ثانياً: أتت صيغة الاستعاذة على نحوٍ مميزٍ لا مثيل له في القرآن تجاه الاستعاذة التي تكررت في القرآن الكريم، الاستعاذة من الشيطان أتت في القرآن الكريم: {رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}[المؤمنون: من الآية97]، الاستعاذة بالله من أمور أخرى، {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}[البقرة: من الآية67]، في دعاء موسى -عليه السلام-، في استغاثة مريم: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا}[مريم: من الآية18]، تكررت الاستعاذة في القرآن الكريم، ولكنها أتت هنا على نحوٍ عجيب، تعبِّر عن التجاء كبير إلى الله -سبحانه وتعالى-، من حيث أنه الرب، ومن حيث أنه الملك، ومن حيث أنه الإله، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ}، استعاذة بهذه الصيغة العجيبة التي تدل على أهمية وخطورة هذا الشر إلى نحوٍ كبير، إلى حدٍ رهيب، فنحن نلتجئ إلى الله -سبحانه وتعالى-، ونستجير به، نلتجئ إليه ليدفع عنا هذا الشر، ليدفع عنا هذا الخطر، نلتجئ إليه -جلَّ شأنه- باعتباره الرب، والرب يعني: أنه الخالق الرازق المالك، مجموع هذه الصفات الثلاث، فهو -جلَّ شأنه- الذي يرجى من حيث أنه ربنا المربي لنا، المنعم علينا، المالك لنا، الخالق لنا، هو الذي نرجوه ونلتجئ إليه من هذا الجانب وبهذا الاعتبار ليدفع عنا هذا الشر، وهو من يمتلك القدرة، وهو الرب الخالق المالك الرازق من له القدرة على أن يصرف عنا هذا الشر، وأن يدفع عنا هذا الخطر.
ونحن نلتجئ إليه -سبحانه وتعالى- من حيث أنه الملك {مَلِكِ النَّاسِ}، في الآية المباركة، هو ملك السماوات والأرض، الملك في كل هذا العالم وكل هذا الكون، من له الأمر والنهي والتصرف، وهو المقتدر المدبر لشؤون هذا الخلق، فهو من يملك القدرة على أن يدفع عنا هذا الخطر، وهذا الشر، ونحن نلتجئ إليه من حيث أنه الإله إلهنا، إله الناس -جلَّ شأنه-، {إِلَهِ النَّاسِ}، فهو -جلَّ شأنه- الذي يأله إليه كل مكروب، ويفزع إليه ويلوذ به كل مغموم، وهو -جلَّ شأنه- من يعتبر الالتجاء إليه عبادةً له، وقربةً إليه، ووسيلةً لنيل حمايته، لنيل رحمته، لنيل فضله، لأن يمنَّ علينا ويرحمنا ويدفع عنا هذا الخطر، فهي قربة إلى الله ووسيلة مؤمل منها ويرجى من خلالها رحمة الله -سبحانه وتعالى-، ودفعه عنا لهذا الشر ولهذا الخطر.
فهذه الاستعاذة وهذا الالتجاء الذي ينبغي أن يكون بوعي، وأن يكون من أعماق قلوبنا، من واقع الشعور بالحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى-، الحاجة الكبيرة لدفع هذا الخطر الكبير، وهذا الشر الكبير، هذه مسألة مهمة جداً، وهذا الالتجاء الذي ينبغي أن ينطلق من شعور بالعبودية لله، وشعور بالحاجة إلى الله -سبحانه وتعالى-، ومن واقع الشعور بهذه العلاقة فيما بيننا وبين الله، هذه العلاقة من حيث أننا عبيده وهو ربنا، ومن حيث أننا في مملكته وهو ملكنا، ومن حيث أننا أيضاً في موقع العبودية له وهو إلهنا، من واقع هذه العلاقة عندما نلتجئ ونحن نحمل هذا الشعور الذي يعي طبيعة هذه العلاقة في كل هذه الجوانب الثلاث: من حيث أنه الرب، أنه الملك، أنه الإله.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثامنة: 1441هـ 01-05-2020م.