الیوم ينفّذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وعده بنقل سفارة بلاده إلى القدس بالتزامن مع الذكرى السبعين لتأسيس الكيان الإسرائيلي وكذلك الذكرى السبعين لـ”النكبة” وسط ردود أفعال متفاوتة من دول العالم وشعوبها وزعمائها.
وحاولت الحكومة الإسرائيلية إلى أبعد حدّ إقناع أكبر عدد ممكن من زعماء العالم لحضور هذا الحدث الاستثنائي، حيث دعت الخارجية الإسرائيلية 86 سفيراً، للمشاركة في المراسم، من المقرر أن يلبي نحو 30 منهم الدعوة، ومن بين السفراء الذين أكدوا حضورهم هذه الفعاليات المرتقب تنظيمها الأحد المقبل، سفراء بلغاريا، هنغاريا وتشيكيا، كما أعلنت 10 دول أخرى رفضها المشاركة لأسباب مبدئية وأخرى فنية منها مصر، روسيا، النمسا، ألمانيا، مالطا، المكسيك، بولندا، السويد والبرتغال، إيرلندا.
ومن بلاد الفتنة من المقرر أن تشارك إيفانكا ترامب، ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره ومستشاره جاريد كوشنر، ووزير الخزانة الأمريكية ستيف منوتشين، وسيكتفي صاحب القرار ترامب بمباركة هذه المراسم عبر كلمة مسجّلة بمقطع فيديو، حيث سيوجه من خلالها التهنئة لـ “إسرائيل”.
كيف سيكون الرّد العربي والإسلامي على هذا الحدث الخطير؟!
أولاً: الموقف العربي والإسلامي كان من الممكن أن يكون مشرّفاً ومؤثراً ومعرقلاً لاتخاذ مثل هذه الخطوة لولا توجيه طعنة في الظهر من قبل بعض الأنظمة العربية والإسلامية لكل العرب والمسلمين، فجميعنا يرى كيف تزحف بعض الدول العربية لأداء التحية لـ “الإسرائيلي” والتقرّب منه وصولاً للتطبيع معه على حساب أبناء عمومتهم الفلسطينيين الذين كانت قضيتهم الأساس بالنسبة لهذه الأنظمة، بل تمّ بناء السياسة العربية على أساس القضية الفلسطينية التي جمعت العرب حول قضية واحدة وهي وحدتهم وكان لها الفضل في إبقاء “الجامعة العربية” حية حتى سنين قريبة.
أما اليوم فالظروف السياسية تغيّرت وما كان يجمع العرب في الأمس أصبح يفرّقهم، أوليس من المخزي والمعيب أن تحضر شخصيات عربية وإسلامية في يوم افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، هل يعقل بأن حجم الانحطاط الأخلاقي وصل إلى هذا الحد؛ إيدي كوهين وهو إعلامي “إسرائيلي” قال عبر تغريدة له على موقع “تويتر” إنه سينشر صور وأسماء شخصيات عربية وخليجية ستشارك في حفل نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، وأشاد كوهين بتصريحات وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد الداعمة لـ “إسرائيل” في قصفها لأهداف إيرانية في سوريا، ولكن لا نعلم ما هو موقف ابن أحمد في حال ردّت عليه طهران بالمثل.
السعودية تلتزم الصمت ولا تنبس ببنت شفة حيال ما يجري، وعلى ما يبدو أن السكوت علامة على “الرضى”، وكأن ما يجري لا يعنيها وهو في الحقيقة محور وجودها الذي سترى نتائجه عاجلاً أم آجلاً، لكونها تتحالف مع “الشيطان” الذي يملك قدرة عالية على الإغواء، ولكن الله أعلم ماذا سيحصل بها بعد هذا الإغواء، وهل ما تفعله يستحق كل هذا الانحراف عن الهوية العربية والإسلامية أم إن المصالح الشخصية أصبحت أسمى من مبادئ الدول والأمة.
ولكن يبقى الأمل موجوداً في ظل وجود شعوب مقاومة لا ترضى بالانبطاح أمام العدو ولا تقبل الذل، وقد قدمت بعض الشعوب العربية أنموذجاً يحتذى به في هذا المجال، وما زال العدو يحسب لها ألف حساب، لأنها كوّنت لنفسها شخصية، وكياناً ووجوداً على عكس من كان يمتلك كل الإمكانات ولكنه لا يملك أي شخصية في هذا العالم سوى كونه “تابعاً”.
الفلسطينيون لن يتنازلوا عن حقهم في القدس وسيعبرون عن غضبهم بأشدّ اللهجات، وفي الغد سيخرج الآلاف منهم للتعبير عن رفضهم لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وسيساندهم إخوانهم في لبنان والأردن، حيث ستخرج مظاهرات من هاتين الدولتين وتتجه نحو الحدود مع فلسطين المحتلة، ومن المبشّر جداً أن تخرج تظاهرات من 46 دولة أيضاً للتنديد بقرار ترامب المتخذ في 6 ديسمبر 2017.
ثانياً: الاحتلال الإسرائيلي سيتخذ كل الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع حدوث أي خلل في هذا اليوم السعيد بالنسبة لـ “ايفانكا” وأصدقائها الصهاينة والتعيس بالنسبة لكل من لا يزال يؤمن بالحق والعدل في هذا العالم، وبما أن الحق لا يأتي إلا بالقوة مع من اغتصب الأرض وما زال يتوسّع في احتلاله كان لا بدّ من الفكر المقاوم الذي لم ولن يتخلى عنه الفلسطينيون الشرفاء في غزة والضفة وغيرها من المناطق، وهم يعلمون جيداً بأن المقاومة هي الحل الوحيد لاسترجاع الحق المغتصب.
لن تخيف الفلسطينيين الوحدات العسكرية التي سيتم مضاعفتها يوم غد حول قطاع غزة وفي الضفة الغربية المحتلة وستخرج مظاهرات بالآلاف احتجاجاً على نقل السفارة، التي دمّر قرارها عملية السلام وألغى ما اتفق عليه من حل الدولتين الفلسطينية والصهيونية، وهنا تثبت صحة كلامنا للمرة الألف بأن “إسرائيل” لا تعرف معنى السلام ولا يمكن أن يُبنى السلام مع القتلة والمجرمين، لذلك لا بديل عن خيار المقاومة.
ختاماً، سعادة إيفانكا ترامب التي عبّرت عنها في صفحتها على “الانستغرام” على خلفية افتتاح السفارة الیوم، لن تدوم طويلاً وستعود مع حقائب مكياجها التي لن تنفعها في رسم ابتسامة أخرى لها في ظل غليان شعوب العالم وغضبهم الذي سيعبرون عنه الیوم في 46 دولة حول العالم.
ــ الوقت التحليلي