جرت يوم الأحد 6/5/2018 الانتخابات البرلمانية التاسعة عشرة في لبنان لاختيار 128 نائباً من بين 917 مرشحاً يمثلون مختلف مكونات البلاد وفق نظام انتخابي جديد يحفظ النسبية ويحدّ من تأثير الطائفية.
هذه الانتخابات هي الأولى بعد توقف دام تسع سنوات بسبب الخلافات السياسية والظروف الأمنية المعقّدة التي عاشها لبنان طوال تلك الفترة، وهي أول انتخابات برلمانية تجري في إطار نظام انتخابي جديد اتفقت عليه الكيانات السياسية في لبنان، وقد حظيت هذه الانتخابات باهتمام كبير من قبل جميع المراقبين في الداخل والخارج لما لها من تأثير مباشر على مجمل الأوضاع في لبنان وفي عموم المنطقة.
ومن خلال قراءة المعطيات المتوفرة والنتائج شبه الرسمية عن هذه الانتخابات يمكن القول بأنها ستفرز أمرين أساسيين؛ الأول إمكانية فوز عدد لا يستهان به من المرشحين الذين يشاركون لأول مرة في هذه الانتخابات بفضل القانون الجديد "النسبي" الذي أجريت في إطاره، وبمعنى آخر الابتعاد على التقليد الذي كان سائداً في الماضي والمتمثل بالتقسيم الطائفي الذي حكم البلاد طوال العقود الماضية والذي قسّم البرلمان إلى أكثرية وأقلية عددية، وهذا الأمر من شأنه أن يمهّد الأرضية لحصول تغيير سياسي جوهري في لبنان مع مرور الوقت.
الأمر الثاني يرتبط بمفهوم الاستقلال وعلاقته الوثيقة بالمقاومة في لبنان التي لعبت وتلعب دوراً كبيراً في حفظ وحدة أمن واستقرار البلاد، وهذا الأمر تجلّى بشكل واضح بوجود حزب الله الذي نجح طوال الأعوام الماضية في إبعاد البلاد عن خطر الإرهاب وشبح التقسيم، وذلك من خلال التعاون والتنسيق التام مع الجيش اللبناني وباقي الفصائل الوطنية في البلاد.
من هذا المنطلق يمكن اعتبار الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الأحد في لبنان بأنها تمثل نقطة تحوّل أساسية في المسار السياسي والاجتماعي للبلاد، ومن المؤكد أنها ستعزّز المكانة السياسية للمقاومة المتمثلة بالدرجة الأولى بحزب الله، حيث يعتقد معظم المراقبين بأن النتائج النهائية للانتخابات ستفرز فوز المقاومة بعدد كبير من أصوات الناخبين، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى زيادة عدد النوّاب الذين يمثلون المقاومة تحت قبة البرلمان.
هذا الاستنتاج أكدته الكثير من مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية والإقليمية من بينها معهد "انستیتو واشنطن" الأمريكي الذي أعرب عن اعتقاده بأن حزب الله سيحصد أكبر عدد من أصوات المقترعين في الانتخابات البرلمانية في لبنان.
كما أكدت وكالة أنباء "رويترز" في تقرير لها بأن حزب الله سيفوز بعدد كبير من أصوات الناخبين بعد أن تمكّن من إحباط المؤامرات التي حيكت ضد لبنان خلال السنوات الماضية سواء من قبل الدول الغربية بقيادة واشنطن أم من قبل بعض دول المنطقة السائرة مع الركب الأمريكي وفي مقدمتها السعودية، مشيرة إلى أن هذا النجاح هو الذي أهّل حزب الله ليتبوأ مكانة أكبر في البرلمان القادم تفوق ما كان عليه في الدورات السابقة.
ومن اللافت أن وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن بينها "القناة التلفزيونية السابعة" رجّحت أيضاً فوز المقاومة اللبنانية بمزيد من المقاعد في البرلمان وانحسار قوة الطرف المقابل لحزب الله المتمثلة بـ "تحالف 14 آذار بقيادة سعد الحريري"، ما يثير قلق السعودية والكيان الصهيوني على الصعيدين السياسي والأمني لما تمثله المقاومة في لبنان من قوة كبيرة قادرة على إحباط مؤامرات تل أبيب ضدّ هذا البلد، وهو ما أثبتته التجارب السابقة خصوصاً في حرب تموز/يوليو عام 2006.
هذه المعطيات وغيرها تؤكد بأن لبنان مقبل على مرحلة سياسية جديدة من شأنها أن تعزّز التلاحم الاجتماعي من ناحية، وتزيد من ناحية أخرى قوة البلاد واستعدادها لإجهاض أي محاولة للمساس بأمنها واستقلالها وسيادتها نتيجة تكاتف الجيش اللبناني والمقاومة وباقي الفصائل الوطنية.
كما تعزز هذه المعطيات الاعتقاد بأنه ليس هناك أي تعارض بين الاستقلال والديمقراطية وضرورة دعم المقاومة للدفاع عن لبنان وحفظ وحدته وسيادته واستقراره، وهو ما تؤيده معظم الشخصيات السياسية والمكوّنات الدينية المؤثرة في الساحة اللبنانية التي تعتقد بأن حفظ البلاد والدفاع عن وحدتها واستقلالها واستقرارها يعتمد بشكل أساسي على وحدة مكوّناتها السياسية والاجتماعية والدينية ودعم المقاومة والجيش اللبناني للتصدي لأي تحدٍ أمني أو عسكري قد تواجهه البلاد في المستقبل.
ومن الطبيعي القول بأن الهدف من الانتخابات النيابية في لبنان بالنسبة لقوى المقاومة وتحديداً حزب الله، هو ليس الوصول إلى البرلمان؛ بل مواصلة الخيار الذي التزمته منذ العام 1982 والمتمثل بالتصدي لمحاولات بثّ التفرقة بين مكوّنات الشعب اللبناني ومنع أي عدوان خارجي على لبنان ولاسيّما من قبل الكيان الصهيوني، وبهذا يفشل رهان واشنطن والنظام السعودي على إمكانية اختراق الساحة اللبنانية لتحقيق مآرب المشروع الصهيوأمريكي في لبنان وعموم المنطقة.
-الوقت التحليلي