ولذلك عندما نتأمل في القرآن الكريم ونجد أنَّ أحداث يوم القيامة هي أحداثٌ مهولة، هذا بحد ذاته يبين لنا كيف أنَّ عملية الحساب- وهي ما قبل الجزاء- هي عملية حاسمة، لا مجال فيها للمجاملة، لا مجال فيها للرشوة، لا مجال فيها للوساطات، لا مجال فيها للحيل، أن يأتي الحساب وأن تأتي مرحلة الحياة الآخرة بتلك الأحداث المهولة في يوم القيامة، من دمارٍ لهذه الأرض، وخرابٍ لها، ودكٍ لها، من نهايةٍ لكل مظاهر الحياة عليها: بحارها، وأنهارها، وأشجارها، ما على هذه الأرض من القرى، من المدن، من المساكن، بل ما عليها من الجبال، بكلها تدك وتنتهي، الله -جلَّ شأنه- يقول في القرآن الكريم وهو يتحدث عن يوم القيامة: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}[الحاقة: 13-15]، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ}، هو الحدث الرهيب الذي به تقوم القيامة: النفخة في الصور، {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}، هذه نفخة الدمار لهذه الأرض ولهذه الحياة، النفخة التي يموت فيها كل الذين لا يزالون أحياء حينئذٍ على وجه الأرض، بل حتى في السماوات، {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}، واحدة فقط، في ضربةٍ قاضية وحاسمة، ليست عبارة عن أحداث متسلسلة، وأحداث تبقى فيها فراغات من الزمن، وفرص يستغلها الإنسان، لن تأتي المسألة أن يأتي التدمير الجزئي في بقعةٍ أو ناحيةٍ محدودةٍ من الأرض، ثم تبدأ هكذا من منطقة تتنقل إلى منطقة أخرى، لا، حتى نقول: [سيستغل البعض الفرصة]. مع أنَّ البعض حتى لو كانت على هذا النحو لما استغلوا الفرصة، المسوِّفون هم دائمون في تسويفهم، دائماً ما يتأخرون، ودائماً ما يغفلون، ودائماً لا يبالون حتى يأتي الدور عليهم، هذه حالة المسوِّفين.
{نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}، فتكون ضربةً حاسمةً قاضية، لا يمكنك فيها أن تعلق الأمل أنك ستتوب، ستصلح، ستهتم بالأعمال الصالحة، سترجع إلى الله -سبحانه وتعالى- في وقتٍ معين قبل أن تصل أحداث القيامة إلى بلدك، أو إلى وطنك، أو إلى قريتك، أو إلى مدينتك، إنَّ كل الأرض بكل ما عليها من الجبال ستدمر عند هذه النفخة الواحدة بدكةٍ واحدة أيضاً، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}[الحاقة: الآية14]، واحدة فقط، دكة واحدة تنهي هذه الأرض، وتنسف ما عليها من الجبال، تبخِّر ما عليها من البحار، بل إنَّ هذه البحار تستعر، تستعر في قيعانها بالنيران، ويتبخر ما فيها من المياه، وتتغير كل المعالم على وجه هذه الأرض، كلها تدمَّر تدميراً كلياً، {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا}[طه: 105-107]، هذه النفخة الأولى، هذه الأحداث الرهيبة والمهولة مع ما هناك من خسوف، من تكويرٍ للشمس، من نهايةٍ للقمر، من دمار لهذه الحياة تدميراً كلياً.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من محاضرة السيد القائد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي / حفظه الله.
المحاضرة الرمضانية الثانية 1441هـ