من أشكال الخيانة والتي باتت في هذا الزمن من الظواهر المنتشرة إلى حدٍ كبير لدى الكثير من الناس، هي خيانة مال الوقف، الأوقاف هي منتشرة إلى حدٍ كبير، هناك الكثير من المزارع، الكثير أيضاً من الأراضي التي أوقفت، المصالح التي أوقفت، إما كانت وقفاً للمساجد، أو كانت وقفاً للفقراء، تكون غلَّاتها لصالح الفقراء... أو وقفاً في أي وجهٍ من وجوه القربة إلى الله -سبحانه وتعالى-.
وللأسف الشديد مع التقصير في الماضي على مستوى التوعية الدينية والإرشاد الديني من جانب، والتقصير من جانب الجهات المسؤولة، على مستوى الدولة، على مستوى الجهات الحكومية من جانبٍ آخر، بل في مراحل معينة يتحول الجميع مشتركون في هذه الخيانة: الجهات المسؤولة في الدولة فيما مضى، والقائمين على تلك الوقفيات، الذين هم شركاء في تلك الأوقاف، الكل يتعاونون أحياناً في خيانة الأوقاف، هذا يأخذ، وهذا يأخذ.
الأوقاف هي من القرب التي يتقرب بها الناس إلى الله -سبحانه وتعالى-، وعندما يخون الإنسان في مال الوقف، فهو يخون خيانات متعددة: هو خان الواقف الذي أوقف ذلك المال، تلك الجربة، تلك المزرعة، تلك الممتلكات، تلك المصالح التي أوقفها، عندما تخون في مال الوقف، أنت تخونه، تخون الواقف، وأنت تخون الموقوف له، الذي إليه هذه المصلحة المعينة، أو الغلات المعينة تتجه إليه، مسجدا، أو فقراء... أو غير ذلك، وفي نفس الوقت هي خيانةٌ لله -سبحانه وتعالى-، وخيانةٌ للأمانة التي بيدك.
للأسف الشديد قد يغفل الكثير من الناس أنه عندما يُؤَكِّل أسرته مما يخون فيه مال الوقف، من حصة الوقف، الإنسان أحياناً قد يكون شريكاً مع مال الوقف، له حصة وللوقف حصة، فيأتي ليقتطع: إمَّا يقتطع حصة الوقف بالكامل، كما يعمله البعض، وإمِّا ليقتطع منها أيضاً نسبةً معينة، أو جزءاً معيناً، وقد يُؤَكِّل منه أسرته، وهو يُؤَكِّلهم الحرام، يُؤَكِّلهم الحرام، ثم هو مع هذه الخيانة لا تقبل له صلاة، لا يقبل منه أي عملٍ صالح، يفسد إيمانه، يفسد صلته بالله -سبحانه وتعالى-، يؤثِّر على وضعه، ويتراكم ذلك كثيراً وكثيراً، مع الاستمرار على أكل هذا المال الحرام من خلال هذه الخيانة الخطيرة يتراكم الوزر ويكبر ويكبر، البعض قد تصل النسبة التي أكلها من أموال الوقف في آخر حياته إلى مبلغٍ كبير، كافٍ لتخليده في جهنم والعياذ بالله، فهذا يدخل في أكل مال الحرام، في أكل المال بالباطل بغير حق، وفي الخيانة، ومن المهم للناس أن يحذروا من ذلك، أن يتخلَّصوا من ذلك؛ لأنه أحياناً مع قلة الضبط في هذا الجانب في كثيرٍ من المراحل الماضية، والبعض من الناس إذا لم يكن فوق رأسه عصا تسوقه إلى دفع الحق؛ يتجرأ على الخيانة، ولا يتق الله -سبحانه وتعالى-، مع أنَّ المفترض أن يكون الإنسان خائفاً من الله، وخائفاً مما يمكن أن يناله من مصائب من ذلك في الدنيا؛ لأن مثل هذا النوع من الخيانة له مصائب في الدنيا، ويترتب عليه عقوبات عاجلة في الدنيا، وله آثار سيئة في نفس الإنسان، وفي أعماله، وفي مسيرة حياته، ثم آثاره السيئة والسلبية في الآخرة.
الموضوع في غاية الأهمية، الموضوع مهم جدًّا، وخطير جدًّا، ولذلك نحن ننصح ونذكِّر ونحث كما نؤكِّد على أهمية أن يتعاون الجميع: الجهات المسؤولة في الدولة، وأيضاً المجتمع من جانبه، أن يتعاون الكل في سبيل دفع هذه الخيانة، منع هذه الخيانة، تصحيح هذه الوضعية، وإصلاح هذه المشكلة، وصولاً بعودة الناس إلى دفع حصص الوقف، والجهات في الدولة كذلك معنية بتطوير آلياتها العملية، بتصحيح وضعها الإداري أكثر فأكثر، بالعمل على إيجاد آلية إدارية جديدة تساعد على استخلاص هذا الحق، والعناية بهذا الجانب بشكلٍ كبير؛ لأنه أيضاً جانبٌ مهم في الحقوق الشرعية، مثلما الزكاة وهي ركنٌ من أركان الإسلام، وشأنها أكبر وأعظم، والأوقاف أيضاً لها أهمية كبيرة، وخطورة الخيانة في هذا الجانب والمعصية في هذا الجانب كبيرة جدًّا على الناس في حياتهم، وفي واقعهم، على المجتمع بشكلٍ عام.
ويذكِّرنا الله -سبحانه وتعالى- بأنَّ نتجه إليه، أن نأمل فضله، أن نسعى لنيل الأجر منه، عندما قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: الآية28]، عند الله الأجر العظيم في الدنيا والآخرة، لنعمل من الأعمال ما يقرِّبنا إلى الله، ما ننال به الخير من الله -سبحانه وتعالى-، هذا مهم.
بعد ذلك أتى قول الله -سبحانه وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}[الأنفال: الآية 29]، بدلاً من الخيانة، بدلاً من الاتجاه السلبي في عدم الاستجابة لله -سبحانه وتعالى-، الاتجاه الصحيح هو اتجاه التقوى (تقوى الله -سبحانه وتعالى-)، تقوى الله في الاستجابة العملية لله، تقوى الله في الطاعة الصادقة لله -سبحانه وتعالى-، تقوى الله في الاستقامة على منهجه وبشكلٍ صحيح، تقوى الله في النهوض بالمسؤولية، والتحرك بما فيه حياة الأمة، بما فيه خيرها وعزها وفلاحها وفوزها، هنا الله يعد هذا الوعد العظيم والواسع والجامع: {يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}، كما تحدثنا بالأمس تشمل عبارة الفرقان: التنوير الإلهي والهداية الإلهية، وهذا مكسب كبير جدًّا للإنسان، يفرق بين الحق والباطل، والتصرفات الصحيحة والخاطئة، والأعمال المناسبة وغير المناسبة، يمتد هذا إلى واقع الحال، فرقاناً في حالكم، تنتقلون إلى وضعية أفضل في حالكم، في ظروفكم في هذه الحياة، في واقعكم في هذه الحياة، أكثر عزة، أكثر سعة، أوسع يسراً... وهكذا، مع تكفير السيئات، مع المغفرة، ثم عندما أضاف إلى ذلك قوله -جلَّ شأنه-: {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، ليذكِّرنا بأنَّ المجال مفتوح أيضاً لنعمٍ أوسع، هذا من فضل الله العظيم، وأيضاً يعد بما يمكن أن يكون أكثر ذلك.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
نص المحاضرة الرمضانية الرابعة والعشرون: 1441هـ 17-05-2020م.
تتمة الحديث عن الخيانة وحديث عن مكر الكافرين وتعنتهم