مـوقع دائرة الثقافة القرآنية – صحافة عربية ودولية – 22محرم 1441هـ
العهد الاخباري: جهاد حيدر
تحوّلت الضربة القاصمة التي تعرضت لها “درة تاج” النظام السعودي، الى نقطة تحول استراتيجي في حركة الصراع الذي تشهده المنطقة، في أكثر من مسار. فهو نقطة تحول بالنسبة للعدوان السعودي المتواصل على اليمن. وعلى مستوى النتائج هو نقطة تحول أيضًا في الكباش الأميركي الايراني، وأيضًا ستكون له مفاعيل وتداعيات تتصل بمعادلات الصراع على مستوى المنطقة وصولًا الى “تل ابيب”.
تنبع هذه المفاعيل، أولًا من حجم الضربة ولكونها أصابت عصب الاقتصاد السعودي، وأظهرت كم هو قريب من الانهيار بسواعد اليمنيين. ولجهة السياق الاستراتيجي – السياسي الذي تندرج ضمنه الضربة المتصل بمعادلات الدفاع التي فرضها انصار الله، وصولا الى معادلات الصراع بين محور المقاومة والمحور الاميركي – الاسرائيلي في المنطقة.
لا يعني انشغال “اسرائيل” بالانتخابات وبمصير بنيامين نتنياهو السياسي والشخصي، أنها مشغولة عن الاهتمام بالتطورات الاقليمية، وعلى رأسها محطة استهداف “أرامكو”. ولئن انشغل المعلقون بتطورات الوضع الداخلي الذي فرض نفسه على الأجندة الاعلامية، إلا أنهم سرعان ما عادوا ووجهوا بوصلة اهتمامهم الى هذا الحدث الاستراتيجي في رسائله ونتائجه وتداعياته، حتى لو لم تحتل – بفعل التجاذب السياسي الداخلي – صدارة الاهتمام الاعلامي.
المؤكد أن هذه المحطة المفصلية حضرت لدى مؤسسة القرار في “تل ابيب”، والجهات المختصة، من خلال عدة عناوين: النتائج، والوسائل القتالية، وأصل القرار.
يتجاوز الاهتمام الاسرائيلي بهذا الحدث المفصلي النتائج الاقتصادية للضربة التي تلقتها “ارامكو”، ويمتد الى تداعياتها السياسية والعسكرية سواء ذهبت باتجاه الارتداع الاميركي – السعودي، عن أي خيار عسكري دراماتيكي، وهو المرجح، أو حتى في الاتجاه المعاكس. ففي كلا الحالين فإن لهذه المسارات مفاعيلها وتداعياتها المباشرة على معادلات الصراع مع “اسرائيل”.
دقة الاصابة والمدى الذي قطعته الوسائل القتالية التي استخدمها انصار الله هي مبعث قلق ورصد لدى المؤسستين العسكرية والاستخبارية
في نفس السياق، الواضح أن الضربة التي وجهتها أنصار الله للنظام السعودي سوف تشكل محطة حاسمة في الدفع نحو انهاء الحرب لمصلحة الشعب اليمني. وبالتأكيد فإن لهذا المسار ايضًا مفاعيله المباشرة على الكيان الاسرائيلي انطلاقًا من أن اليمن وتحديدًا انصار الله هم جزء أساسي في محور المقاومة ضد كيان العدو، وهم المعروفون بشعارهم الموت لـ”اسرائيل”.
من أهم المعطيات التي يفترض أنها حضرت وسوف تحضر لدى قادة العدو وأجهزته المختصة، الموقع الجغرافي لليمن وهو ما يؤهل انصار الله للعب دور أساسي في مواجهة أي تطورات لاحقة في حركة الصراع ضد العدو. وفيما يتعلق بحجم هذا الدور ومفاعيله يكفي الالتفات الى المواجهة التي خاضها ويخوضها اليمن في مواجهة العدوان السعودي – الاميركي لتلمس حجم التصميم والاستعداد للتضحية الذي يتمتع به هذا الشعب، وما برز لديه من قدرات نوعية – من الواضح أنها في مسار تصاعدي متواصل. وهو تطور يخضع لدائرة الرصد الاسرائيلي لأكثر من سبب يتصل بأمنها القومي.
المؤكد أن دقة الاصابة والمدى الذي قطعته الوسائل القتالية التي استخدمها انصار الله، وما أدت اليه من نتائج عسكرية هي مبعث قلق ورصد لدى المؤسستين العسكرية والاستخبارية. وأكثر ما سيحضر أمامهم أن اليمن المحاصر استطاع امتلاك هذه القدرات، فكيف الحال مع أطراف محور المقاومة المحاذية لفلسطين، والتي من الممكن ايصال هذه الوسائل وغيرها اليها بطرق أسهل وبكميات أكبر؟ في هذا السياق، من الجدير التذكير ببعض رسائل أمين عام حزب الله التي سبق أن لوّح بها للعدو، فما حصل في “أرامكو” شكل عينة لكيان العدو لما يمكن أن يصيبه في مواجهة عدوان واسع في المنطقة.
قد تكون الرسالة الأهم والأخطر بالنسبة لقادة العدو الاسرائيلي تكمن في القرار الذي أنتج هذه الضربة
مع ذلك، قد تكون الرسالة الأهم والأخطر بالنسبة لقادة العدو الاسرائيلي، وغيرهم من القوى الاقليمية والدولية، تكمن في القرار الذي انتج هذه الضربة. بمعنى أن كيان العدو بات أكثر ادراكًا بأن محور المقاومة يملك الشجاعة والارادة لتوجيه ضربات بهذا المستوى من التداعيات والمفاعيل، انطلاقًا من ثقته بقدرته على الردع والاستعداد العملاني للمواجهة التي قد تنتج عنها. ويتوقع أن يكون هذا المفهوم هو الأكثر حضورًا لدى مؤسسات القرار لدى كيان العدو، وعنه تتفرع كل الرسائل السياسية والاستراتيجية والردعية التي ستتوالى تداعياتها وتشمل كل ساحات المنطقة.
المبادرة الجريئة التي تمثلت باستهداف عصب الاقتصاد السعودي، بدا أنها حضرت وستحضر أيضًا لدى الجهات المختصة بحثيًا ورسميًا، كونه مثَّل ايضًا استعراضًا عملانيًا لقدرات محور المقاومة العملياتية، خاصة وأنه اقترن بتصميم على جدية الرسائل والتي توزعت في الايام والاسابيع الاخيرة ضد أي عدوان أميركي على الجمهورية الاسلامية.
في نفس السياق، يمكن التقدير أن أكثر ما تخشى “تل أبيب” من مفاعيله أيضًا، هو أن مسلسل الضربات التي شهدتها منطقة الخليج وصولًا الى استهداف “أرامكو”، أدى وسيؤدي الى مزيد من التآكل في قوة الردع الاميركية، وتعزيز قوة ردع ايران وحلفائها في المنطقة. من هنا فإن ما سيكون موضع رصد ومراقبة في “تل ابيب”، هي الخطوات التي ستلي هذه المحطة – التحول، على أكثر من مسار.
على المستوى اليمني السؤال الذي يفرض نفسه على كل الجهات الدولية والاقليمية وايضًا في “تل ابيب”، هل هناك ضربة أخرى تلي هذه الضربة، وبنفس المستوى؟ وماذا ستكون تداعياتها على الواقع السعودي؟ واذا ما كان هناك وهم بأن “المقاومة” اليمنية لن تكرر مثل هذه العملية، ينبغي تذكّر أن مجرد تقدير مثل هذه الضربة، قبل تنفيذها، كان أقرب الى الخيال، والآن بات واقعًا.
في ضوء ذلك، العبرة الأكثر حضورًا في “تل ابيب”، أن على الأجهزة المختصة في الكيان الاسرائيلي ألا تستبعد الكثير من السيناريوهات التي قد تكون تستبعدها لسبب أو لآخر، خاصة وأن شجاعة اتخاذ القرار بهذا الاستهداف في مواجهة النظام السعودي، الأولى أنه سيكون أكثر شجاعة ايضا في اتخاذ قرار بتوجيه ضربة بهذا المستوى وربما ما هو أشد في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، اذا ما آن الاوان لذلك، وبات ضرورة تفرضها مصالح المقاومة والدفاع والردع.