يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: الآية1]، زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ بكلها، وليس فقط منطقة معينة، (زِلْزَالَهَا): زلزالها الموعود، زلزالها النهائي، زلزالها الذي يُحدِث تغييرًا كليًا لها، زلزالها الذي ينسف جبالها الكثيرة جدًّا والهائلة والعظيمة، زلزالها الذي يحوِّل تلك الصخور الصلبة في تلك الجبال إلى فُتَاتٍ، إلى ذراتٍ متناثرة، إلى غُبَارٍ يتطاير في الجو، {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا} [الزلزلة: 2-3]، يندهش، ولا يستوعب ما يحدث أبدًا.
في آيةٍ أخرى يقول الله -سبحانه وتعالى-: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} [الواقعة: الآية1]، الحادثة الرهيبة الكبيرة العظيمة جدًّا (القيامة) {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ} [الواقعة: الآية2]، أمرٌ لا بد منه، {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} [الواقعة: الآية3]، يتغير واقع الناس كثيرًا وكثيرًا جدًّا، فينخفض قومٌ، وينخفض أُناسٌ، وتنخفض شخصيات، ويرتفع آخرون، {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً} [الواقعة: 4-6]، (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ): إن حالة الاهتزاز وكأنك أخذت شيئًا ترجه وترجه وترجه، حالة اهتزاز عنيفة جدًّا جدًّا جدًّا، فالأرض بكلها تعيش حالة (أو تشهد حالة) من الاهتزاز والارتجاج العنيف جدًّا، الذي يصل بالجبال في الأرض، وهي أثقل شيءٍ في الأرض، وأكبر شيءٍ في الأرض، وأصلب شيءٍ في الأرض، وأكثر شيءٍ في الأرض تماسكًا، إذا جئنا لنضرب المثل بثبات أي شيء نضرب المثل بالجبال (ثابت ثبات الجبال)، الناس يقولون في أثناء هذا العدوان: [شعبنا اليمني يثبت ثبات جبل نقم، وعطان… وإلى آخره]. يُضرب في الدنيا المثل بثبات الجبال. الجبال: كُتل هائلة، كبيرة، منغرسة في أعماق الأرض، قوية التماسك، البعض منها بكله كتلة صخرية، والبعض منها معظمه أو جزءٌ كبيرٌ منه كتلة صخرية مغطى بالطين، وكثيرة في الأرض، لدرجة أن كثرتها في الأرض، وثباتها في الأرض، وعمقها في الأرض، هي تنزل إلى أعماق الأرض، وتجذرها في الأرض، وثقلها وقوتها في الأرض، هو أهم عامل لتماسك الأرض من حالة الاضطراب والاهتزاز، وإلا الأرض من جانب الجاذبية، ومن جانب البحار والمحيطات التي تغطيها، تغطي مساحة كبيرة منها، ما يقارب مساحة الثلثين منها، لولا هذه الجبال (الكتل الهائلة في الأرض)، لكانت الأرض تعيش حالة اضطراب (اهتزاز)، فالله جعل الجبال في الأرض كما قال في القرآن: {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: من الآية15]، يعني: كي لا تميد بكم، كي لا تضطرب وتبقى مرتعشة وفي حالة اهتزاز وعدم استقرار بكم، الأرض لها حركتها، ولكن ضمن واقعٍ مستقر ومنتظم، وليس في حالة اهتزاز واضطراب، ولكن هذه الجبال (بُسَّت) فُتتت من شدة هذا الاهتزاز والارتجاج العنيف، ذلك الزلزال الرهيب يفتت تلك الجبال حتى تتحول أقوى الصخور فيها وأعظم الصخور فيها، وحتى الجبال التي هي بكلها كتلة صخرية تتفتت الصخور بالكامل، وتتحول إلى ترابٍ مسحوقٍ ناعمٍ ينتشر في الهواء، ولذلك يقول في آيةٍ أخرى: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير: الآية3]، إذا الجبال خلاص سُيِّرت في الجو، {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: من الآية88]، تنطلق في الأجواء متناثرة عابرة وكأنها سحب سحقت بدرجة هائلة جدًّا وقوية للغاية وعنيفة جدًّا، ثم طارت في الهواء وكأنها سحاب، كأن ذلك الجبل تحول إلى سحابة معينة تطير في الجو. يقول الله -سبحانه وتعالى-: {فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً}، هذه الجبال بعد أن فتتت تتحول إلى هباء، والهباء: هي تلك الجزئيات التي تُشاهد في ضوء الشمس إذا دخل من نافذة معينة جزئيات صغيرة جدًّا تتطاير في الجو.
يقول في آية أخرى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا…} [الحاقة: 13-17]، (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ)، وهناك آيات متعددة تحدثت عن صيحة القيامة بهذا التعبير: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ}، صيحة القيامة، الله أعلم هل هي موجه صوتية هائلة جدًّا، أم ماذا؟! هذا أمرٌ وتفاصيل لا نحتاج إلى الحديث عنها، كيف هي، لكن هذا الحدث الهائل تُحمل الأرض معه والجبال فتدك، وهذه العبارة قلنا في محاضرة سابقة (فَدُكَّتَا) أنها قد توحي أن الأرض تتعرض أيضًا لضربات من كواكب أخرى، أو نجوم أخرى، أو قطع من الأجرام السماوية تضربها بشكل كبير، هذا مفهوم الدك للشيء، ولأن القيامة يفقد فيها العالم بكله ما فيه من: كواكب، ونجوم، وأجرام سماوية، تفقد تماسكها الذي هي الآن عليه، التماسك الذي هي الآن عليه تفقده تمامًا، تندثر الكواكب والنجوم وتضطرب، ويضرب بعضها بعضًا، فربما يحصل للأرض حصتها من ذلك.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من كلمة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
السلسلة الرمضانية 1439هـ – المحاضرة السادسة
أبريل 18, 2019م