ثم يستمر الحديث ليقدم لنا من لهم العذر الحقيقي في التخلف عن الجهاد في سبيل الله خصوصاً عندما يكون هناك نفير عام، أحياناً يكون هناك استنفار عام، يعني هناك تحدٍ كبير يوجب أن يكون هناك تحرك جماعي من الكل. طبعاً تقدم لنا حديث أن الاستنفار أحياناً قد يكون في إطار غير قتال حتى، أحياناً في قتال، أحياناً في عصرنا هذا لمظاهرة أو لأي عمل فيه إعلاء لكلمة الله أو دفع لهيمنة أعداء الله.{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ} هؤلاء الذين لهم عذرهم عند الله سبحانه وتعالى في التحرك للقتال في سبيل الله، {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ}ضعيف البدن الذي لا يستطيع أن يتحرك للجهاد في سبيل الله إما لأنه طاعن في السن أصبح شيبه كبير سن وضعيف لا يستطيع أن يتحرك ولا يتحمل أعباء القتال في سبيل الله، أو إثر مرض كان به فيما سبق مرض أضعفه وجعله على مستوى من الضعف لا يستطيع أن يتحرك، أو عنده ضعف نفسي من خلال حالة نفسية ومرض نفسي معين أعاقه، كل ما يندرج تحت الضعفاء اندراجاً صحيحاً.
{وَلا عَلَى الْمَرْضَى} المريض الذي لا يستطيع التحرك، {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} هؤلاء الثلاثة المريض، الضعيف، ويدخل ضمن المريض الجريح والمعاق وما إلى ذلك، في آية أخرى تحدث أيضاً عن الأعرج، {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} ما عنده أي إمكانيات ليتحرك بها في سبيل الله، ولا باستطاعة المجاهدين في سبيل الله أن يقدموا له أي شيء، فلا هو استطاع ولا هم استطاعوا أن يقدموا له أي شيء، هذه الفئات الثلاث ما عليها حرج، ولا عليها إثم لأنها لا تجاهد في سبيل الله لكن بشرط، بشرط {إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} فنصحوا من خلال أن يعملوا ما يستطيعون ما بوسعهم، يستطيع البعض بالكلام أن يشجع الأخرين، أن يدفع البعض، يستطيع البعض أن يقوم بدور في الإمداد، يستطيع البعض أن يقوم بدور مثلاً حراسة، أو أي دور على مستوى منطقته أو قريته، يعني: ليس معنى هذا إعفاء لهم من المسئولية بكلها، بكلها لا. فليعملوا ما يستطيعون، إذا لم يكن باستطاعته إلا الكلام فليتكلم وليشجع، ليعملوا ما يستطيعون، يعني: الإعفاء ليس إعفاء من المسئولية بكلها، هو إعفاء من القتال بالقدر الشاق عليهم والقدر الذي هم عاجزون عنه، أما ما عليهم، عليهم أن ينصحوا، أن ينصحوا لله ورسوله، ونصحهم في صدقهم مع الله ورسوله في عمل ما يستطيعون وفعل ما يقدرون أن يفعلوه.
فبهذه الحالة عندما يكونوا ناصحين لله ورسوله يعملون ما بوسعهم ويتحركون بقدر استطاعتهم في أي عمل ينفع يفيد، في هذه الحالة أصبحوا محسنين ولم يعودوا مسيئين ولا مفرطين {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ} فما عليهم إثم ولا عليهم حجة {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وهذه من مظاهر رحمته، وهذا من مظاهر غفرانه، رحمته ألا يكلف عباده فوق استطاعتهم ولا فوق مقدورهم.
ثم ذكر هنا حالة كانت قد دخلت في قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ} لكنه ذكرها خصوصاً؛ لأن فيها عبرة؛ لأنها تقدم لنا نموذجاً راقياً من المؤمنين الصادقين.
{وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} ترى هذا النموذج الراقي، هذا النموذج الراقي في إيمانه، في وعيه، في علاقته بالله سبحانه وتعالى، هم لا يستطيعون الجهاد في سبيل الله لماذا؟ ليس عندهم إمكانيات، ولا يتوفر لهم حتى ما ينتقل عليه إلى المعركة.
وقد أتى مجموعة من المؤمنين إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليتحركوا للجهاد في سبيل الله لكنهم كانوا فقراء، وظروفهم صعبة، ولم يكن بأيديهم ما يتحركون عليه، فليس لهم دواب يركبون عليها، ولم يكن بيد النبي نفسه أي إمكانيات إضافية يستطيع أن ينقلهم من خلالها، لم يكن هناك دواب، كان هناك عجز، كانت ساعة العسرة، فهم ليس بأيديهم هم ما ينتقلون به ويتحركون عليه، ولا النبي والمجاهدين معه كان بأيديهم ما يقدمونه لهم، هؤلاء لأنهم لم يجدوا أنفسهم مستطيعين لم يفرحوا، لم يقل: ها فرصة، فرصة سلمنا الجهاد في سبيل الله، ويشعر بالراحة لأنه توفر له العذر في التخلف لا.
هو متألم، هو حزين وشديد الحزن؛ لأنه ليس بيده ما ينفقه ويقدمه، وليس بيده ما يستطيع من خلاله أن يتحرك به في سبيل الله، ولا وجد مع النبي ولا مع المجاهدين معه كذلك ما يستطيع من خلاله أن يتحرك به معهم، فعز عليه أن يراهم متحركين في سبيل الله منطلقين في ميدان الجهاد وهو قاعد، عز عليه وأسف، هذا النموذج الإيماني الراقي، أولئك المؤمنين عز عليهم وأسفوا وتألموا أن ليس بأيديهم ما يقدمون مع شديد الرغبة في أن يقدموا، وعظيم الحرص على أن يبذلوا، وشدة الرغبة في أن يتحركوا، لكن لم يكن باليد حيلة فبكوا وبكوا بكاءً شديداً.
وعبارة: {وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} تدل على عظيم إيمانهم وشدة رغبتهم في الجهاد، لقد كان بكاؤهم بكاءً شديداً، وكانت دموعهم تفيض من أعينهم وتسيل سيلاناً كثيراً لشدة حزنهم وألمهم أن لا يجدوا ما ينفقون، ولا ما يقدمون، ولا ما به يتحركون، هذا هو النموذج الصادق مع الله سبحانه وتعالى، المحب للجهاد في سبيل الله.
ولقد عرفت في مسيرتنا هذه مسيرتنا القرآنية الجهادية نماذج كهذه، نماذج من هذه النوعية الذين هم على مستوى عظيم من الإيمان والرغبة في الجهاد لدرجة أنه يبكي، يبكي ألماً وحسرة أنه ليس بيده ما يقدمه، ولا وجد في الظروف التي تستدعي تحركه لا وجد منا القدرة ولا كان لديه القدرة على أن يقدم ما يتحرك به، ولا لدينا القدرة على إعطائه ما يتحرك به فبكى، والبعض كان يبكي فرحاً عندما يتوفر له السلاح ليجاهد في سبيل الله، يبكي من الفرح ويسجد شكراً لله.. هذا النموذج له عذره عند الله، لا عليه حرج ولا عليه ملام ولا عليه عتاب وطوبى له طوبى.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم.
دروس من سورة التوبة - الدرس السادس .
ألقاها السيد
عبد الملك بدر الدين الحوثي
الدرس السادس
بتاريخ
21/رمضان/1434هـ
اليمن – صعدة