وهكذا بعث الله نبيه محمدًا (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) خاتم الأنبياء والمرسلين، بعثه بالرسالة الخاتِمة، بعثه بالإسلام - دينًا عظيمًا - هذا الدين القويم هو إرث الأنبياء، هو خلاصة رسالتهم، القرآن الكريم هو يمثل الوثيقة الإلهية التي تضمنت محتوى كتب الله السابقة، بعث الله نبيه محمدًا على فترة من الرسل في ظل جاهلية جهلاء اطبقت ظلماتها على الأرض فعمَّ في هذه الدنيا: الجهل والظلم والشر والفساد والطغيان، وتنصلت البشرية عن تعاليم الله التي أتت في السابق عن طريق أنبيائه ورسله وكتبه، وأصبح واقع البشرية واقعًا سيئًا جدًّاً انحط الإنسان فيه عن إنسانيته كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا.
فكان محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) رحمة للعالمين، بعثه الله بالنور والهدى ليعيد للإنسانية إنسانيتها، ليعيد لها كرامتها واعتبارها، ليأخذ بهذا الإنسان ويضيئ له الطريق ليؤدي دوره في هذه الحياة كخليفة لله في أرضه بما ينبغي أن يكون عليه هذا الإنسان سموًّا وكرامةً وقيمًا وأخلاقًا ومبادئ؛ ليعمر هذه الحياة وهو يحمل تلك القيم والمبادئ، فيكون وجودهُ في هذه الحياة يحقق له ما أراده الله له من الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.
فالنبي (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) بُعث في محيطٍ وبيئةٍ - شأنها شأن بقية العالم - غارقة في الكفر والشرك والظلم والفساد ومفاسد الجاهلية بكل أشكالها وعاداتها السيئة في مكة بالرغم من قداسة مكة، بالرغم من وجود بيت الله الحرام فيها، لكن مع كل ذلك كان المجتمع في مكة شأنه الى حدٍّ كبير شأن سائر المجتمعات البشرية في بقية أنحاء المعمورة آنذاك، لديه كل الأمراض، كل المثالب، كل المساوئ، والكل في كل بقاع الأرض كانوا في حاجةٍ ملحةٍ وماسة إلى رحمة الله سبحانه وتعالى وهدايته ونوره.
مع هذه الظلمات، مع هذا الضلال وهذا الضياع وهذا الجهل جاءت رحمة الله وإرادته لاستنقاذ هذه الأمة، ولتغيير واقعها، ولإصلاحها لتتحمل مسؤولية عظيمة يكون لها أثر كبير بتغير واقع حياتها، ويكون على ذلك فلاحها وعزتها وسعادتها في الدنيا والآخرة.
فمثلت الرسالة الإلهية على يد خاتم الانبياء محمد ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› رحمة وخيرًا وشرفًا للعرب جميعًا، للعالمين أجمع، وعندما تحرك النبي ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› برسالة الله سبحانه وتعالى صادعًا لأمر الله؛ يحمل للبشر جميعًا ما تحمله الأنبياء من الخير، ومن إرادة الهداية والحرص على هداية الناس، وإرادة الخير للناس، والعناية والاهتمام البالغ بأمر الناس وسعادة الناس، والسعي الدؤوب إلى تغيير واقعهم نحو الأفضل، وإعادتهم إلى الصراط المستقيم والمنهج القويم.