤشراً على الاستمرار بالمراوغة.
صحيفة المسيرة