كانت تجربة كثير من الأمم تجربة فاشلة، أودت بها إلى الهلاك والخسارة الرهيبة، وكان من أهم الأسباب: ارتباط تلك الأمم بطواغيتها ومجرميها، وإعراضها عن الأنبياء وعن رسالة الله جل وعلا، مثل: قوم نوح، ومثل: عاد، ومثل: ثمود، والفراعنة، وغيرهم من الأمم.
ففي كل مراحلِ التاريخ تعاملتِ الأممُ تجاهَ رسالةِ الله بطريقةٍ خاطئة كَذَّبَتْ وتَعَنَّتَتْ وسَخِرَتْ واستهزأت وأسَاءَتْ أيَّما إسَاءَةٍ إلى رسل الله وأنبيائِه، قال الله تعالى: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[يس:30] وقال تعالى: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}[غافر:5] وهكذا كانت أغلبيةُ البشر تقابلُ رسالةَ الله بالتكذيبِ والرفضِ والتّعَنُّتِ، وكان من أكبر الأسباب هو اتِّبَاعُ الأهواءِ والرغباتِ والشهوات، وتأثيرُ المخاوف من قوى الطاغوت، واتباعُ المترفين المستكبرين قال الله تعالى: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ}[القمر:3] وكان في طليعةِ المكذِّبين والمحاربين لرسالة الله: الملأُ وهم المتحكِّمون المُتَسلِّطون من موقعِ الحكمِ والثروة، واقتدارِ السُّلطةِ والمال، والهيمنةِ بالظلم والطغيان قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ}[سبأ:34] في قوم نوح {قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}[الأعراف:60] في عاد قوم هود {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[الأعراف:66] في ثمودَ قومِ صالح كذلك، وقومِ شعيب وغيرِهم، قوى الهيمنة المتسلطةُ ترى في رسالةِ الله بما فيها من الحقِّ والعدلِ والخيرِ خطرًا على مصالحها، وإنهاءً لِهَيْمَنَتِهَا الظالمةِ المتجبرةِ والمستأثرة؛ فتتحرك ضدَّها، ويتحرك الكثير من الضعفاء معها، بعضُهُم بتأثير الأطماع، وبعضُهم بتأثير المخاوف، وبعضُهم بتأثيرِ الدِّعايةِ والتضليل، وبعضُهم بتأثيرِ العصبيةِ، وكلُّها تحتَ دائرةٍ واحدة هي الأهواء، وما أعظمَ خسارةَ الضعفاءِ الذين يتّبعون المستكبرين! وما أعظم حسرتَهم يومَ القيامة! حيثُ يتجلى خُسرانُهُم الفادح، قال الله تعالى: {وَبَرَزُواْ للهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ}[إبراهيم:21].