هو الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب - ‹عليهما السلام› - أحد السبطين، وأحد سيدي شباب أهل الجنّة، وريحانتي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحد الخمسة أصحاب الكساء الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وسيد الشهداء، واُمّه فاطمة بنت رسول اللّه ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم›.
ولد سلام اللّه عليه في السنة الرابعة من الهجرة في شهر شعبان ولمّا ولد جيء به إلى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستبشر به وسماه الرسول ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› حسيناً.
عاش ‹عليه السلام› طفولته مع جده رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وتربى في أحضانه وحظي باهتمامه فورث سلام الله عليه من جدِّه إيماناً وطهراً وصلاحاً وزكاءً ونوراً وهدى وحرصاً على هداية أمة جدِّه، حرصاً على صلاحها، حرصاً على عزتها.
عرف بالفصاحة والوفاء والكرم والشجاعة من صباه، يعامل الناس معاملة طيبة ويبصرهم بشئون دينهم دون أن يواجههم بتخطئة.
ومن آدابه وآداب أخيه الحسن ‹عليه السلام› في ذلك أنهما رأيا أعرابياً يخفف الوضوء والصلاة فلم يشاءا أن يجبهاه بغلطه وقالا له: «نحن شابان وأنت شيخ ربما تكون أعلم بأمر الوضوء والصلاة منا، فنتوضأ ونصلي عندك، فإن كان عندنا قصور تعلمنا» فتنبه الشيخ إلى غلطه دون أن يأنف من تنبيههما إليه.
ومر يوماً بمساكين يأكلون فدعوه إلى الطعام على عادة العرب، فنزل وأكل معهم ثم قال لهم: «قد أجبتكم فأجيبوني» ودعاهم إلى الغداء في بيته.
أخبر جبريل ‹عليه السلام› رسول اللّه ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› بما سيصيب الحسين بعده وأن أمته ستقتله بعده في كربلاء فكان يبكي بكاء شديداً يلثم ثغر الحسين‹عليه السلام› ويقبله ويقول: (حسين مني وأنا من حسين، أحب اللّه من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط).
وروى أبو العباس الحسني يرفعه إلى ابن عباس قال: اشتد برسول اللّه ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› مرضه الذي مات منه فحضرتُه وقد ضم الحسين ‹عليه السلام› إلى صدره يسيل من عرفه عليه وهو يجود بنفسه وهو يقول: «مالي وليزيد لا بارك اللّه في يزيد اللهم العن يزيداً. ثم غشي طويلاً وأفاق. فجعل يقبل الحسين ‹عليه السلام› وعيناه تذرفان ويقول: «أما إن لي ولقاتلك مقاماً بين يدي اللّه».
وبعد أن فارق رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› الدنيا عاش محنة أبيه وأمه سلام الله عليهما بعد إقصائهما وعزلهما وظلمهما ووفاة أمه المبكر والجرح لمَّا يندمل بفراق جده رسول الله ‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› وبعد ما يقرب من خمس وعشرين سنة من فراقه لجده المصطفى‹صلى الله عليه وعلى آله وسلم› - وما حصل من انحراف بعده أوصل غلمان بني أمية (الشجرة الملعونة في القرآن) إلى التحكم على رقاب الأمة وظلمهم؛ تسارع الأمة إلى أبيه لينقذها مما قد وصلت إليه من الضياع والتيه والظلم والجبروت، ولكن بعد أن تغيرت النفوس، وقُدِمت البدائل المغلوطة ولم يعد من الإسلام إلا اسمه ولا من القرآن إلا رسمه.
فعاش صراع أبيه مع الناكثين والقاسطين والمارقين، فكان أحد القادة الأبطال في جيش أبيه أمير المؤمنين علي ‹عليه السلام› تخرج من مدرسته، وتعلم منه البطولة والشجاعة وفنون القتال، وتعلم من أبيه معالي الأخلاق وكريم الصفات.
وبعد استشهاد أبيه سلام الله عليه عاش معاناة أخيه الإمام الحسن ‹عليه السلام› وما لاقاه من المتخاذلين والتي انتهت باستشهاده أيضاً.
وعاش تَحَكُّم بني أمية وسيطرة الموروث الجاهلي بشكل كامل على الأمة وما عانته الأمة التي خذلت أباه علياً وأخاه الحسن الذين استشهدا على يد بني أمية.
إلا أن وصية أبيه أمير المؤمنين له قبيل استشهاده كانت دائماً نصب عينيه عندما أوصاهما بقوله: «أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَأنْ لاَ تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا، وَلاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْء مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، وَقُولاَ بِالْحَقِّ، وَاعْمَلاَ لِلاْجْرِ، وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً.» فكان سلام الله عليه يرقب الوضع ويعمل ما بوسعه لرفع معاناة هذه الأمة وفي إصلاح الفساد المستشري في هذه الأمة وما وصلت إليه الأمة من الهوان والذل على يد بني أمية وتلافي ما يمكن تلافيه.
من كتاب" فاجعة كربلاء الاسباب والخلفيات" للأستاذ يحيى قاسم أبو عواضه